فى الحج مدلول اقتصادى كبير؛ ذلك أنه فرصة للكسب المادى الدنيوى، والكسب الروحى الأخروى. ويقول سبحانه عز وجل ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين (سورة البقرة - الآية 198). وقد روي الإمام البخارى عن ابن عباس رضى الله عنه فى سبب نزول هذه الآية، أن عكاظ كانت متجراً للناس فى الجاهلية، فلما جاء الإسلام كرهوا ذلك، أى أن العرب تحرجوا من حضور أسواق الجاهلية حتي نزلت هذه الآية وأباح الله لهم ذلك. وفى هذه الآية إشارة إلي أن ما يبتغيه الحاج من فضل الله، مما يعينه علي قضاء حقه، ويكون فيه نصيب للمسلمين أو قوة للدين؛ فهو محمود، وما يطلبه لاستبقاء حظه أو لما فيه نصيب نفسه؛ فهو معلول. ومتي ما استقر فى قلب الحاج إحساس بأنه يبتغى من فضل الله، فهو إذن فى حالة عبادة لله، لا تتنافي مع عبادة الحج، فى الاتجاه إلي الله. ويقول سبحانه عز وجل وليشهدوا منافع لهم ...... (سورة الحج - الآية 28). وقد اختُلف فى تفسير المراد من المنافع، فبعضهم حملها علي منافع الدنيا، من الإتجار فى أيام الحج. وبعضهم حملها علي منافع الآخرة من العفو والمغفرة. وفى هذا يقول ابن الجوزى رحمه الله؛ "والأصح، من حملها علي منافع الدارين جميعاً، لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة، وإنما الأصل قصد الحج، والتجارة تبع". ففى الحج، منافع اقتصادية واجتماعية وسياسية، وفيه التعاون والتكافل وشعور المسلم بأخيه المسلم، وفيه تصفو النفوس وتزكو وتتصل بخالقها أيما اتصال، وفيه تكثر أعمال البر والخير والصدقة. ويعتبر الحج مؤتمراً إسلامياً لحل مشكلات المسلمين الاقتصادية، حيث يفد إلي الأماكن المقدسة ملايين المسلمين من شتي البقاع، منهم العلماء المتخصصون، فيكون ذلك فرصة طيبة لعقد المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية لمناقشة مشكلات المسلمين، فى سبيل الوصول إلي التكامل والتنسيق المنشود بين دول العالم الإسلامى. وفى الحج رواج اقتصادى للمسلمين، إذ يزداد الطلب علي بعض السلع والخدمات اللازمة لأداء مناسك الحج، فكم ينفق من النقود علي وسائل الانتقال، وشراء المأكولات والمشروبات، وشراء الملابس، وشراء الذبائح، وتكاليف الإقامة. وفى الحج دعوة إلي تطبيق منهج الاقتصاد الإسلامى، إذ فى الحج دعوة لتطهير المعاملات بين الناس من الخبائث والموبقات من ربا واحتكار وغش وتدليس وجهالة وأكل لأموال الناس بالباطل. كما أن الحاج عليه أن يتجنب الإسراف والتبذير والإنفاق الترفى. فالحج دعوة صادقة لتطبيق مقومات الاقتصاد الإسلامى علي مستوي دول العالم الإسلامى. والحج مؤتمر إسلامى تلتقى فيه الخبرات الإسلامية العالمية من جميع التخصصات، ولذلك فهو فرصة لتنمية العلاقات الاقتصادية بين المسلمين. وفى الحج فرصة لاغتنام منافع التجارة والعمل وكسب المعيشة، وكذلك منافع البُدن والذبائح للفقراء والمساكين والمحتاجين، داخل الأماكن المقدسة وخارجها. ويقول سبحانه وتعالي والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون (سورة الحج - الآية 36). $ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض.