بتـــــاريخ : 3/14/2009 8:40:24 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1049 0


    غزوة حنين

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سامح قنديل | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    غزوة حنين

    لما فتحت مكة، وسقطت الزعامة القرشية، وبادت دولة الأوثان، فتح العرب أعينهم فإذا هم أمام الأمر الواقع، حتى خيل لهم أن النصر معقود بألوية الإسلام فما ينفك عنها، وراح الناس يدخلون في دين الله أفواجا، غير أن هوزان وثقيفاً كانت أكبر القبائل العربية بعد قريش، وأقربها من مكة، أدركتهما حمية الجاهلية، وأبوا إلا المواجهة، واجتمع أشرافهم وتشاوروا، ثم اجتمعوا على المسير لقتال المسلمين قبل أن تتوطد دعائم الفتح، ويتحرك المسلمون لاستئصال ما بقى من معالم الوثنية.
    واجتمعت رؤساء هوزان وثقيف، وما جاورها من قبائل أمكنهم حشدها على مالك بن عوف، وكان فارساً شجاعاً، إلا أنه كان سقيم الرأى، سيئ المشورة، حيث أمر قومه أن يأخذوا نسائهم وأولادهم وأموالهم معهم ليستشعر كل رجل وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه فلا يفر عنها . وأصر مالك على خطته ولم يعبأ باعتراض أصحاب الرأي والمشورة، والذين رأوا أن إخراج النساء والأموال عبث لا طائل من ورائه إلا الفضيحة، وكأن خطة مالك بن عوف مما دبره الله عز وجل لنبيه، ومما أكرم به حزبه من الغنيمة، فقد تبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين عرف خروج هوازن عن بكرة أبيها بظعنهم ونعمهم وشأنهم، وقال : تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله، وبعد جمع المعلومات العسكرية المطلوبة، خرج المسلمون بجيشهم الذي فتح مكة، بالإضافة إلى الطلقاء من أهل مكة، وكانوا حدثاء عهد بالشرك، ووصل الجيش الكبير الذي بلغ اثنى عشر ألفا إلى وادى حنين الذي يعرف الآن بالشرائع في مدخل مكة من جهة الطائف.
    ولقد اعتاد المسلمون أن يُنصروا بإيمانهم، وتوكلهم ويقينهم وصبرهم . إنها معان قلبية تشعرهم دائماً بالحاجة إلى ربهم، وأنه لا حول لهم ولا قوة إلا به، فيصْدقُون اللجوء إليه، ويعلقون آمالهم عليه، وينزلون حاجتهم به، في ذل ومسكنة، وفقر وخضوع، فما هي إلا ساعة ويأتى النصر رغم القلة في العدد والنقص في السلاح، لكنهم اليوم يخرجون في زهو وفخر، وكأنهم واثقون بالنصر، ثم هم كثير، حتى قال قائلهم : لن نهزم اليوم من قلة ! لقد كان لهذه الثقة الزائدة، والركون إلى الأسباب، وملاحظة التفوق المادى والمعنوي، آثار خطيرة دفع المسلمون ثمنها، وتحملوا تبعاتها، ليس هذا فقط، بل إن خروج الطلقاء من أهل مكة الذين لم يترسخ الإيمان في قلوبهم جعلهم يلاحظون الغنيمة أكثر من أي شيء آخر . إن أكثرهم لا يشعرون أنهم أصحاب قضية أو مبدأ، بل إن بعضهم وإن أسلم تحت ضغط الواقع لا مانع عنده أن يعود إذا تغير هذا الواقع، وقبل هذا وذاك فإن أكثر هؤلاء الطلقاء لم يتخلصوا بعد من رواسب الجاهلية التي استقرت في أعماقهم أزماناً، وتحكمت في حياتهم حتى ليصعب عليهم نسيانها دون جهد تربوى لم يكونوا بدءوه بعد، لذلك لم يترددوا وهم في طريقهم إلى حنين حين مروا بشجرة تعرف بذات أنواط، كان المشركون يعلقون عليها أسلحتهم . لم يترددوا أن قالوا : يا رسول الله : اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ! فاستنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقال : الله أكبر ! قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : { اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ }[الأعراف:138] والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم.
    إن مقالتهم هذه تبين عدم وضوح منهج التوحيد في نفوسهم، وعدم تمكن العقيدة الصحيحة من قلوبهم . إنهم بعد لم يتشربوا معاني الإسلام، ولم تخالط قلوبهم بشاشة الإيمان، على أن رسول الله صلى لله عليه وسلم لم يعاقبهم ولا عنفهم، بل عذرهم لحداثة عهدهم، وبهذه الجوانب الثلاثة من الخلل الذي وقع في صفوف المسلمين، وهم في طريقهم إلى لقاء المشركين خلل في الأهداف والتصورات، وخلل في الإيمان والتوكل، وخلل في التوحيد والعقيدة .
    وصل المسلمون إلى وادى حنين، الذي سبقهم إليه مالك بن عوف ورجاله، فاحتلوا مضايقه وانبثوا في شعابه، وتهيئوا لاستقبال المسلمين وعند دخول المسلمين الوادى حملوا على هوازن فانكشفوا، فأكب المسلمون على ما تركوه من غنائم ! فلما تكاثرت فرق المسلمين في الوادى لم يشعروا إلا بالسهام تتساقط عليهم من كل مكان وكان ضوء النهار بعد لم ينتشر إذ الوقت فجراً فحملت كتائب العدو عليهم حملة رجل واحد فانتشرت موجة من الفزع، وجعل الناس يفرون لا يلوى أحد على أحد ونظر بعض الطلقاء من زعماء مكة إلى هزيمة المسلمين بتشف وفرح ! ورجع بعضهم إلى إظهار الكفر بالله ورسوله، وعظمت الفتنة ! وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت معه نفر من أصحابه وآل بيته، وكان على بغلته الشهباء والعباس عمه وأبو سفيان بن الحارث يمسكان بعنانها، وهو يدفعها ويقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس ـ وكان جهورى الصوت ـ أن ينادى على الناس يا أصحاب الشجرة ـ لأهل بيعة الرضوان ـ يا معشر الأنصار، فأسمع من في الوادى فتلاحقوا نحوه وجعلوا يقولون لبيك لبيك حتى صاروا ثمانين أو مائة، فقاتلوا هوازن، وبدأت جولة جديدة مليئة بالشجاعة والصدق والعزيمة والإيمان وحسن التوكل، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستغيث بربه، حتى إذا غشيه الأعداء نزل عن بغلته يمشى فلما رأى الفاروق ذلك من المسلمين وسمعوا نداءات العباس جعلوا يرددون لبيك لبيك واشتد القتال من جديد وقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن حمى الوطيس، وأخذ تراباً فرمى به وجوه الكفار وقال : شاهت الوجوه، انهزموا ورب الكعبة.
    ولم تصمد هوازن وثقيف طويلاً حتى فروا تاركين وراءهم كل شيء ! من القتلى، والجرحى، والنساء، والأولاد، والعبيد، والأموال واعتصم بعض المنهزمين بناحية يقال لها أوطاس فتبعهم المسلمون وهزموهم شر هزيمة واستمر القتل يومئذ بالمشركين، حتى قتل أبو طلحة وحده عشرين رجلاً منهم، وفر كثير من المنهزمين إلى الطائف للتحصن في حصونها المنيعة وأنزل الله التوجيه والعبرة من هذا الموقف : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ {25} ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ }[التوبة:25-26].
    ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ أحداً ممن فر عنه، بل قال لأم سليم حين طلبت ذلك : ( إن الله قد كفى وأحسن !) ثم ترك النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم فلم يوزعها، وذهب إلى الطائف للقضاء على فلول الهاربين، فوجدهم قد تحصنوا في حصونهم المنيعة، وأدخلوا معهم قوت سنة كاملة، واستعدوا بوسائل الحرب التي تكفل لهم الصمود طويلاً، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوماً، وقيل أكثر من ذلك، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكسر شوكتهم ويعرفهم أنهم في قبضة المسلمين، وإلا فقد كان يحب لهم أن يأتوا مسلمين، فقد طلب منه بعض الصحابة أن يدعو عليهم ؟ فقال : (اللهم اهد ثقيفا) ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى فك الحصارعنهم، وقال : إنا قافلون إن شاء الله، قال أصحابه : نرجع ولم نفتحه ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال، فغدوا عليه فأصابهم جراح، وذلك أنه قتل منهم اثنا عشر شهيدا في حنين ولم يقتل من المشركين سوى ثلاثة بسبب امتناعهم بالحصون والأسوار، وهنا أعاد النبي صلى الله عليه وسلم فكرة فك الحصار فقال إنا قافلون غدا ! فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكأنهم فرحوا بذلك لما رأوه من المشقة الظاهرة دون جدوى، ولعلهم فطنوا إلى أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أبرك وأنفع، وأحمد عاقبة، وأصوب من رأيهم، وفي أثناء حصار الطائف وجه النبي صلى الله عليه وسلم نداءاً إلى العبيد أنَّ من ينزل من الحصن ويخرج إلى المسلمين فهو حر، فخرج ثلاثة وعشرون

    كلمات مفتاحية  :
    غزوة حنين

    تعليقات الزوار ()