بتـــــاريخ : 2/28/2009 6:32:31 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1032 0


    دستور الصدقة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سيد قطب | المصدر : www.alameron.com

    كلمات مفتاحية  :
    دستور الصدقة

    الدرسالثاني:267 - 271 دستور الصدقة

     

     

     

     

     

     

     

     

    ويمضي السياق خطوة أخرى في دستور الصدقة . ليبين نوعها وطريقتها , بعد ما بينآدابهاوثمارها:
    (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم , ومما أخرجنا لكم من الأرض ,ولاتيمموا الخبيث منه تنفقون . ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه , واعلموا أن اللهغنيحميد). .
    إنالأسس التي تكشفت النصوص السابقة عن أن الصدقة تقوم عليها وتنبعث منها لتقتضيأنيكون الجود بأفضل الموجود ; فلا تكون بالدون والرديء الذي يعافه صاحبه ; ولو قدمإليهمثله في صفقة ما قبله إلا أن ينقص من قيمته . فالله أغنى عن تقبل الرديءالخبيث !
    وهونداء عام للذين آمنوا - في كل وقت وفي كل جيل - يشمل جميع الأموال التي تصلإلىأيديهم . تشمل ما كسبته أيديهم من حلال طيب , وما أخرجه الله لهم من الأرض منزرعوغير زرع مما يخرج من الأرض
     
    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْوَمِمَّاأَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُتُنفِقُونَوَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّاللّهَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)
    ويشملالمعادن والبترول . ومن ثم يستوعب النص جميع أنواع المال , ما كانمعهوداعلى عهد النبي [ ص ] وما يستجد . فالنص شامل جامع لا يفلت منه مال مستحدث فيأيزمان . وكله مما يوجب النص فيه الزكاة . أما المقادير فقد بينتها السنة في أنواعالأموالالتي كانت معروفة حينذاك . وعليها يقاس وبها يلحق ما يجد من أنواع الأموال .
    وقدوردت الروايات بسبب لنزول هذه الآية ابتداء , لا بأس من ذكره , لاستحضارحقيقةالحياة التي كان القرآن يواجهها ; وحقيقة الجهد الذي بذله لتهذيب النفوسورفعهاإلى مستواه . .
    روىابن جرير - بإسناده - عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال:" نزلت فيالأنصار . كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها البسر فعلقوهعلىحبل بين الاسطوانتين في مسجد رسول الله [ ص ] فيأكل فقراء المهاجرين منه .فيعمدالرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع قناء البسر , يظن أن ذلك جائز . فأنزل اللهفيمنفعل ذلك: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون). .
    وكذلكرواه الحاكم عن البراء وقال:صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه .
    ورواهابن أبي حاتم - بإسناده عن طريق آخر - عن البراء - رضي الله عنه -قال:نزلت فينا . كنا أصحاب نخل , فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته , فيأتيرجلبالقنو , فيعلقه في المسجد . وكان أهل الصفة ليس لهم طعام . فكان أحدهم إذا جاعجاءفضرب بعصاه , فسقط منه البسر والتمر فيأكل , وكان أناس ممن لا يرغبون في الخيريأتيبالقنو الحشف والشيص , فيأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه , فنزلت: (ولا تيممواالخبيثمنه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه). قال:لو أن أحدكم أهدي له مثلماأعطى ما أخذه إلا على إغماض وحياء . فكنا بعد ذلك يجيء الرجلى منا بصالح ما عنده .
    والروايتانقريبتان . وكلتاهما تشير إلى حالة واقعة في المدينة ; وترينا صفحةتقابلالصفحة الأخرى التي خطها الأنصار في تاريخ البذل السمح والعطاء الفياض .وتريناأن الجماعة الواحدة تكون فيها النماذج العجيبة السامقة , والنماذج الأخرىالتيتحتاج إلى تربية وتهذيب وتوجيه لتتجه إلى الكمال ! كما احتاج بعض الأنصار إلىالنهيعن القصد إلى الرديء من أموالهم , الذي لا يقبلونه عادة في هدية إلا حياء منردهولا في صفقة إلا بإغماض فيه أي:نقص في القيمة ! بينما كانوا يقدمونه هم لله !
    ومنثم جاء هذا التعقيب:
    (واعلموا أن الله غني حميد). .
    غنيعن عطاء الناس إطلاقا . فإذا بذلوه فإنما يبذلونه لأنفسهم فليبذلوه طيبا ,وليبذلوهطيبة به نفوسهم كذلك .
    حميد . . يتقبل الطيبات ويحمدها ويجزي عليها بالحسنى . .
    ولكلصفة من الصفتين في هذا الموضع إيحاء يهز القلوب . كما هز قلوب ذلك الفريقمنالأنصار فعلا . (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم . . .). . وإلافاللهغني عن الخبيث الذي تقصدون إليه
     
    الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُممَّغْفِرَةًمِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤتِي الْحِكْمَةَمَنيَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَايَذَّكَّرُإِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍأَوْنَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْأَنصَارٍ (270)
    فتخرجونمن صدقاتكم ! بينما هو - سبحانه - يحمد لكم الطيب حين تجرحونهويجزيكمعليه جزاء الراضي الشاكر . وهو الله الرازق الوهاب . . يجزيكم عليه جزاءالحمدوهو الذي أعطاكم إياه من قبل ! أي إيحاء ! وأي إغراء ! وأي تربية للقلوب بهذاالأسلوبالعجيب !
    ولماكان الكف عن الإنفاق , أو التقدم بالرديء الخبيث , إنما ينشأ عن دوافعالسوء , وعن تزعزع اليقين فيما عند الله , وعن الخوف من الإملاق الذي لا يساور نفساتتصلبالله , وتعتمد عليه , وتدرك أن مرد ما عندها إليه . . كشف الله للذين آمنواعنهذه الدوافع لتبدو لهم عارية , وليعرفوا من أين تنبت النفوس ; وما الذي يثيرهافيالقلوب . . إنه الشيطان . .
    (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء , والله يعدكم مغفرة منه وفضلا , واللهواسععليم . يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا , وما يذكرإلاأولوا الألباب). .
    الشيطانيخوفكم الفقر , فيثير في نفوسكم الحرص والشح والتكالب . والشيطان يأمركمبالفحشاء - والفحشاء كل معصية تفحش أي تتجاوز الحد , وإن كانت قد غلبت على نوع معينمنالمعاصي ولكنها شاملة . وخوف الفقر كان يدعو القوم في جاهليتهم لوأد البنات وهوفاحشة ; والحرص على جمع الثروة كان يؤدي ببعضهم إلى أكل الربا وهو فاحشة . . على أنخوفالفقر بسبب الإنفاق في سبيل الله في ذاته فاحشة . .
    وحينيعدكم الشيطان الفقر ويأمركم بالفحشاء يعدكم الله المغفرة والعطاء:
    (والله يعدكم مغفرة منه وفضلا). .
    ويقدمالمغفرة , ويؤخر الفضل . . فالفضل زيادة فوق المغفرة . وهو يشمل كذلك عطاءالرزقفي هذه الأرض , جزاء البذل في سبيل الله والإنفاق .
    (والله واسع عليم). .
    يعطيعن سعة , ويعلم ما يوسوس في الصدور , وما يهجس في الضمير , والله لا يعطيالمالوحده , ولا يعطي المغفرة وحدها . إنما يعطي(الحكمة)وهي توخي القصد والاعتدال , وإدراك العلل والغايات , ووضع الأمور في نصابها في تبصر وروية وإدراك:
    (يؤتي الحكمة من يشاء , ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا). .
    أوتيالقصد والاعتدال فلا يفحش ولا يتعدى الحدود ; وأوتي إدراك العلل والغاياتفلايضل في تقدير الأمور ; وأوتي البصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب منالحركاتوالأعمال . . وذلك خير كثير متنوع الألون . .
    (وما يذكر إلا أولوا الألباب). .
    فصاحباللب - وهو العقل - هو الذي يتذكر فلا ينسى , ويتنبه فلا يغفل , ويعتبرفلايلج في الضلال . . وهذه وظيفة العقل . . وظيفته أن يذكر موحيات الهدى ودلائله ;وأنينتفع بها فلا يعيش لاهيا غافلا .
    هذهالحكمة يؤتيها الله من يشاء من عباده , فهي معقودة بمشيئة الله سبحانه . هذههيالقاعدة الأساسية في التصور الإسلامي:رد كل شيء إلى المشيئة المطلقة المختارة . . وفي الوقت ذاته يقرر القرآن حقيقة أخرى:أن من أراد الهداية وسعى لها سعيها وجاهدفيهافإن الله لا يحرمه منها , بل يعينه عليها:(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلناوإنالله لمع المحسنين). . ليطمئن كل من يتجه إلى هدى الله أن مشيئة الله ستقسم لهالهدىوتؤتيهالحكمة , وتمنحه ذلك الخير الكثير .
    وهناكحقيقة أخرى نلم بها قبل مغادرة هذه الوقفة عند قوله تعالى: (الشيطان يعدكمالفقرويأمركم بالفحشاء , والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) . (يؤتيالحكمةمن يشاء . . .). .
    إنأمام الإنسان طريقين اثنين لا ثالث لهما:طريق الله . وطريق الشيطان . أنيستمعإلى وعد الله أو أن يستمع إلى وعد الشيطان . ومن لا يسير في طريق الله ويسمعوعدهفهو سائر في طريق الشيطان ومتبع وعده . . ليس هنالك إلا منهج واحد هو الحق . .المنهجالذي شرعه الله . . وما عداه فهو للشيطان ومن الشيطان .
    هذهالحقيقة يقررها القرآن الكريم ويكررها ويؤكدها بكل مؤكد . كي لا تبقى حجةلمنيريد أن ينحرف عن منهج الله ثم يدعي الهدى والصواب في أي باب . ليست هنالك شبهةولاغشاوة . . الله . أو الشيطان . منهج الله أو منهج الشيطان . طريق الله أو طريقالشيطان . . ولمن شاء أن يختار . . (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة). .لاشبهة ولا غبش ولا غشاوة . . وإنما هو الهدى أو الضلال . وهو الحق واحد لا يتعدد . . فماذا بعد الحق إلا الضلال ?!
    بعدذلك نعود مع السياق إلى الصدقة . . إن الله يعلم كل ما ينفقه المنفق . .صدقةكان أم نذرا . وسرا كان أم جهرا . ومن مقتضى علمه أنه يجزي على الفعل وماوراءهمن النية:
    (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه . وما للظالمين من أنصار .إنتبدوا الصدقات فنعما هي , وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ; ويكفر عنكممنسيئاتكم , والله بما تعملون خبير). .
    والنفقةتشمل سائر ما يخرجه صاحب المال من ماله:وزكاة أو صدقة أو تطوعا بالمالفيجهاد . . والنذر نوع من أنواع النفقة يوجبه المنفق على نفسه مقدرا بقدر معلوم .والنذرلا يكون لغير الله ولوجهه وفي سبيله . فالنذر لفلان من عباده نوع من الشرك ,كالذبائحالتي كان يقدمها المشركون لآلهتهم وأوثانهم في شتى عصور الجاهلية .
    (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه). .
    وشعورالمؤمن بأن عين الله - سبحانه - على نيته وضميره , وعلى حركته وعمله . .يثيرفي حسه مشاعر حية متنوعة ; شعور التقوى والتحرج أن يهجس في خاطره هاجس رياء أوتظاهر , وهاجس شح أو بخل , وهاجس خوف من الفقر أو الغبن . وشعور الاطمئنان علىالجزاءوالثقة بالوفاء . وشعور الرضى والراحة بما وفى لله وقام بشكر نعمته عليهبهذاالإنفاق مما أعطاه . .
    فأماالذي لا يقوم بحق النعمة ; والذي لا يؤدي الحق لله ولعباده ; والذي يمنعالخيربعد ما أعطاه الله إياه . . فهو ظالم . ظالم للعهد , وظالم للناس , وظالملنفسه:
    (وما للظالمين من أنصار). .
    فالوفاءعدل وقسط . والمنع ظلم وجور . والناس في هذا الباب صنفان:مقسط قائم بعهداللهمعه إن أعطاه النعمة وفى وشكر . وظالم ناكث لعهد الله , لم يعط الحق ولم يشكر . . (وما للظالمين من أنصار). .
    وإخفاءالصدقة حين تكون تطوعا أولى وأحب إلى الله ; وأجدر أن تبرأ من شوائبالتظاهروالرياء . فأما حين تكون أداء للفريضة فإن إظهارها فيه معنى الطاعة , وفشوهذاالمعنى وظهوره خير . . ومن ثم تقول الآية:
     
    إِنتُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَاالْفُقَرَاءفَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْوَاللّهُبِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
    (إن تبدوا الصدقات فنعما هي . وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم). . فتشملهاتينالحالتين وتعطي كل حالة ما يناسبها من التصرف ; وتحمد هذه في موضعها وتلك فيموضعها ; وتعد المؤمنين على هذه وتلك تكفير السيئات:
    (ويكفر عنكم من سيئاتكم). .
    وتستجيشفي قلوبهم التقوى والتحرج من جانب , والطمأنينة والراحة من جانب آخر ,وتصلهابالله في النية والعمل في جميع الأحوال:
    (والله بما تعملون خبير). .
    ولابد أن نلحظ طول التوجيه إلى الإنفاق ; وتنوع أساليب الترغيب والترهيب بصدده ; لندرك أمرين:
    الأول:بصر الإسلام بطبيعة النفس البشرية وما يخالجها من الشح بالمال , وحاجتهاإلىالتحريك المستمر والاستجاشة الدائبة لتستعلي على هذا الحرص وتنطلق من هذا الشح , وترتفع إلى المستوى الكريم الذي يريده الله للناس . والثاني:ما كان يواجهه القرآنمنهذه الطبيعة في البيئة العربية التي اشتهرت شهرة عامة بالسخاء والكرم . . ولكنهكانسخاء وكرما يقصد به الذكر والصيت وثناء الناس وتناقل أخباره في المضارب والخيام ! ولم يكن أمرا ميسورا أن يعلمهم الإسلام أن يتصدقوا دون انتظار لهذا كله , متجردينمنهذا كله , متجهين لله وحده دون الناس . وكان الأمر في حاجة إلى التربية الطويلة , والجهد الكثير , والهتاف المستمر بالتسامي والتجرد والخلاص ! . . وقد كان
    كلمات مفتاحية  :
    دستور الصدقة

    تعليقات الزوار ()