هل العميل شريك في المؤسسة؟
يثور تساؤل هام فى مؤسسات الخدمات فى الآونة الأخيرة حول مدي أهمية مشاركة العميل فى إنتاج وتسليم الخدمة التى تقدم إليه فى تلك المؤسسات، وإلي أى مدي يمكن الاستفادة من هذه المشاركة فى وضع الاستراتيجيات الخاصة بتحسين مستوي جودة تلك الخدمات. فقد أشار العديد من الباحثين (Gronroos 1990, Bown 19990) إلي أهمية الدور الذى يلعبه العميل فى منظمة الخدمات، ليس فقط فى استهلاك الخدمة وإنما أيضاً فى المراحل المختلفة لإنتاجها. حيث أكد شوبن (Choppin 1995) علي أن فلسفة الجودة الشاملة TQM تقوم علي منح العنصر البشرى بالمنظمة الفرصة للمشاركة فى أداء كافة الأنشطة، وأوصي بضرورة تقسيم "الإحساس بالملكلية" بين العمل والمنظمة بهدف نجاح المنظمة ككل. ولذلك فإن مشاركة العميل، باعتباره من أهم العناصر البشرية فى المنظمة، تعد أحد المحددات الهامة لنجاح فلسفة الجودة الشاملة. ولذلك فقد أوصي باتسيون (Bateson 1985) بضرورة قيام منظمة الخدمة بتحديد درجة مشاركة العميل بدقة لما لذلك من تأثير علي نجاح أو فشل تصميم الخدمة ككل. كما أن منظمة الخدمة يجب أن تدار بطريقة تشجع عملاءها لكى يصبحوا مشاركين فاعلين فى عملية التزويد بالخدمة. كما أوصي فلوريس (Flores 1995) بأن هذه المشاركة تعتمد علي الاستماع الجيد للعملاء لتحديد اهتماماتهم المتنوعة بدرجة عالية من الدقة، واسترجاع المعلومات الخاصة بهم باعتبارها أحد الوسائل التى يجب الاعتماد عليها لتطوير أداء الخدمة والتى تساعد كثيراً فى تقدير المستوي الحقيقى لها. ويستخدم فى ذلك مداخل عديدة مثل؛ المسح الشامل للعملاء، واسترجاع المعلومات، وأبحاث السوق، ورجال الصفوف الأمامية، وغيرها.
ومن ناحية أخري فقد اقترح ميلز وآخرون (Mills 1983 and 1986 Mills et al., 1983 Mills and Moberg 1982 Mills and Morris 1986) أنه علي مديرى الخدمات أن ينظروا إلي عملائهم باعتبارهم عاملين مؤقتين Partial Emplyee فى المنظمة باعتبار أن عملاء الخدمة غالباً ما تكون لهم إسهامات عديدة فى عملية تقديمة الخدمة، سواءً فى صورة معلومات أو فى صورة مجهودات. ففى معظم منظمات الخدمة، وخاصة المعقدة منها، يعتبر أداء العميل عنصراً هاماً جداً فى إنتاج الخدمة. وحيث أن العملاء غالباً لا يقومون بأداء أدوارهم بنفس كفاءة أداء العاملين، لذلك يلزم أن تقوم المنظمة ببذل مجهودات كبيرة لتعريف وتحديد الأداء أو السلوك الواجب اتباعه سواءً من جانب العميل أو مقدم الخدمة (العامل). وكلما كان هناك تحديداً لطبيعة ومدي مشاركة العميل فى الأداء، والذى يؤثر بدوره علي مجهودات المنظمة، كلما أدي ذلك إلي خفض وترشيد التكاليف.
وتجدر الإشارة إلي أن العميل قد لا يصل إلي مرتبة العامل فى أداء بعض المهام، ولكنه كلما كان أقرب لذلك كلما كان ذلك أفضل. وبالتالى فإن العميل الذى يكون لديه قدر من المعرفة بالنواحى الفنية لأداء الخدمة، فى ضوء نظم المنظمة وخططها، وفى إطار اجتماعى جيد، ووفقاً لما تحدده القواعد والقوانين المطبقة فى المنظمة، فإنه سيكون بمثابة عنصر فعال ونشط فى أداء الخدمة.
وتتم مشاركة العميل من خلال التفاعل الذى يتم بينه وبين مقدم الخدمة، وهذا التفاعل أطلق عليه "التقابل الخدمى Service Encounter". وقد أكد العديد من الباحثين أن إدراك العميل وانطباعاته التى تتكون أثناء التقابل الخدمى (أو ما يطلق عليه أحياناً لحظات الصدق Moments of Truth) هى المسؤولة عن رضاء العميل والذى يمكن أن يترتب عليه فى الأجل الطويل ولاء العميل للمنظمة Customer Loyality. كما أكد البعض علي أنه كلما زادت التكاليف التى يتحملها العميل فى التقابل الخدمى والتى تعرف ب"تكاليف تعاملات العميل" Transacting-cost Customer والتى تتمثل فى المجهود الذى يبذله العميل للحصول علي الخدمة، والوقت الضائع فى انتظار أداء الخدمة، والمشكلات التى يتعرض لها العميل خلال التقابل الخدمى؛ كلما أصبحت العلاقة بين رضاء العميل وإعادة الشراء علاقة غير خطية (Oliva et al. 1992).
ولا ينتهى دور العميل بمجرد الانتهاء من المشاركة فى إنتاج الخدمة أو استهلاكها، وإنما يمتد دوره ليقوم بتحديد والحكم علي مستوي جودة الخدمة. فالعميل هو الوحيد القادر علي الحكم علي مستوي جودة الخدمة التى يتلقاها.
وقد اقترح ميلز (Mills 1990) بأن التقابل الخدمى يجب النظر إليه باعتباره "علاقة وكالة" Agency Relationship أو بعبارة أخري، فإن العلاقة المتداخلة بين عملاء الخدمة والمنظمة يمكن اعتباره نوعاً من التعاقد Contract، حيث يرتبط شخص معين أو أكثر من شخص (وهو الطرف الرئيسى) مع شخص آخر (المنظمة) لأداء بعض الخدمات نيابة عنه من خلال تفويض بعض مسؤوليات اتخاذ القرارات إليه (المنظمة) نيابة عنهم (Jensen Meckling 1976). وسواء كان هذا التعاقد صريحاً أم ضمنياً فإنه يترتب عليه مجموعة من الحقوق والالتزامات بين الطرفين. ولا شك أن طبيعة هذا التعاقد (أو هذه المشاركة) تتغير فى ضوء درجة وطبيعة المشاركة التى يقدمها العميل خلال تفاعلاته مع المنظمة. كما أنها سوف تختلف أيضاً باختلاف مستوي مهارة العميل ونوعية دوافعه لهذه المشاركة. ومن هنا تظهر أهمية دراسة وتحديد مشاركة العميل فى أداء الخدمة باعتباره الأساس السليم لوضع سياسات واستراتيجيات إنتاجها وتسويقها.
وهكذا.. إذا اعتبرنا أن عملية التقابل الخدمى هى بمثابة "علاقة وكالة"، وإذا اعتبرنا أن العملاء هم أعضاء فى المنظمة أو "عاملين مؤقتين" فيها، فإن أى محاولة لتقييم وتقدير مستوي أداء الخدمة أو جودتها يجب أن تأخذ فى حسبانها المساهمات التى يمكن أن يقدمها العملاء أثناء عملية تقديم الخدمة.
وبناءً علي ذلك، فإنه لتحسين وتطوير عملية تقديم الخدمة وتعزيز جودة الخدمة الناتجة عنها، فإن عملاء الخدمة يحتاجون إلي فهم واضح للأدوار التى يقومون بها فى عملية التقابل الخدمى أخذاً فى الاعتبار كل من الجودة الفنية والجودة الوظيفية للعميل. وعملية التهيئة التنظيمية Organizational Socialization هى التى تقدم لمديرى الخدمة الوسائل والأدوات اللازمة لتسهيل فهم العملاء لأدوارهم (واجباتهم ومهامهم) فى عملية تقديم الخدمة.
وللحديث بقية...
$ أستاذ إدارة الأعمال المشارك وخبير التسويق والمبيعات بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض.
E-Mail monemr@rdacci.org.sa