بتـــــاريخ : 3/15/2009 7:07:37 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1141 0


    فضائل الصحابة "6"

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : موقع المنبر | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    فضائل الصحابة

    الفصل الثامن: فضل الصحابة من أهل البيت عموماً وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً:
    المراد بأهل البيت لغة وشرعاً:
    الأهل لغـة:
    قال الخليل بن أحمد: "أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به" [1].
    وقال الراغب الأصفهاني: "أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً إذا قيل أهل البيت لقوله عز وجل ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــر﴾ [الأحزاب:33]" [2].

    قال ابن منظور: "وأهل المذهب: من يدين به وأهل الإسلام من يدين به وأهل الأمر ولاته، وأهل البيت سكانه وأهل الرجل: أخص الناس به، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه وبناته وصهره أعني علياً عليه السلام، وقيل: نساء النبي صلى الله عليه وسلم... إلى أن قال: والتأهل: التزوج، والآهل الذي له زوجة وعيال، والعزب الذي لا زوجة له... وآل الرجل أهله وآل الله ورسوله أولياؤه" [3].

    وأما شرعـاً:
    فقال القرطبي: "والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال: ﴿وَيُطَهّرَكُمْ﴾ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلياً وحسناً وحسيناً كانوا فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام" [4].

    وقال الحافظ ابن كثير: "وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــر﴾ نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ها هنا لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً؛ إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح... ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــر﴾ فإن سياق الكلام معهن ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: ﴿وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِى بُيُوتِكُـنَّ مِنْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْــمَةِ﴾ [الأحزاب:34]" [5].

    ما جاء في فضل أهل البيت عموماً وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً:
    1- قال تعالى: ﴿ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ﴾.
    قال القرطبي: "شرف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي: في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال، وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات" [6].
    وقال الحافظ ابن كثير: "وقوله: ﴿وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ﴾ أي: في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام، ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع" [7].

    2- قال تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيم﴾ [الأحزاب:28، 29].
    هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنهن وأرضاهن: الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة [8].

    3- قال تعالى: ﴿يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوف﴾ [الأحزاب:32].
    قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في بيان معنى الآية: (﴿يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء﴾ يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي) [9].

    4- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما بعد: ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: (وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) [10].

    الفصل التاسع: عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    المبحث الأول: وجوب محبتهم رضي الله عنهم:
    من عقائد أهل السنة والجماعة وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم والاحتجاج بإجماعهم والاقتداء بهم والأخذ بآثارهم، وحرمة بغض أحد منهم، لما شرفهم الله به من صحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه لنصرة دين الإسلام والهجرة في سبيله، وقد دلت النصوص الصحيحة الصريحة على هذا المعتقد في كثير من الآيات والأحاديث منها:

    1- قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر:10].
    هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة لأنه جعل لمن بعدهم حظاً في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم، وأن من سبهم أو واحداً منهم أو اعتقد فيه شراً أنه لا حق له في الفيء، روي ذلك عن مالك وغيره قال مالك: من كان يبغض أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين ثم قرأ: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ [11].

    2- عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) [12].

    3- عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)[13].

    4- عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: (لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله) [14].

    5- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)[15].

    المبحث الثاني: الدعاء والاستغفار لهم:
    من حق الصحابة الكرام رضي الله عنهم على كل من جاء بعدهم من عباد الله المؤمنين أن يدعو لهم ويستغفر لهم ويترحم عليهم، وقد دل على هذا كم كبير من نصوص الوحيين منها:

    1- قال الله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ﴾.

    2- عن عروة قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي، أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم [16].
    قال النووي: "قولها: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم) قال القاضي: الظاهر أنها قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا، وأهل الشام في علي ما قالوا، والحرورية في الجميع ما قالوا، وأما الأمر بالاستغفار الذي أشارت إليه فهو قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَـٰنِ﴾" [17].

    3- عن قتادة بن دعامة السدوسي أنه قال بعد قراءته لقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ﴾: "إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمروا بسبهم" [18].

    المبحث الثالث: الشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم:
    من عقائد أهل السنة والجماعة أنهم يشهدون لمن شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بالجنة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فهناك أشخاص أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة، وهناك آخرون أخبر ببعض النعيم المعد لهم في الجنة، والكل يشهد له أهل السنة والجماعة بالجنة تصديقاً منهم لخبر الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن عشرة من المهاجرين بأنهم من أهل الجنة وسماهم بأعيانهم، وهؤلاء العشرة هم المذكورون في حديث سعيد بن زيد.
    وتبشير هؤلاء لا ينافي تبشير غيرهم، فلقد جاء تبشير عدد من الصحابة في غير ما حديث، ومن أمثلة أولئك:

    1- بلال بن رباح رضي الله عنه:
    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال) [19].

    2- حارثة بن سراقة رضي الله عنه:
    عن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع، فقال: ((ويحك أوَهبلتِ؟! أَوَجنة واحدة؟ إنها جنات كثيرة وإنه في جنة الفردوس)) [20].

    المبحث الرابع: إثبات عدالتهم رضي الله عنه:
    تعريف العدالة لغة واصطلاحاً:
    العدالة لغة: قال ابن منظور: "رجل عدل بين العدل والعدالة: وصف بالمصدر معناه ذو عدل" [21].
    وقال الفيروز آبادي: "العدل ضد الجور وما قام في النفوس أنه مستقيم كالعدالة والعدُولة والمِعدلة والمعدَلة" [22].
    العدالة اصطلاحاً: أما تعريف العدالة في الاصطلاح فقد تنوعت فيها عبارات العلماء والمحدثين والأصوليين، وهي وإن تنوعت عباراتها إلا أنها ترجع إلى معنى واحد، وهو: أن العدالة ملكة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، ولا تتحقق إلا بالإسلام والبلوغ والعقل والسلامة من الفسق.

    دلالة القرآن على لعدالة الصحابة:
    1- قوله تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً﴾[البقرة:143]، ووجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة رضي الله عنهم أن وسطاً بمعنى (عدولاً خيار) [23] ولأنهم المخاطبون بهذه الآية مباشرة.

    2- قوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾.

    3- قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنْصَـٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾[التوبة:100].

    4- قوله تعالى: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيب﴾ [الفتح:18].

    5- قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم﴾[الفتح:29].

    قال القرطبي: "فالصحابة كلهم عدول أولياء الله تعالى وأصفياؤه وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة، وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم، ومنهم من فرّق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلا بد من البحث، وهذا مردود، فإن خيار الصحابة وفضلاءهم كعلي وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم ممن أثنى الله عليهم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم ووعدهم الجنة بقوله: ﴿مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم﴾ وخاصة العشرة المقطوع لهم بالجنة بإخبار الرسول هم القدوة مع علمهم بكثير من الفتن والأمور الجارية عليهم بعد نبيهم بإخباره لهم بذلك، وذلك غير مسقط من مرتبتهم وفضلهم إذ كانت تلك المرور مبنية على الاجتهاد" [24].

    أما دلالة السنة على تعديلهم رضي الله عنه:
    عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب) [25].
    قال ابن حبان: "وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب) أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم أحد غير عدل لاستثنى في قوله صلى الله عليه وسلم وقال: (ألا ليبلغ فلان منكم الغائب)، فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفاً" [26].
    وقد مرت الآيات والأحاديث الدالة على تعديلهم في الفصلين الثالث والرابع فيرجع إليها.

    المبحث الخامس: ترتيب الصحابة في الفضل والإمامة:
    تعريف الإمامة لغة:
    قال ابن منظور: "والإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين... والجمع أئمة... وإمام كل شيء قيّمه والمصلح له، والقرآن إمام المسلمين، وسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وإمام الجند قائدهم... وأممت القوم في الصلاة إمامة وائتم به أي: اقتدى به، وإمام الغلام في المكتب ما يتعلم كل يوم. ويقال فلان إمام القوم معناه هو المتقدم لهم، ويكون الإمام رئيساً كقولك: إمام المسلمين" [27].

    تعريف الإمامة اصطلاحا:
    عرفها العلماء بتعريفات مختلفة من حيث اللفظ، متحدة في المعنى، ومضمون تعريفاتهم: أنها سياسة الإمام التي يجب أن تكون وفق الشريعة الإسلامية الغراء التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون بعيداً عن الحكم بالهوى والشهوة في كل حال ولا بد أن يكون حكمه بالشرع في كل الأمور الدينية والدنيوية، حتى يصدق عليه أنه نائب عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالقيام بشرع الله الذي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة، ولفظ الإمام والخليفة والأمير ألفاظ الحديث النبوي [28].

    عقيدة أهل السنة في ذلك:
    وعقيدة أهل السنة والجماعة في ترتيب الخلفاء الأربعة في الإمامة كترتيبهم في الفضل، فالإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم أبو السبطين علي رضي الله عنهم أجمعين، فأهل الحق يعتقدون اعتقاداً جازماً لا مرية فيه ولا شك أن أولى الناس بالإمامة والأحق بها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى عباد السماك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وما سوى ذلك فهم منتزون [29]. قال أبو عمر: "قد روى عن مالك وطائفة نحو قول سفيان هذا، وتأبى جماعة من أهل العلم أن تفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية لمكان صحبته" [30].
    ــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] انظر: مقاييس اللغة (1/150).
    [2] المفردات في غريب القرآن (ص 29).
    [3] لسان العرب (11/29-30).
    [4] الجامع لأحكام القرآن (14/183).
    [5] تفسير القرآن العظيم (5/452-458).
    [6] الجامع لأحكام القرآن (14/123).
    [7] تفسير القرآن العظيم (5/425).
    [8] تفسير القرآن العظيم (5/447).
    [9] انظر:تفسير البغوي على حاشية الخازن (5/212).
    [10] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: فضائل علي بن أبي طالب (2408).
    [11] الجامع لأحكام القرآن (18/32).
    [12] أخرجه الترمذي في كتاب المناقب باب: فيمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3862) والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي برقم (808) وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
    [13] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب: علامة الإيمان حب الأنصار (17)، ومسلم في كتاب الإيمان باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (74).
    [14] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (76).
    [15] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب: حب الأنصار (3783)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (75).
    [16] أخرجه مسلم في كتاب التفسير باب حدثنا يحي بن يحي.. (3022).
    [17] شرح النووي على صحيح مسلم (18/158-159).
    [18] أسنده الطبري في جامع البيان (28/44-45).
    [19] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3679).
    [20] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب فضل من شهد بدراً (3982).
    [21] لسان العرب (11/430).
    [22] القاموس المحيط (4/13).
    [23] انظر: جامع البيان للطبري (2/7)، الجامع لأحكام القرآن (2/153)، تفسير القرآن العظيم (1/335).
    [24] انظر: الجامع لأحكام القرآن (16/399).
    [25] أخرجه البخاري في كتاب العلم باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب (105) وأخرجه مسلم في كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والدبات باب: تغليط تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679).
    [26] انظر: الإحسان بترتيب صحيح بن حبان (1/91).ش
    [27] لسان العرب (12/24)، وانظر: القاموس المحيط (4/78)، وتاج العروس (8/193).
    [28] انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة للدكتور ناصر الشيخ (2/504).
    [29] أي متغلبون.
    [30] جامع بيان العلم وفضله (2/226-227)، وانظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (2/514).

    كلمات مفتاحية  :
    فضائل الصحابة

    تعليقات الزوار ()