حماية البيئة .. من أجل تنمية مستدامة لقطاع السياحة
يسعي المجتمع من خلال نشاطه الاقتصادى نحو استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة استغلالاً أمثل يفى بأكبر قدر من حاجاته متحملاً فى سبيل ذلك أقل نفقة مترتبة علي هذا الاستغلال. ومن أهم الموارد الاقتصادية لأى مجتمع، الموارد الطبيعية وهى عنصر الإنتاج الذى لم يسهم الجهد الإنسانى فى إنتاجها. وهناك جزء كبير من الموارد الطبيعية لا يخضع لملكية أى إنسان ولا يمكن السيطرة علي استغلاله اقتصادياً، كما لا يمكن تقدير قيمة نقدية له. وهذا الجزء هو الموارد البيئية التى تشكل الوسط الطبيعى الذى يحيا فيه الإنسان ويمارس نشاطه. وعند فشل المجتمع فى اعتبار البيئة مورداً اقتصادياً وطنياً ينبغى التبصر فى استغلاله والترشد فى استهلاكه، إذ أن النتيجة لا تقتصر فقط علي عدم تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بل تمتد أيضاً إلي تلويث البيئة. وينعكس تلوث البيئة فى كل تغيير فى الصفات الطبيعية للعناصر التى تتحكم فى البيئة التى يعيش فيها الإنسان تغييراً يؤدى إلي الإضرار بالإنسان ورفاهيته.
وكأى قطاع اقتصادى آخر فإن قطاع السياحة يعتمد فى إنتاج الخدمات السياحية علي الموارد الطبيعية، ومن أهمها البيئة. ومن الملاحظ أن غالبية عناصر السياحة ترتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالموارد البيئية. وتتمثل السياحة فى مجموعة الأنشطة الترويحية التى يقوم بها أفراد المجتمع خلال انتقالهم المؤقت إلي مناطق غير أماكن سكنهم الدائم. وتعكس هذه الأنشطة التداخل بين السياحة والبيئة، والتى يمكن تلخيصها فى بعدين رئيسيين؛ أولها آثار الأنشطة السياحية علي البيئة، وثانيها آثار التغييرات البيئية علي الأنشطة السياحية.
آثار الأنشطة السياحية علي البيئة
تتعلق آثار الأنشطة السياحية علي البيئة باستهلاك الموارد الطبيعية وزيادة مصادر التلوث والنفايات الناجمة عن هذه الأنشطة، وكذلك ما قد ينجم من ضغوط علي التنوع الأحيائى. ومع زيادة النشاط السياحى فى منطقة ما، فإن الضغوط علي الموارد الطبيعية تزداد بصورة واضحة. ومن أبرز هذه الموارد المياه العذبة، حيث يزيد الاستهلاك فى كثير من الاستخدامات المرتبطة بالسياحة مثل الفنادق وحمامات السباحة وملاعب الجولف. وبشكل عام فإن استهلاك السياح من المياه أعلي بكثير من استهلاك السكان الأصليين فى أى منطقة وخاصة فى الدول النامية والتى تعانى أساساً من مشاكل ندرة المياه. وتؤدى الأنشطة السياحية المرتبطة بأحد الموارد الطبيعية إلي زيادة الضغوط علي هذه الموارد، مثل ما ينجم عن الأنشطة الترفيهية البحرية، مثل الغوص باستخدام أجهزة التنفس وصيد الأسماك والتزلج علي المياه، من آثار سلبية علي السواحل ومصائد الأسماك والشعب المرجانية. وتتضمن عمليات تنمية السياحة وتطوير المنتجعات السياحية العديد من الآثار السلبية علي الموارد، فمثلاً يؤدى شق الطرق وبناء المطارات وتطوير السواحل إلي نحت الشواطئ وتآكل التربة وتدهور استخدامات الأراضى واختناقات المرور وما يتبعها من تلوث الهواء والضجيج، وضغوط علي الموارد المحلية مثل الطاقة وخاصة الكهرباء وسبل النقل العام والأغذية خاصة فى المناطق التى تعانى من ندرة نسبية فى الموارد المحلية. ومن الطبيعى توقع زيادة نسبة الملوثات والنفايات فى المناطق الأكثر تركيزاً للسياح. وتأخذ هذه الملوثات أشكالها المعروفة حيث تزيد النفايات الصلبة والفضلات، إذ تقدر بعض الدراسات كمية النفايات الناجمة عن كل سائح بمقدار كيلوجرام واحد فى اليوم. وتزيد كذلك نسبة النفايات السائلة، وتلويث الهواء خاصة من جراء النقل السياحى المحلى والدولى نتيجة زيادة انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون من وسائل النقل وتكييف وتدفئة مرافق السياحة، بالإضافة إلي الضوضاء الناشئة عن هذه الوسائل. كما يؤدى تزايد الأنشطة السياحية إلي التأثير علي التنوع الأحيائى خاصة فى المناطق التى تعانى من الضعف البيئى مثل إعاقة موائل الأحياء البرية وإزالة النباتات وارتفاع نسبة حرائق الغابات وتصاعد استخدام الأخشاب وتكثيف الضغوط علي بعض الأحياء بسبب التجارة أو الصيد. ومن جهة أخري قد تؤدى الأنشطة السياحية إلي إحداث ضغوط اجتماعية وثقافية مثل زعزعة أسلوب المعيشة المحلى والهياكل الاجتماعية نتيجة تغيير تكاليف السياحة والتنافس بين السياح والسكان المحليين علي استخدام الموارد المحدودة الخاصة بالمياه والمرافق الصحية والطاقة. وقد يحدث تنافس بين الاستخدامات المختلفة للأراضى خاصة فى المناطق الساحلية. كما قد تؤدى السياحة إلي استحداث ممارسات تضر بالجهود التقليدية لحفظ التنوع الأحيائى واستخدامه المستدام.
آثار التغييرات البيئية
علي الأنشطة السياحية
بالإضافة إلي التباين الكبير بين الدول واتساع الفجوة بين الدول النامية والصناعية نتيجة استمرار المجاعات والفقر والمرض فى الدول النامية بينما يستهلك سكان الدول الصناعية معظم موارد العالم، فإن التهديدات البيئية لمستقبل العالم تقلص فعالية الحلول المقترحة لتقليص ذلك التباين. وتمتد قائمة التهديدات البيئية لتشمل استنزاف طبقة الأوزون والتغير المناخى، وتدهور التربة، والتصحر، وفقد التنوع الأحيائى، بالإضافة إلي تلوث الماء والهواء والأراضى. ولا شك أن التهديدات البيئية تؤثر بصورة مباشرة فى المناطق والأنشطة السياحية، فالتغير المناخى وما يتبعه من أضرار عالمية سوف يضر بالمناطق الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية نتيجة ارتفاع منسوب البحار والمحيطات، كما تقلل من الثقة فى استقرار الثلوج فى منتجعات التزلج، وغير ذلك من آثار مرتبطة بنتائج التغير المناخى وتوزيعها فى العالم. وعلي سبيل المثال فإن الكوارث التى نجمت عن إعصار "مينش" فى عام 1998م أثرت علي السياحة بقدر تأثيرها علي القطاعات الاقتصادية الأخري، وفى عام 1989م قدرت آثار إعصار "هوجو" علي صناعة السياحة بنحو 8 مليارات دولار. وكذلك تتأثر كثير من المقاصد السياحية بفعل فقد التنوع الأحيائى نتيجة فقدان جاذبية المناطق الطبيعية، وعلي سبيل المثال ما حدث فى منطقة البحر الأبيض المتوسط نتيجة انقراض أكثر من 500 نوع من النباتات.
$ أستاذ الاقتصاد المشارك - جامعة الملك عبدالعزيز - محافظة جدة.