الإدارة الصحية والتحديات المستقبلية
تنبثق التحديات الجديدة التى تواجه الإدارة المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ فى القطاع الصحى فى المملكة العربية السعودية علي وجه الخصوص وفى دول العالم النامى بوجه عام، من طبيعة التحديات التنموية الاجتماعية والاقتصادية التى تواجهها المنطقة بل والعالم أجمع. وهذه التحديات يتوقع لها أن تزداد خلال السنوات القادمة. ويمكن تلخيص هذه التحديات فى بعدين رئيسيين. الأول؛ التغيير المتسارع فى أنماط الحياة ومستويات المعيشة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التى يتعرض لها الأفراد والجماعات. ويتمثل البعد الثانى فى التحديات السياسية والاقتصادية التى تواجهها أو ما يسمي بالعولمة والذى تجاوزت التغييرات فيه ظم الإنتاج والتبادل وآليات المنافسة إلي الثورة العميقة والواسعة فى نظم المعلومات والاتصالات والتقنيات الحديثة فى المجال الصحى. وعلي الرغم من الجهود التى بذلت فى المملكة العربية السعودية علي مدي النصف الأخير من القرن العشرين فى المجال الصحى ورغم الموارد المالية التى خصصت للتنمية الصحية خلال تلك الفترة، إلا أن محصلة هذه الجهود لا تزال متواضعة إذا قيست بحجم وطبيعة التحديات التنموية لهذا القطاع. وإذا قورنت هذه الجهود والموارد بأداء التنمية للدول التى تتصدر هذا السباق عالمياً، نجد أن هناك فجوة كبيرة بين الواقع والمأمول وبين الإمكانات والطموحات. وهى فجوة يفترض التعامل معها بواقعية وشفافية وموضوعية مجردة للوصول إلي رؤية واضحة المعالم محددة الأبعاد. إن الاستثمارات التى تمت فى المجالات المعرفية والفكرية وتنمية طاقات الإبداع والتنمية البشرية والسلوكية فى القطاع الصحى لم تكن موجهة توجيهاً صحيحاً يلتقى مع الاحتياجات الحقيقية لتنمية وتطوير هذا القطاع الحيوى. وبالرغم من الدور الريادى الهام الذى تؤديه أجهزة التنمية الصحية، إلا أن التغييرات المتسارعة تفرض الحاجة إلي تبنى ممارسات غير تقليدية يمكن إبرازها فى المقترحات التالية:
\ إعطاء جهود التنمية المؤسسية والبشرية والتدريب فى القطاع الصحى مضموناً استراتيجياً يلبى احتياجات تنمية طاقات الإبداع والتعليم المؤسسى فى المجال الصحى فى جانب، وتنمية رأس المال المعرفى للمجتمع ومؤسساته الصحية فى جانب ثانى، وربط هذه الجهود باحتياجات تنمية المزايا التنافسية للمنظمات الصحية وبأهدافها وخططها الاستراتيجية.
\ دعم وتنمية جهود تحسين وتنمية الجودة وتطوير وتنمية الأداء والإنتاجية والطاقات الإبداعية فى كل جوانب النشاط فى المنشآت الصحية، وجعل هذا التحسين جهدا مستمراً متواصلاً.
\ تطوير أساليب تحديد وقياس احتياجات التنمية البشرية والتدريبية وربطها باحتياجات تنمية أداء المنشأة الصحية ككل وربط هذه الجهود باحتياجات تنمية المستقبل الوظيفى والمسار الوظيفى للأفراد. كذلك تبرز الحاجة لمزيد من التطوير كبلورة مخططات التنمية البشرية والتدريب فى ثلاث محاور؛ الأول هو التدريب علي رأس العمل وهو أهم أنواع التدريب فى المجال الصحى. والثانى يتمثل فى التنمية الذاتية، وللأسف لا يحظي هذا النوع من التدريب بالاهتمام والجهد الكافيين فى المؤسسات الصحية بوجه عام. ويحتل التدريب خارج العمل المحور الثالث من التدريب ويتمثل فى المؤتمرات والندوات الطبية المحلية والإقليمية والعالمية.
\ دعم وتعزيز الاستفادة من جهود التنمية البشرية من خلال تحقيق تكاملها مع نظم وسياسات الموارد البشرية فى المنشآت الصحية. ففى المملكة العربية السعودية خاصة والمنطقة العربية عامة نلاحظ الافتقار إلي هذا الربط، لذلك علينا أن نتعامل مع التنمية البشرية من منظور أوسع يتجاوز تنمية القدرة ليشمل أيضاً تنمية الطاقات النفسية والالتزام والرغبة، وتنمية القدرة علي فهم انفعالات ومشاعر الفرد ذاته.
\ تطبيق نظم الجودة وتنمية التعليم المؤسسى داخل أجهزة ومراكز ووحدات التنمية البشرية فى القطاع الصحى، فلا يمكن تصور أن هذه الأجهزة تعين وتدعم تطبيق نظام الجودة وتحسين الإنتاجية وتنمية التعليم المؤسسى، فى حين أنها هى نفسها لا تطبق هذه المفاهيم. ومن ثم ينبغى إخضاع مختلف أنشطة التنمية البشرية الصحية ومختلف مدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها لعمليات تحسين الجودة وتنمية الإبداع والضبط والتطوير المستمر.
\ تطوير مواصفات ومعايير قياسية لأنشطة التدريب والتعليم الصحى ووضع مواصفات واشتراطات للمشتغلين فى هذه الحقول.
\ التفاعل والتواصل بين الأجهزة والخبرات والممارسين فى حقل التنمية البشرية والتدريب الصحى مع مزيد من الانفتاح علي الجديد والمستحدث عالمياً فى هذا المجال.
\ التفاعل بشكل أكبر وأسرع وأكثر فعالية مع ثورة المعلومات والاتصالات والتقنيات المستحدثة فى التعليم والتدريب الصحى.
$ أستاذ مشارك - قسم الإدارة العامة - جامعة الملك سعود - الرياض.