الدرس الرابع:280 - 281 إمهال المدين المعسر وتقوى الله بدل أخذ الربى
ويكمل السياق الأحكام المتعلقة بالدين في حالة الإعسار . . فليس السبيل هو رباالنسيئة:بالتأجيل مقابل الزيادة . . ولكنه هو الإنظار إلى ميسرة . والتحبيب فيالتصدقبه لمن يريد مزيدا من الخير أوفى وأعلى:
(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . وأن تصدقوا خير لكم . . إن كنتم تعلمون). .
إنهاالسماحة الندية التي يحملها الإسلام للبشرية . إنه الظل الظليل الذي تأويإليهالبشرية المتعبة في هجير الأثرة والشح والطمع والتكالب والسعار . إنها الرحمةللدائنوالمدين وللمجتمع الذي يظل الجميع !
ونحننعرف أن هذه الكلمات لا تؤدي مفهوما "معقولا" في عقول المناكيد الناشئين فيهجيرالجاهلية المادية الحاضرة ! وأن مذاقها الحلو لا طعم له في حسهم المتحجرالبليد ! - وبخاصة وحوش المرابين سواء كانوا أفرادا قابعين في زوايا الأرض يتلمظونللفرائسمن المحاويج والمنكوبين الذين تحل بهم المصائب فيحتاجون للمال للطعاموالكساءوالدواء أو لدفن موتاهم في بعض الأحيان , فلا يجدون في هذا العالم الماديالكزالضنين الشحيح من يمد لهم يد المعونة البيضاء ; فيلجأون مرغمين إلى أوكارالوحوش . فرائس سهلة تسعى إلى الفخاخ بأقدامها . تدفعها الحاجة وتزجيها الضرورة !سواءكانوا أفرادا هكذا أو كانوا في صورة بيوت مالية ومصارف ربوية . فكلهم سواء .غيرأن هؤلاء يجلسون في المكاتب الفخمة على المقاعد المريحة ; ووراءهم ركام منالنظرياتالاقتصادية , والمؤلفات العلمية , والأساتذة والمعاهد والجامعات ,والتشريعاتوالقوانين , والشرطة والمحاكم والجيوش . . كلها قائمة لتبرير جريمتهموحمايتها , وأخذ من يجرؤ على التلكؤ في رد الفائدة الربوية إلى خزائنهم باسمالقانون . . !!
نحننعرف أن هذه الكلمات لا تصل إلى تلك القلوب . . ولكنا نعرف أنها الحق . ونثقأنسعادة البشرية مرهونة بالاستماع إليها والأخذ بها:
(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون).
وَاتَّقُواْيَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍمَّاكَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281)
إنالمعسر - في الإسلام - لا يطارد من صاحب الدين , أو من القانون والمحاكم .إنماينظر حتى يوسر . . ثم إن المجتمع المسلم لا يترك هذا المعسر وعليه دين . فاللهيدعوصاحب الدين أن يتصدق بدينه - إن تطوع بهذا الخير . وهو خير لنفسه كما هو خيرللمدين . وهو خير للجماعة كلها ولحياتها المتكافلة . لو كان يعلم ما يعلمه الله منسريرةهذا الأمر !
ذلكأن إبطال الربا يفقد شطرا كبيرا من حكمته إذا كان الدائن سيروح يضايق المدين , ويضيق عليه الخناق . وهو معسر لا يملك السداد . فهنا كان الأمر - في صورة شرطوجواب - بالانتظار حتى يوسر ويقدر على الوفاء . وكان بجانبه التحبيب في التصدقبالدينكله أو بعضه عند الإعسار .
علىأن النصوص الأخرى تجعل لهذا المدين المعسر حظا من مصارف الزكاة , ليؤدي دينه , وييسر حياته: إنما الصدقات للفقراء والمساكين . . . والغارمين . . . وهم أصحابالديون . الذين لم ينفقوا ديونهم على شهواتهم وعلى لذائذهم . إنما أنفقوها في الطيبالنظيف . ثم قعدت بهم الظروف !
ثميجيء التعقيب العميق الإيحاء , الذي ترجف منه النفس المؤمنة , وتتمنى لو تنزلعنالدين كله , ثم تمضي ناجية من الله يوم الحساب:
(واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله . ثم توفى كل نفس ما كسبت , وهم لا يظلمون). .
واليومالذي يرجعون فيه إلى الله , ثم توفى كل نفس ما كسبت يوم عسير , له فيالقلبالمؤمن وقع ; ومشهده حاضر في ضمير المؤمن , وله في ضمير المؤمن هول . والوقوفبينيدي الله في هذا اليوم خاطر يزلزل الكيان !
وهوتعقيب يتناسق مع جو المعاملات . جو الأخذ والعطاء . جو الكسب والجزاء . .إنهالتصفية الكبرى للماضي جميعه بكل ما فيه . والقضاء الأخير في الماضي بين كل منفيه . فما أجدر القلب المؤمن أن يخشاه وأن يتوقاه .
إنالتقوى هي الحارس القابع في أعماق الضمير ; يقيمه الإسلام هناك لا يملك القلبفرارامنه لأنه في الأعماق هناك !
إنهالإسلام . . النظام القوي . . الحلم الندي الممثل في واقع أرضي . . رحمةاللهبالبشر . وتكريم الله للإنسان . والخير الذي تشرد عنه البشرية ; ويصدها عنهأعداءالله وأعداء الإنسان !