بتـــــاريخ : 3/14/2009 9:08:11 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1049 0


    غزوة بني المصطلق

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سامح قنديل | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    غزوة بني المصطلق

    لما أصاب المسلمين ما أصابهم في غزوة أحد، تجرأت عليهم قبائل العرب المحيطة بالمدينة، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن ضرار المصطلقي أخذ يجمع الجموع لحرب المسلمين، ويؤلب عليهم القبائل المجاورة، وقد سبق أن أعان الحارث وقبيلته قريشا على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، فلما تأكد للنبي صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون لقتاله، جهز جيشه وخرج في شعبان من السنة الخامسة للهجرة وقيل السادسة، وأغار عليهم وهم غارون، وأنعامهم تستقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وكان في السبي من نساء المشركين: برة بنت الحارث سيد القوم، وقد أخذ من قومها مئتا أهل بيت أسرى، وزعت على المسلمين، وهنا يظهر حسن سياسة النبي صلى الله عليه وسلم وعظم كرمه، فإن هذه القبيلة من أعز قبائل العرب فأسر نسائهم بهذه الحال يصعب جداً على نفوسهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل المسلمين يمنون على النساء بالحرية من تلقاء أنفسهم، فتزوج برة بنت الحارث وسماها جويرية، وجعل عتقها صداقها، فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أسرهم في أيدينا: فمنوا عليهم بالعتق، فكانت جويرية أيمن امرأة على قومها، تقول عائشة رضي الله عنها، فما كانت امرأة أعظم بركة منها! وكان لزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جويرية وإطلاق السبي أثر بالغ في تأليف قلوبهم ، فبدؤوا عهداً جديداً من المشاركة في الجهاد ذودا عن الإسلام، ومن الطاعة لله، والإنقياد لأحكامه، وتسبب هذا الكرم العظيم، وهذه المعاملة الجليلة أن أسلم بنو المصطلق عن بكرة أبيهم.
    وكان يمكن لهذه الغزوة أن تنتهى بهذا النصر الميسر ويعود المسلمون دون كبير تعب لولا ما وقع فيها من الأحداث الخطيرة التي سببها خروج المنافقين مع المسلمين على غير عادتهم، وإنما خرجوا هذه المرة لثقتهم بانتصار المسلمين فرغبوا أن يصيبوا من عرض الدنيا، والمنافقون شؤم كما وصفهم الله تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَة}
    [التوبة:47]، فكان من الفتن التي وقعت واستغلها المنافقون لإثارة الشقاق بين المسلمين ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله وهو من شهد هذه الغزوة، قال: " كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ـ يعنى ضرب دبره برجله أو بيده ـ فقال الأنصارى: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين: فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية ؟ وأنا بين أظهركم ؟ قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار! فقال: (دعوها فإنها منتنة) ! فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها! يعنى المهاجرين: أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل! فسمع ذلك غلام من الأنصار فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه! لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) "، فهذا الذي وقع بين الرجلين من الخلاف وأدى إلى قولهما: يا للأنصار ويا للمهاجرين سماه النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية، رغم شرف اسم المهاجرين والأنصار، وإقرار الله تعالى لهذه التسميه وثنائه عليها بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ}[التوبة:100]، إلا أن استغلال الرجلين لهذه التسميات الشريفة بحيث تستعمل استعمالاً خاطئاً يفرق بين المسلمين ويحيى عصبياتهم الجاهلية التي قضى عليها الإسلام، هو الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينكر عليهم ذلك ويقول: (دعوها فإنها منتنة): أى قبيحة أو خبيثة، وسماها دعوة الجاهلية، ولا شك أنه يلتحق بهذا كل دعوة إلى العصبية لغير منهج الإسلام كالتعصب للأحزاب أو الفرق أو الجماعات والموالاة والمعاداة فيها وفي أشخاصها على حساب المنهج الذي يجتمع عليه المسلمون وألا يتفرقوا، فكيف إذا أصبح المسلمون يتعصبون إلى أسماء غير شريفة ومعان تافهة غير محمودة كمن يتعصبون إلى الأجناس والأعراق والقوميات، أو يتعصبون لمناهج الغرب التي صاغها من لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة،وكل حمية لغير الله ودينه ورسوله داخلة في دعوى الجاهلية ومن ذلك الحمية لمجرد اللهو واللعب، والموالاة أوالمعاداة على الألعاب المختلفة كالكرة وغيرها بحيث تخرج من حد اللعب إلى حد الجد، لتصبح من الحمية الجاهلية التي هي من سمات الكافرين كما قال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}[الفتح:26]، وقد استغل رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول هذه المخالفة التي وقعت من الرجلين، وأراد أن يوقع الفتنة بين الأنصار ـ أهل المدينة ـ وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين من خارج المدينة، فقال كلمته الشنعاء ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) ، فجعلها الله عليه عاراً وشنارا حيث أنزل الله سورة المنافقين تفضح أفعالهم وتكشف نواياهم، وترد الأمور إلى نصابها فتجعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والذل والصغار للمنافقين، ولا أذل لعبد الله بن أبي من قول ابنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبي، فإن كنت تريد قتله فمرني بقتله، فوالله إن أمرتني بقتله لأقتلنه، وكان باراً بأبيه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له بر أباك ولا يرى منك إلا خيراً، فلما رجع المسلمون إلى المدينة وقف له ولده على الطريق وقال له: والله لا تدخل المدينة حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخوله، فتبين بذلك من العزيز ومن الذليل، وإنما تحمل النبي صلى الله عليه وسلم دسائس هذا المنافق وصبر على غدارته دفعاً ومنعاً للمفسدة الأكبر، أن يتحدث الناس ـ وفيهم من ليس من أهل الإسلام ممن لم يطلع على حقيقة النفاق والمنافقين ـ أن يتحدثوا أن محمداً يقتل أصحابه.
    لقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤصل للمسلمين قاعدة هامة جداً، ما أحوج الدعاة التي تفهمها، والتأدب بأدبها، فكثيراً ما تتعارض المصالح في الموقف الواحد، فواجب الداعية أن يكون حكيماً ذا بصيرة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحرص على تحقيق أعلى المصلحتين الشرعيتين ولو بتفويت إحداهما إذا تعذر الجمع بينهما، كما يحرص على دفع أقوى المفسدتين الشرعيتين ولو بارتكاب أدناهما لدفع المفسدة الأكبر، وذلك إذا عجز عن دفعهما معاً، إن هذا مقتضى حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته.
    وخلاصة درسه الذي نتعلمه من صنيعه مع المنافقين أن نقول :
    لقد استحق ابن أبيٍّ القتل بسبب نفاقه وكيده للإسلام، وقتلُهُ مصلحة عظيمة وردع لأمثاله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن هذه المصلحة تفوت مصلحة أخرى أعظم منها وهي الحاجة إلى أن يظهر المسلمون كالجسد الواحد، مجتمعين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتفقين على منهج الإسلام، فلو قتل ابنَ أبيٍّ لتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ولكان في هذا صرف للناس عن الإسلام وصد لهم عن سبيله، ولظهر المسلمون بصورة منفرة لتنازعهم وشقاقهم وخلافاتهم، بينما لو تحمل النبي صلى الله عليه وسلم مرارة أفعال المنافقين كابن أبي وأمثاله، وصبر على مكايدهم، ورأى الناس علو أمر الإسلام لدخلوا في دين الله أفواجا، وهذا هو المقصد الصحيح للدعاة، ولن يضر المنافقون إلا أنفسهم، ومثل هذا الدرس يكرره لنا النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى حين يقول لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم ) أي أنه كان يجب أن يعيد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم وهذه مصلحة، لكن تحصيلها سيؤدى إلى مفسدة أكبر حين لا يحسن حدثاء العهد بالإسلام فهم هذا الموقف على حقيقته ولا يتحملون رؤية الكعبة وهي تهدم وتسؤ بهم الظنون.

    كلمات مفتاحية  :
    غزوة بني المصطلق

    تعليقات الزوار ()