باسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم
تمثل هذه الشركات أحد العوامل المؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي فمنذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر شكلت نقطة تحول هامة في النشاط الاقتصادي الدولي الذي كان سائداً ,
وبعد مرحلة الحرب العالمية الثانية تزايد عدد هذه الشركات , وازدادت فروعها في العالم وفي ظل عصر العولمة نحن أمام شركات عملاقة متعددة الجنسيات , تعمل على تكييف مختلف الأنظمة والسياسات الاقتصادية في العالم منذ التسعينيات مع مظاهر ومعطيات العالم الجديد , الذي تعيد تشكيله ونتناول هذه الشركات بالدراسة والتحليل من خلال عدة جوانب :
أ ¯ التمييز بين الشركات متعددة الجنسيات والاحتكارات الكبيرة في مرحلة الامبريالية:
أجريت دراسة تفصيلية حول الشركات متعددة الجنسية والتميز بينها وبين الاحتكارات الكبيرة التي كانت السمة الأساسية في مرحلة الإمبريالية من عدة وجوه رئيسية
1ً¯ إن الاحتكارات السابقة كانت تهتم بشكل رئيسي على تركيز نشاطها داخل إمبراطورية استعمارية , وكانت ترفع شعار الوطنية وتحاول حماية السوق القومية من المنافسة الخارجية , وكان لبعضها فروع أساسية داخل أراضي الإمبراطورية وخارجها في بعض المجالات كالتعدين والطاقة ونشاطات مالية وتجارية في حدود طبيعية , أما الشركات متعددة الجنسية فينتشر نشاطها في عشرات الدول بهدف الاستفادة من أية ميزة نسبية توفرها أية دولة , وهي غالباً تحصل على تمويل محلي من كل بلد يمتد إليه نشاطها كما تنتقي كوادرها على أساس الكفاءة والأداء بغض النظر عن جنسية أي منها فهي تحاول محو أية صلة خاصة بين شركة وحكومة واقتصاد بلد المقر وتحاول إخفاء نسبة الشركة الى جنسية معينة ويكتفى باسمها سواء حين التعريف بها أو إنتاجها .
2¯ كانت الاحتكارات السابقة تكتفي بنشاط أساسي محدد أما الشركات متعددة الجنسية فإن أهم خصائصها تعدد النشاطات التي تشتغل ضمنها دون الالتفات إلى الروابط الفنية بين المنتجات المختلفة فنجد في سبع شركات ميتسوبيشي متفاوتة المكانة ميتسوبيشي للسيارات , ميتسوبيشي الكهرباء , بنك ميتسوبيشي - ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة , ميتسوبيشي للكمياويات , ميتسوبيشي المصرفية , ميتسوبيشي للمواد , أيضاً شركة /تايم وارنر/ تشتغل بعدد كبير من شركات النشر والملاهي والإعلام إلى استديوهات هوليود والشبكة الإخبارية CNN .
3¯ الاحتكارات السابقة لم تكن تعطي التطوير التكنولوجي العناية اللازمة أما الشركات متعددة الجنسية فإن التطور التكنولوجي هوعمودها الفقري وهي تسهم مساهمة متزايدة في تحويل عمليات البحث والتطوير الى جانب الدولة فنجد أن الإنفاق على البحث والتطوير في ألمانيا بلغ 2,8% من الناتج المحلي الإجمالي أي 2ر37مليار دولار يسهم فيها المال العام بنسبة 37% والصناعات المختلفة بنسبة 60,1% وفي اليابان 21,8% , 86,2% على التوالي وفي أميركا 39,2% و 58,7% .
4¯ لم تكن الاحتكارات السابقة ذات نشاط مالي واسع بينما الشركات متعددة الجنسية زاد نشاطها المالي والتجاري وتعددت الأساليب الجديدة للتعامل مع الشركات الصغيرة والعمال وتفضيل الشركات لعمليات المضاربة في الأسواق المالية عوضاً عن الاستثمار الانتاجي ويقدر حجم التعامل اليومي في الأسواق المالية /تريليون دولار/
ب ¯ التوزيع السياسي للشركات متعددة الجنسيات:
¯ مع أن هذه الشركات موجودة بنشاطاتها وعملياتها واستثماراتها في كل أرجاء المعمورة »حسب قائمة فورشن 500 شركة« نجد أن /418/ شركة منها تتخذ مقرها الرسمي في ثلاث مناطق اقتصادية رئيسية »يتركز فيها ثروة تقدر بحوالي 20 تريليون دولاراً أي أكثر من 80% من إجمالي الانتاج القومي العالمي وتستأثر بحوالي 85% من إجمالي التجارة العالمية
هذه المناطق الثلاث هي :
1¯ منطقة الاتحاد الأوروبي التي تضم 155 شركة
2¯ منطقة الولايات المتحدة الأميركية التي تضم 153 شركة
3¯ منطقة اليابان التي تضم 141 شركة
ويتضح أن هذه الشركات تتمركز في مناطق الدول الصناعية المتقدمة الناضجة رأسمالياً لكن هناك حالة وحيدة تشذ عن هذه القاعدة وهي الشركات المتواجدة في كوريا الجنوبية والتي امتد نشاطها الى عشرات الدول حيث تضم قائمة »فورشن« 12 شركة مقرها في كوريا مثل LG الدولية و LG للإلكترونيات و DAEWO »سيارات ¯ إلكترونيات ¯ أعمال مصرفية« أما بقية المناطق مثل أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط ووسط آسيا حتى الدول النفطية في الخليج العربي , فهي في العموم مناطق اقتصادية غير أساسية بالنسبة لنشاطات هذه الشركات , فهي تشكل بالنسبة لهذه المناطق مصدر رعب لأنها تستغل هذه المناطق بسبب امتلاكها قدرات احتكارية ضخمة تهدد بها سيادة هذه الدول واقتصادها .
ج ¯ ظاهرة الإنتاج عن بعد :
تنتشر هذه الظاهرة التي تقوم بها الشركات متعددة الجنسية بإعادة رسم خريطة الإنتاج على المستوى العالمي حيث تعمد شركة معينة الى التخصص في إنتاج سلعة معينة مروراً بكل مراحل إنتاجها ولكن دون أن تستقر في بلد واحد وهذا يعني الانتقال من الاستراتيجية الانتاجية الوطنية الى استراتيجية الانتاج العالمي بعدم تمركز أو حصر الانتاج محلياً فمثلاً شركة /بيشينه/ تستخرج البوكسيت من استراليا وتحوله لالومين في أميركا وتنتج الألمنيوم في الغابون باستخدام الالومين المنتج بواسطة فروعها في غينيا .
وباعتماد هذا الاسلوب من الانتاج يصعب نسبة سلعة معينة الى بلد واحد باعتبار أن السلعة تنتج كأجزاء من آلاف المصانع المنتشرة في العديد من الدول .
... فالعالم الآن يشتري ماركات عالمية لاتحمل منشأ الصنع وبدأت تظهر عبارات صنع لدى مرسيدس أوتويوتا أو فيلبس .
د ¯ ظاهرة اندماج الشركات والمصارف :
وهي تأخذ شكل ابتلاع وامتلاك الشركات والمصارف الأضعف نسبياً وهي تعبير عملي لتمركز رأس المال والإنتاج , وقد شهد القطاع المصرفي في العقد الأخير من القرن الماضي سلسلة كاملة من حالات الاندماج والابتلاع أبرزها »بوينغ« »ماكدونال ¯ دوغلاس« وكذلك /لوكهيد/ , »مارنين ¯ مريتيا« في صناعة الطائرات »وتشيز مانهاتين« /كيميكال بنك/ في القطاع المصرفي , وهناك أكثر من /2500/ عملية اندماج وابتلاع تمت عبر الحدود خلال النصف الأول من عام /1999/ قدرت قيمتها ب¯ /411/ مليار دولار وكانت مصارف وشركات ألمانيا رائدة في هذا المجال في أوروبا الغربية وعلى رأسها العملاق »الألماني ¯ الأميريكي« »دايملر ¯ كرايزلر« وهي شركة صناعية متشعبة في صناعة السيارات والطيران والفضاء , في شهر آب /1999/ أعلنت الشركة الكندية »آلكان« والفرنسية »بتشيناي« والسويسرية »الوسويس« عن رغبتها في إنشاء أكبر مجموعة للألمنيوم في العالم من شأنها تخطي شركة /الكوا الأميركية/ في الشهر نفسه ردت الكوا بتقديم عرض لشراء شركة »رينولدز« الأميركية فتم لها ذلك وعادت لتحتل المرتبة الأولى , وكذلك ابتلعت شركة /فولكس فاكن/ شركات أودي وسيارات سكودا , واشترت »ب أم دبليو« شركة روفر التي هي أكبر منتج للسيارات في بريطانيا , استولت فورد على شركة مازدا اليابانية واشترت شركة »رولز رويس« البريطانية »فيكرز« أيضاً ارتفعت بشكل حاد قيمة عمليات اندماج الشركات عبر الحدود في دول منطقة شرق آسيا من 3 مليارات دولار عام 1996 الى /22/ مليار دولار في عام 1999 وذلك قبل أن تتراجع قليلاً الى /18/ مليار دولار عام 2000 .
وأيضاً في القطاع المصرفي نجد هناك حالات ابتلاع ودمج شديدة مثل دمج ثلاث مصارف يابانية »انداستراييل بنك أوف جابان« ومصرف »داي ¯ إبتش كانغيو بنك« ومصرف »فوجي بنك« وتشكيل مجموعة مصرفية ضخمة برأسمال قدره »142« مليار دولار , وأيضاً مشروع دمج »بنك ناسيونال دي باري« الفرنسي و »سوسيتيه جنرال« و»باريبا« برأسمال قدره /957/ مليار يورو .
وهذه الظاهرة تؤدي الى خفض تكلفة الانتاج ومضاعفة الارباح وتعزيز القدرة التنافسية للشركات العملاقة ولكنها بالجانب الآخر تدمر فرص العمل وتؤدي إلى تفاقم اللامساواة الاجتماعية وتضعف السيادة الوطنية للدولة .
ه¯ تقويض وتغيير دور الدولة الاقتصادي والسياسي:
لابد هنا من الاشارة الى بعض ممارسات هذه الشركات التي تحاول فيها الحد من دور الدولة الاقتصادي والسياسي
1ً ¯ حيث تستعين هذه الشركات بموظفين دوليين تابعين لمنظمات دولية »صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لكي يحلوا محل الحكومات الوطنية في كثير من القضايا وتقوم هذه الشركات بالاعتماد على نظم أمن خاصة وشركات بريد خاصة وتقوم بإصدار بطاقات تحل محل النقود وتقوم بالاستيلاءعلى المرافق العامة والخدمات عبر آليات التخصيص .
2ً ¯ محاولة التهرب الضريبي
... أيضاً هذه الشركات تحاول أن تكون بعيدة عن سطو القانون والضريبة لأنها تتقن التهرب منها فهي تقوم باتخاذ المال وطنا يستقر حيث يأمن وينمو بعيداً عن كل مسؤولية وهي تقوم بذلك باستخدام آلية »السعر التحويلي«
1¯ فإذا كانت الضرائب على أرباح الشركات مرتفعة في الدولة الأم عنه في الدولة المضيفة وكانت الشركة الأم تصدر الى الشركة التابعة لها فإنها في هذه الحالة ستسعر صادراتها الى فرعها في الدولة المضيفة بسعر أقل من الواقع »مدعية عدم تحقيق أرباح« ناقلة بذلك الأرباح من الشركة الأم الى الشركة التابعة لها وبهذا تقلل من العبء الضريبي الكلي للشركة وعلى العكس من ذلك .
2¯ ويستخدم السعر التحويلي للتهرب من الضرائب الجمركية على الواردات فكلما كانت مستويات هذه الضرائب مرتفعة في الدولة المستوردة كلما لجأت الشركات لتسعير السلعة بسعر أدنى من الواقع لتجنب دفع الضريبة .
3¯ وقد يستخدم السعر التحويلي كأداة للتهرب من القيود التي تفرضها الدولة المضيفة على مقدار الأرباح التي تحولها الفروع الى الشركة الأم , فعندما ترغب هذه الشركات أن تعيد أرباحها من الشركة التابعة الى الأم تلجأ الى تسعير الصادرات من الشركة التابعة الى الأم بسعر أدنى من الواقع أو تسعيرالصادرات من الشركة الأم الى التابعة بسعر أعلى من الواقع وتكون الأرباح بذلك قد تحولت فعلاً من الشركة التابعة الى الشركة الأم وتشير الأرقام الى أن هذه الشركات لم تقدم أكثر من 9% من فئة الضرائب العامة .
3ً¯ أثرها في ميزان مدفوعات الدولة :
¯ أيضاً تؤثر هذه الشركة في ميزان مدفوعات الدولة المضيفة وذلك من خلال أن دخول رؤوس الأموال الى الدولة المضيفة والأرباح والفوائد المحمولة الى هذه الشركة في مقرها الأم ورواتب الموظفين والعمال في الفرع الذي يعتبرون من رعايا الدولة المضيفة »أجانب« سيخرجونها من الدولة المضيفة الى الدولة الأم وكذلك براءات الاختراع وحقوق الملكية ورسوم الترخيص المدفوعة من الفرع الى الشركة الأم مقابل استخدام التكنولوجيا أوالعمليات الانتاجية والعلاقات التجارية , كل ذلك يسجل في الجانب المدين لميزان مدفوعات الدولة المضيفة وبالتالي فإنه يحدث أثراً سلبياً إلا إذا قامت الشركات متعددة الجنسيات بالإنتاج للسوق المحلي في الدولة المضيفة وصدرته للدول الأخرى فإن ذلك يساهم في تحسين ميزان مدفوعات الدولة المضيفة .
و ¯ الهيمنة على اقتصاد العالم :
تشير المعلومات الى سعي الشركات متعددة الجنسيات للسيطرة على العملية الاقتصادية الدولية ذلك من خلال استعراض عدد من الأرقام المتوفرة :
امتلكت 40 ألف شركة احتكارية 250 ألف شركة فرعية حتى نهاية عام 1993 وبلغت قيمة مبيعاتها الاجمالية في العام نفسه أكثر من /5500/ مليار دولار أميريكي وقيمة صادراتها /4000/ مليار دولار أمريكي .
إن إيرادات الشركات الخمسمئة »مجلة فورشن تموز 1996« /11,4/ تريليون دولار وفي عام 1995 تساوي 45% من الناتج المحلي الاجمالي لمجموع الدول المذكورة في تقرير التنمية في العالم في عام 1996 »25,3« تريليون دولار , وإذا استبعدنا من المقارنة الدول ذات الدخل المرتفع نجد أن مجموع إيرادات الشركات المذكورة /159,8%/ من مجموع إجمالي الناتج المحلي لمئة وتسع دول تقطنها الغالبية العظمى من البشر .
80% من التجارة الدولية كانت في عام 1995 تحت هيمنة تلك الشركات متعددة الجنسية
ارتفعت التوظيفات المباشرة للشركات متعددة الجنسية من 500 مليار دولار الى 2700 مليار دولار أمريكي بين 1980 ¯ 1995 وبلغ مجموع التوظيفات المباشرة لها في عام 1995 أكثر من 3,5 مليار دولار أمريكي .
وجدير بالإشارة الى أن التوظيفات المباشرة لهذه الشركات تركز على عدد قليل من الدول الصناعية ففي الوقت الذي استحوذت عشر دول صناعية على ثلثي التوظيفات المباشرة لعام /1995/ , بلغت نسبة توظيفاتها في /100/ دولة لا تحتل موقعاً مهماً في التقسيم الدولي الرأسمالي للعمل 1% فقط من إجمالي توظيفات تلك الشركات .