الصراع على قزوين
ضمن سلسلة "دراسات معاصرة"، أصدر مركز الملك فيصل للبحـوث والدراسات الإسلامية الدراسة المعاصرة الخامسة والتى جاءت بعنوان "الصراع علي قزوين - دراسة للأبعاد الاستراتيجية للتنافس علي ثروات النفط والغاز فى منطقة بحـر قزوين". والدراسة من إعداد صالح محـمد الخثلان، وجاءت فى 66 صفحـة، واحـتوت علي أربعة فصول وخاتمة. ودارت الفصول الأربعة حـول؛ تاريخ البترول فى قزوين، ثروات قزوين - أرقام وتقديرات، العوائق والصعوبات التى تواجه إنتاج وتسويق البترول والغاز فى منطقة بحـر قزوين، والتنافس علي منطقة بحـر قزوين.
والواقع -حـسب المؤلف- أن آثار انهيار الاتحـاد السوفييتى لم تنحـصر فى الجوانب السياسية والأمنية، بل تجاوزتها إلي الساحـة الاقتصادية، حـيث زادت حـدة الأزمة الاقتصادية فى معظم دول الرابطة المستقلة التى ظهرت إلي الوجود فى أواخر عام 1991م. وتعيش غالبية السكان فى تلك الدول أحـوالاً معيشية صعبة، جعلت الكثير منهم يحـن إلي العهد السوفييتى علي الرغم من الطابع التسلطى للنظام السياسى السابق. هذه الأوضاع المأساوية قد تخفى جانباً أكثر إشراقاً وأملاً ويتمثل فى اكتشاف احـتياطات كبيرة من الموارد الطبيعية فى بعض المناطق السوفييتية خاصة فى وسط آسيا والقوقاز التى ستكفل -فى حـال حـسن استغلالها- حـياة معيشية كريمة ودرجة عالية من الرفاه شبهها البعض بحـال دول الخليج العربية خلال الطفرة البترولية. وتمثل اكتشافات البترول والغاز فى وسط آسيا والقوقاز بداية مرحـلة من النمو والتطور للمجتمعات المسلمة تعوضها عن سنين طويلة من الحـرمان، وتقدر العوائد الإجمالية لمبيعات البترول بنحـو 2،2 تريليون دولار وللغاز 5،1 تريليون دولار. وخلال السنوات التى تلت انهيار الاتحـاد السوفييتى، تسابقت الشركات الغربية لاستغلال ثروات تلك المناطق، وأعلنت عن استثمارات بلغت مليارات الدولارات. وقد دخلت المنطقة معظم الشركات العملاقة فى مجال الطاقة (Chevron Mobil, BP, Total, Texaco, IE).
من جهة أخري، فقد دفعت اكتشافات البترول والغاز وسائل الإعلام الدولية إلي الحـديث عن ظهور بديل لمنطقة الخليج العربى يكون مصدراً رئيسياً للطاقة. وبدأ خطاب سياسى وإعلامى غربى يزعم فقدان منطقة الخليج أهميتها الاستراتيجية بوصفها المصدر الأول للطاقة فى العالم مما أثار القلق بين حـكومات الخليج وشعوبه حـيث يمثل تصدير البترول والغاز المورد الرئيسى للدخل. ولكن -وخلال السنوات الثلاث الأخيرة- حـدث نوع من التحـول فى ذلك الخطاب، وظهرت شكوك حـول حـجم احـتياطات البترول والغاز فى المناطق المحـاذية لبحـر قزوين. وقد كشفت دراسات جديدة أن التقديرات الأولية التى وضعت احـتياطات البترول فى منطقة بحـر قزوين فى دائرة 200 مليار برميل كان مبالغاً فيها. ووفقاً لتقارير جديدة فإن حـجم الاحـتياطى الحـقيقى أقل من ذلك الرقم بكثير. كما أشارت هذه الدراسات إلي مجموعة من العوائق القانونية والسياسية والجغرافية والاقتصادية التى تحـد من أهمية بحـر قزوين مصدراً رئيسياً للطاقة.
هذه الدراسات الجديدة التى تلقاها أبناء تلك المناطق بشئ من التشكيك، تسببت فى المقابل بإعادة الطمأنينة لحـكومات الخليج العربية، حـيث أصبحـت قانعة بأن دولها تعد المصدر الأول للطاقة ولا يوجد منافس لها. ولكن تبقي جميع التقديرات القديمة المبالغ فيها والجديدة المتشائمة محـل تساؤل حـول دقتها وكذلك حـول دلالاتها. وما يزال السؤال قائماً حـول الدور الذى ستلعبه ثروات المنطقة فى أسواق الطاقة العالمية وآثار ذلك علي دول الخليج العربية. كما يبقي السؤال قائماً حـول الأهمية الاستراتيجية لمنطقة بحـر قزوين والتى لا تنحـصر فى ما تحـتويه أراضيها من ثروات بل تتجاوز ذلك إلي موقعها فى ظل التحـولات الجارية التى يشهدها النظام الدولى. كما أن الروابط التاريخية والدينية والثقافية بين شعوب تلك المناطق وبين الوطن العربى تستوجب شيئاً من الحـرص للتعرف علي المستقبل الاقتصادى للجمهوريات الإسلامية فى وسط آسيا والقوقاز والذى أصبح مرتبطاً بقدرتها علي استغلال مواردها من البترول والغاز. ومن ثم، فإن هذه الدراسة تسعي إلي البحـث عن إجابات عن تلك التساؤلات والمساهمة فى الوصول إلي معرفة موضوعية بحـقيقة مصادر الطاقة فى منطقة بحـر قزوين وانعكاساتها علي الأسواق العالمية. وتشتمل الدراسة علي إيجاز تاريخى ومناقشة للتقديرات المختلفة لاحـتياطات البترول والغاز الطبيعى. كما تستعرض الأبعاد القانونية لاستغلال ثروات منطقة قزوين، والعوائق التى تواجه الجمهوريات الإسلامية فى الإنتاج والتسويق. كما ناقشت الدراسة الأهمية الاستراتيجية للمنطقة المحـاذية لبحـر قزوين وانتهت إلي توصيات للجمهوريات الإسلامية فى وسط آسيا والقوقاز وكذلك لدول الخليج العربية حـول التعامل الأمثل مع مصادر الطاقة وجعلها سبباً للتعاون بدلاً من التنافس.