(فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
كتبه/ سعيد السواح.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
أيها الحبيب
هل لك قراءة في سنن ربك الكونية؟
هل تيقنت أن ربك كتب الدمار والهلاك على المكذبين الضالين؟
هل تيقنت أن ربك لا يخلف الميعاد وأن العاقبة للمتقين؟
أيها الحبيب:
لقد حثنا الله -تعالى- على أن تنظر فيما حدث في الأمم السابقة؛ لنعتبر ونتعظ، ونعلم أن سنن الله ماضية فهذه ديارهم لم تسكن من بعدهم.
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران:137)
أيها الحبيب:
علينا أن نفكر ما سبب خراب هذه الديار، وما سبب هلاك هؤلاء القوم حتى نكون على حذر، فلا نقع فيما وقع فيه هؤلاء القوم فتهلك كما هلكوا. ولقد حذر الله عباده ونبههم فقال -سبحانه-: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ) (لأعراف:100-101)
واسمع إلى قول ربك، وتذكيره إيانا (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) (الطلاق:8-10)
ولقد بيَّن الله لنا ما حدث في الأمم السابقة لنعتبر ونتعظ، وكيف أهلكهم الله -تعالى-، ودمرهم تدميراً: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت:36-40)
هل علمت وتعلمت ما السبب الذي أهلك الله به هؤلاء القوم؟
هل تعلمت سنن ربك الكونية، وأن هذه السنن لا تعرف المحاباة؟
ولقد بيَّن اله لنا لما حدث ما حده من انكسار المؤمنين بسبب عدم الصبر والطاعة اللازمة للقيادة، وذلك في غزوة أحد، ولما تساءل القوم: كيف ننهزم من بعد النصر؟ فقال هذا الرد البليغ من ربك -سبحانه-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:165)
وهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحذر من الذنوب والمعاصي، وكيف تفعل بأهلها، فكان هذا التحذير: يقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أقبل علينا رسول الله -صلى عليه وسلم- فقال: (يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن...) إنها أمور والله لقد تعوذ منها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أتدري أيها الحبيب ما هي هذه الخمس الذي تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- منها؟
اسمع وتدبر، وتأمل وتفكر في حالك وأحوال المسلمين من حولك. قال -صلى الله عليه وسلم-: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) فهذه واحدة، فإذا رأيت هذه الأمراض التي استعصت على الأطباء في علاجها، فإن علاج ذلك موقوف على الطهارة من الأرجاس والقاذورات التي وقع فيها الناس حتى رأينا أنه من المدنية والحضارة ظهور الفاحشة والإعلان عنها، ونسوا كلام نبيهم صلى الله عليه وسلم-، ونسوا كلام ربهم: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه:124-126)
أما الثانية: فلقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة وجور السلطان عليهم)
أترى أن هذا واقع أيها الحبيب؟ إن الأمر بيِّن وواضح لا يحتاج إلى تعليق فالأحوال ناطقة بهذا الهم والغم الذي نحن فيه وكفى في ذلك وعيد الله -تعالى- الذي وكأنه قد مُحِيَ من مصاحف المسلمين (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (المطففين:1-6)
وإليك الثالثة، فلقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا)
فما تفني صلاة الاستسقاء والحال كما هو مشاهد لقد ضنوا بالمال والمتاع حتى عبدت من دون الله، ونسوا كلام نبيهم -صلى الله عليه وسلم-: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).
ونسوا كلام ربهم، وكأنها آيات مُحِيَت من مصاحفهم: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34-35)
أما الرابعة: فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ولم ينقصوا عهد الله، وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم)
أتراها واقعة؟ أتسأل بعد ذلك لماذا سلط علينا الأعداء؟
أتسأل بعد ذلك ما سبب ما نحن فيه من الذل والهوان والصغار؟
فوالله لقد هُنَّا على الله فهُنَّا على أعدائنا، لقد قام القوم بنقض أيديهم من هذه العهود والمواثيق التي أخذها عليهم ربهم وكفى أن نذكرك بالعهد والميثاق الذي أخذه الله علينا، ونحن في ظهر أبينا آدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (لأعراف:172)
فما قمنا برعايته ولا صيانته، ولكن الحال طافح بنقض الناس لعهود ربهم ومواثيقه، فماذا تنتظرون بعد ذلك؟
رحماك رحماك إلهي
وإليك الخامسة: ولو لم يكن إلا هذه الخصلة الواقعة فينا لكفت، قال رسول الله عليه وسلم-: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)
رنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
ولنرفع أيدي الضراعة إلى الملك الديَّان: يا مُقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.