يقول تعالى في كتابه الكريم [ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ] (البقرة 183) ويقول جل وعلا [ وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون] (البقرة 184)
فهل اكتشف العلم الحديث السر في قوله تعالى [ وأن تصوموا خير لكم ]؟؟؟ ، لم يعد الطب الحديث يعتبر الصيام مجرد عملية إرادية يجوز للإنسان ممارستها أو الامتـناع عنها، فبعد الدراسات العلمية والأبحاث الدقيقة على جسم الإنسان ووظائفه الفسيولوجية ثبت أن الصيام ظاهرة طبيعية يجب للجسم أن يمارسها حتى يتمكن من أداء وظائفه الحيوية بكفاءة، وأنه ضروري جدا لصحة الإنسان تماما كالأكـل والتنفس والحركة والنوم، فكما يعاني الإنسان بل يمرض إذا حرم من النوم أو الطعام لفترات طويلة، فإنه كذلك لا بد أن يصاب بسوء في جسمه لو امتنع عن الصيام ...
كل هذه الحقائق وغيرها كانت موضوع ندوة " أسرار الصيام" التي عقدت مؤخرا في ساقية عبد المنعم الصاوي بمنطقة الزمالك بالقاهرة، والتي أدراها الدكتور مجدي بدران زميل معهد الطفولة جامعة عين شمس واستشاري حساسية ومناعة الأطفال والمراهقين وعضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة ..
وتحدث الدكتور مجدي بدران في بداية الندوة عن فوائد العلاج بالصيام، مشيرا إلي أن خفض الوزن الزائد يأتي في مقدمة هذه الفوائد، فخلال الصيام تستطيع كل 450 جرام من الدهن الزائد فى الجسم أن توفر الطاقة اللازمة للانسان ليوم كامل، وأيضا حرق الدهون مما يؤدى الى تجميع السموم المتراكمة فى الجسم و التخلص منها.
أما صيانة الجهاز الهضمى فهي واحدة من مزايا وفوائد الصيام، خاصة أن منح الجهاز الهضمى المشغول دائما إجازة اجبارية واجبة تؤدى الى التحسن الرائع فى كفاءه الهضم والامتصاص والاخراج.
وأشار بدران إلي أن الصيام يعمل علي علاج بعض الأمراض المستعصية كالروماتيد والذئبة الحمراء ومشاكل القولون العصبي، وبعض حالات الشلل ، وحساسية الطعام خصوصا حساسية القمح، صرف السوائل المتجمعة في الساقين والبطن، بالإضافة إلي زيادة كفاءة الحواس الخمسة، خاصة حاسة التذوق.
الصيام والعضلات
يخاف البعض من انخفاض قوه العضلات أو انحلالها مع الصيام ولكن تبين أن الصوم لا يقلل من أعداد الوحدات البنائية للعضلات مطلقا، أما خلايا الجسم الأخرى فربما ينقص حجمها وتنخفض قوتها ولكن ذلك لا يؤثر على كفاءتها الوظيفية .
ولكن هل الصيام سيكون الحل لمعضلة ضمور العضلات، الإجابة عن هذا السؤال يقودنا إلي التعرف علي الدروس المستفادة من صيام الحيوانات ، حيث تستطيع الدببه البيات الشتوي لمدة 130 يوما في المتوسط بدون حركة ثم تعود قوية في بداية الربيع بلا أي ضعف في عضلاتها.
بالرغم من معرفتنا بأن العضلات الهيكلية تتناقص وتبلي بغياب الحركة مثل ما نلاحظه في عالم الانسان عند الاصابة بالشلل والوقود لفترة طويلة ورحلات رواد الفضاء التي تسبب لهم ضمور العضلات، ولكن تبين حديثا أن الدببة تستطيع إعادة تدوير النيتروجين من البول و استخدامه لانتاج بروتينات للعضلات تحل محل الخلايا العضلية التالفة مما يمهد إلي ايجاد حلول للمصابين بضمور العضلات و العائدين من رحلات الفضاء !!!
الصيام مصفاة للسموم
وفى الأيام الأولى للصيام يتم التخلص من كمية كبيرة من السموم وبواقى الهضم عن طريق الفتحات فنجد الفم يصبح له رائحة مميزة واللسان يتغطى بطبقة سميكة، ثم تبدأ المرحلة الثانية فى التخلص من السموم بتنظيف الجسم من الافرازات السميكة وبعض الدهون والخلايا الميتة والخلايا المريضة والسموم البسيطة، وتزداد عمليه التخلص من السموم بالتدريج حتى نصل الى السموم التى تراكمت فى الجسم منذ الطفولة،وبعد عده أسابيع تبدأ عملية التخلص من السموم فى الأوعيه الدمويه فى المخ .
يشار إلي أن التخلص من هذه السموم يسترجع كفاءة الجهاز المناعى والجهاز الهضمى وعمليات التمثيل الغذائى.
قلة النوم في رمضان
وقد حذر الدكتور مجدى بدران من قلة النوم ليلاً فى رمضان، حيث تبين حديثاً أن قلة النوم تسبب قرحة المعدة ، فالبروتينات الحامية للمعدة والمسؤولة عن إصلاح أي خللأو تلف يصيب أنسجة المعدة والأمعاء الدقيقة تتكون أثناء الليل،و تتضاعف هذه البروتينات بحوالي 340 مرة أثناء النوم ، وتصل إلى أدنىمستوياتها في فترة ما بعد الظهر إلى العصر، وتقل هذه البروتينات مع قلة النوم ليلاً مما يمهد إلى الإصابة بقرحةالمعدة.
الأطفال المرضى والصيام
وشدد الدكتور مجدي علي بعض الحقائق التي تهم الكثير من الآباء، والمتعلقة بالأطفال المرضي في رمضان، حيث أكد علي ضرورة منع الأطفال المصابين بالحمى والقئ والاسهالات والجفاف وضربة الشمس من الصيام، كما أن الاطفال المرضى لهم معاملة خاصة عند صيامهم خاصة اذا كانوا يتناولون علاجا عن طريق الفم ،مثل مرضى الربو الشعبي والأطفال المصابين بامراض القلب ، أما الأطفال المصابون بمرض السكري أو مرضى الكبد وحالتهم جيدة يستطيعون الصيام بحذر، كما حذر من صيام الأطفال المصابين بالكلى ، لانهم بحاجه للدواء طوال اليوم .
وبالنسبة للأطفال الذين يعانون من السمنة، يفضل استبدال العصائر المحلاة بالسكر بعصير الفواكه الطبيعي، والاهتمام بطبق السلطة الطازجة، وتناول نوع واحد من النشويات كالأرز والمكرونة أو الخبز، كما يفضل استخدام اللحوم البيضاء بدلا من اللحوم الحمراء وتفضيل الأغذيه المسلوقة والمشوية على المحمرة والمقلية، واستبدال الحلوى الرمضانية بفاكهة أو قطعة واحدة صغيرة من الحلويات.
صيام الكائنات الحية
وتطرق الدكتور مجدي بدران أثناء الندوة إلي حقائق ممتعة تتعلق بصيام بعض الكائنات الحية، مشيرا إلي أن كل الكائنات تصوم، حيث تصوم الحيوانات عند المرض أو الخطر أو البيات الشتوى، فحيوانات السنجاب تأكل فى البيات الشتوى مره واحده كل خمسة أيام . وتصوم بعض أنواع أسماك السلامون عدة شهور خلال رحلتها من المحيطات الى الأنهار، حتى الانسان عند الخطر تنعدم الشهيه لديه، وعند العدوى تقل شهيته وهذا رد فعل طبيعى لحشد الطاقة من أجل مكافحة الميكروبات الغازية.
وفى دراسة جديدة عن الأعمار والشيخوخة، كشف الباحثون أن حرمان فئران التجارب من الطعام يوما بعد يوم يجعلهم أكثر مقاومه لحدوث مرض السكري ومرض الزهايمر مقارنة بمجموعه الفئران التى لاتصوم أو المجموعة التى تأكل طعاما منخفض السعرات الحرارية .
وتفرز الحيوانات الصائمة جزيئات هامة تسمى بالنيوروتروفينات و هى مواد تحافظ على سلامه الأعصاب والخلايا، كما يفرز المخ فى الحيوانات التى تصوم صياما متقطعا نوعا من هذه النيوروتروفينات التي تحمى المخ من التلف ، والفئران المحرومة من هذا البروتين الثمين تموت لأهميته القصوى للنمو وتطور الأعصاب