الخير والشر
يتنازع الخير والشر فى نفس كل إنسان، سعيا ًوراء الحصول علي غنائم هذه الحرب، فإما أن ينتصر الخير أو ينتصر الشر. وما أن تنتهى الحرب إلا وتشن حرباً أخري فى نفس الإنسان، فالخير والشر بداخلنا، فمنا من جند قواته للخير وأعد لها القوة والعدة لينتصر الخير دوماً بداخله وليناصره علي الشر، ومنا من جند قواته للشر وأعد لها الرذيلة لينتصر الشر بداخله علي الخير. ومن المؤسف أننا أصبحنا نعيش مناصرة الشر والبحث عن غنائمه المليئة بدماء الأبرياء وحقوق الضعفاء، فهو الطريق الأسهل فى نظر البعض للوصول إلي مطامعهم وهو الطريق الوحيد الذى يرضى كبرياء وغرور وشراسة البعض. ولا نعلم بأن هذا الطريق آخره نار تأكل الأخضر واليابس وتقول هل من مزيد. طريق لو علمنا آخره لما خطونا خطوة واحدة عليه، ولكن الشر دوماً يعمى صاحبه، ويشعره بالسعادة والسرور وهو يركض وراءه، حتي ينتهى بالشر الذى سيعود عليه لا محالة، وليري كل ما جمعه يتساقط أمام عينيه دفعة واحدة ولينتهى صفراً كما بدأ صفراً.
لو استطعنا أن نحصر القضايا والخلافات اليومية بين بنى الإنسان، لوجدنا أن النسبة الكبري منها والعظمي تلهث وراء مناصرة الشر عن الخير. فمنهم من يناصره من أجل الكيد بالآخرين والنيل منهم، ومنهم من يكون حاسداً للخير الذى مع غيره، ومنهم من يكون طامعاً وآكلاً لمال غيره ولو كلفه ذلك ما كلفه، فكل ما يهمه هو مناصرة الشر بداخله للوصول إلي مراده وإرضاء فيروسات الحقد الدفين والمحصنة بذخائر المبادئ الهدامة والقيم المعدومة. ومن المؤسف أن يتخرج منا نحن الأمة المسلمة أمثال هذه النماذج الفتاكة، التى جعلت من الخداع مهارة وفراسة، ومن الكذب رجولة وضرورة، ومن الشر وسيلة لفرض الهيبة والمكانة. ولو نظرنا حولنا دقائق معدودة، أو التفتنا عن يميننا أو شمالنا، لرأينا عجائب وقدرة الله فى هؤلاء الذين سبقونا علي طريق الشر. فكم منهم فقد أبنائه أو أعز من لديه وهو يعلم أن ذلك كان بسبب شره وسوء ممشاه، وكم منهم فقد صحته وعافيته بعدما كان يهز الأرض بخطواته ليدوس علي رقاب من شاء، وكم منهم فقد ماله وجاهه وأصبح مأواه خلف القضبان الحديدية. لذلك علينا أن نتعظ من هؤلاء الذين كانوا العبرة والموعظة لنا، وأن نستيقظ من غفلتنا قبل أن يأتى اليوم الذى نكون فيه بين رمال الأرض وعذاب القبر. ولن يفيدنا بعد كل ذلك إلا أعمالنا وما حصدنا منها من خير، فأين أنت يا طريق الخير؟