بتـــــاريخ : 2/28/2009 6:28:51 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 838 0


    الحض على الإنفاق في سبيل الله

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سيد قطب | المصدر : www.alameron.com

    كلمات مفتاحية  :
    الحض الإنفاق سبيل الله

     

    الدرس الأول:261 - 266 الحض على الإنفاق في سبيل الله دون مَنْ
    مَّثَلُالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍأَنبَتَتْسَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُيُضَاعِفُلِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَأَمْوَالَهُمْفِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاًوَلاَأَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَهُمْيَحْزَنُونَ (262)
    والأننواجه النصوص القرآنية في هذا الدرس تفصيلا:
    (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل , في كل سنبلةمائةحبة . والله يضاعف لمن يشاء . والله واسع عليم). .
    إنالدستور لا يبدأ بالفرض والتكليف ; إنما يبدأ بالحض والتأليف . . إنه يستجيشالمشاعروالانفعالات الحية في الكيان الإنساني كله . . إنه يعرض صورة من صور الحياةالنابضةالنامية المعطية الواهبة:صورة الزرع . هبة الأرض أو هبة الله . الزرع الذييعطيأضعاف ما يأخذه , ويهب غلاته مضاعفة بالقياس إلى بذوره . يعرض هذه الصورةالموحيةمثلا للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله:
    (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل , في كل سنبلةمائةحبة). .
    إنالمعنى الذهني للتعبير ينتهي إلى عملية حسابية تضاعف الحبة الواحدة إلىسبعمائةحبة ! أما المشهد الحي الذي يعرضه التعبير فهو أوسع من هذا وأجمل ; وأكثراستجاشةللمشاعر , وتأثيرا في الضمائر . . إنه مشهد الحياة النامية . مشهد الطبيعةالحية . مشهد الزرعة الواهبة . ثم مشهد العجيبة في عالم النبات:العود الذي يحمل سبعسنابل . والسنبلة التي تحوي مائة حبة !
    وفيموكب الحياة النامية الواهبة يتجه بالضمير البشري إلى البذل والعطاء . إنهلايعطي بل يأخذ ; وإنه لا ينقص بل يزاد . . وتمضي موجة العطاء والنماء في طريقها .تضاعفالمشاعر التي استجاشها مشهد الزرع والحصيلة . . إن الله يضاعف لمن يشاء .يضاعفبلا عدة ولا حساب . يضاعف من رزقه الذي لا يعلم أحد حدوده ; ومن رحمته التيلايعرف أحد مداها:
    (والله واسع عليم). .
    واسع . . لا يضيق عطاؤه ولا يكف ولا ينضب . عليم . . يعلم بالنوايا ويثبت عليها , ولا تخفى عليه خافية .
    ولكنأي إنفاق هذا الذي ينمو ويربو ? وأي عطاء هذا الذي يضاعفه الله في الدنياوالآخرةلمن يشاء ?
    إنهالإنفاق الذي يرفع المشاعر الإنسانية ولا يشوبها . الإنفاق الذي لا يؤذيكرامةولا يخدش شعورا . الإنفاق الذي ينبعث عن أريحية ونقاء , ويتجه إلى الله وحدهابتغاءرضاه:
    (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله , ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى , لهمأجرهمعند ربهم , ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). .
    والمنعنصر كريه لئيم , وشعور خسيس واط . فالنفس البشرية لا تمن بما أعطت إلارغبةفي الاستعلاءالكاذب , أو رغبة في إذلال الآخذ , أو رغبة فيلفتأنظار الناس . فالتوجه إذن للناس لا لله بالعطاء . . وكلها مشاعر لا تجيش فيقلبطيب , ولا تخطر كذلك في قلب مؤمن . . فالمن - من ثم - يحيل الصدقة أذى للواهبوللآخذسواء . أذى للواهب بما يثير في نفسه من كبر وخيلاء ; ورغبة في رؤية أخيهذليلاله كسيرا لديه ; وبما يملأ قلبه بالنفاق والرياء والبعد من الله . . وأذىللآخذبما يثير في نفسه من انكسار وانهزام , ومن رد فعل بالحقد والانتقام . . وماأرادالإسلام بالإنفاق مجرد سد الخلة , وملء البطن , وتلافي الحاجة . . كلا ! إنماأرادهتهذيبا وتزكية وتطهيرا لنفس المعطي ; واستجاشة لمشاعره الإنسانية وارتباطهبأخيهالفقير في الله وفي الإنسانية ; وتذكيرا له بنعمة الله عليه وعهده معه في هذهالنعمةأن يأكل منها في غير سرف ولا مخيلة , وأن ينفق منها (في سبيل الله)في غيرمنعولا من . كما أراده ترضية وتندية لنفس الآخذ , وتوثيقا لصلته بأخيه في الله وفيالإنسانية ; وسدا لخلة الجماعة كلها لتقوم على أساس من التكافل والتعاون يذكرهابوحدةقوامها ووحدة حياتها ووحدة اتجاهها ووحدة تكاليفها . والمن يذهب بهذا كله ,ويحيلالإنفاق سما ونارا . فهو أذى وإن لم يصاحبه أذى آخر باليد أو باللسان . هوأذىفي ذاته يمحق الإنفاق , ويمزق المجتمع , ويثير السخائم والأحقاد .
    وبعضالباحثين النفسيين في هذه الأيام يقررون أن رد الفعل الطبيعي في النفسالبشريةللإحسان هو العداء في يوم من الأيام !
    وهميعللون هذا بأن الآخذ يحس بالنقص والضعف أمام المعطي ; ويظل هذا الشعور يحزفينفسه ; فيحاول الاستعلاء عليه بالتجهم لصاحب الفضل عليه واضمار العداوة له ;لأنهيشعر دائما بضعفه ونقصه تجاهه ; ولأن المعطي يريد منه دائما أن يشعر بأنه صاحبالفضلعليه ! وهو الشعور الذي يزيد من ألم صاحبه حتى يتحول إلى عداء !
    وقديكون هذ كله صحيحا في المجتمعات الجاهلية - وهي المجتمعات التي لا تسودهاروحالإسلام ولا يحكمها الإسلام - أما هذا الدين فقد عالج المشكلة على نحو آخر .عالجهابأن يقرر في النفوس أن المال مال الله ; وأن الرزق الذي في أيدي الواجدين هورزقالله . . وهي الحقيقة التي لا يجادل فيها إلا جاهل بأسباب الرزق البعيدةوالقريبة , وكلها منحة من الله لا يقدر الإنسان منها على شيء . وحبة القمح الواحدةقداشتركت في إيجادها قوى وطاقات كونية من الشمس إلى الأرض إلى الماء إلى الهواء .وكلهاليست في مقدور الإنسان . . وقس على حبة القمح نقطة الماء وخيط الكساء وسائرالأشياء . . فإذا أعطى الواجد من ماله شيئا فإنما من مال الله أعطى ; وإذا أسلفحسنةفإنما هي قرض لله يضاعفه له أضعافا كثيرة . وليس المحروم الآخذ إلا أداة وسببالينالالمعطي الواهب أضعاف ما أعطى من مال الله ! ثم شرع هذه الآداب التي نحن الآنبصددها , توكيدا لهذا المعنى في النفوس , حتى لا يستعلي معط ولا يتخاذل آخذ .فكلاهماآكل من رزق الله . وللمعطين أجرهم من الله إذا هم أعطوا من مال الله فيسبيلالله ; متأدبين بالأدب الذي رسمه لهم , متقيدين بالعهد الذي عاهدهم عليه:
    (ولا خوف عليهم). .
    منفقر ولا من حقد ولا من غبن . .
    (ولا هم يحزنون). .
    قَوْلٌمَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُغَنِيٌّحَلِيمٌ (263)
    علىما أنفقوا في الدنيا , ولا على مصيرهم في الآخرة .
    وتوكيداللمعنى الذي سلف من حكمة الإنفاق والبذل . توكيدا لأن الغرض هو تهذيبالنفوس , وترضية القلوب , وربط الواهب والآخذ برباط الحب في الله . . يقول في الآيةالتالية:
    (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى . والله غني حليم). .
    فيقررأن الصدقة التي يتبعها الأذى لا ضرورة لها ! وأولى منها كلمة طيبة وشعورسمح . كلمة طيبة تضمد جراح القلوب , وتفعمها بالرضى والبشاشة . ومغفرة تغسل أحقادالنفوسوتحل محلها الإخاء والصداقة . فالقول المعروف والمغفرة في هذه الحالة يؤديانالوظيفةالأولى للصدقة:من تهذيب النفوس وتأليف القلوب .
    ولأنالصدقة ليست تفضلا من المانح على الآخذ , إنما هي قرض لله . . عقب على هذابقوله:
    (والله غني حليم). .
    غنيعن الصدقة المؤذية . حليم يعطي عباده الرزق فلا يشكرون , فلا يعجلهم بالعقابولايبادرهم بالإيذاء ; وهو معطيهم كل شيء , ومعطيهم وجودهم ذاته قبل أن يعطيهم أيشيء - فليتعلم عباده من حلمه - سبحانه - فلا يعجلوا بالأذى والغضب على من يعطونهمجزءامما أعطاه الله لهم . حين لا يروقهم منهم أمر , أولا ينالهم منهم شكر !
    ومايزال هذا القرآن يذكر الناس بصفة الله سبحانه ليتأدبوا منها بما يطيقون ;ومايزال أدب المسلم تطلعا لصفة ربه , وارتقاء في مصاعدها , حتى ينال منها ما هومقسومله , مما تطيقه طبيعته .
    وعندمايصل التأثر الوجداني غايته . . بعد استعراض مشهد الحياة النامية الواهبةمثلاللذين ينفقون أموالهم في سبيل الله , دون أن يتبعوا ما أنفقوا منا ولا أذى ,وبعدالتلويح بأن الله غني عن ذلك النوع المؤذي من الصدقة , وأنه وهو الواهب الرازقلايعجل بالغضب والأذى . . عندما يصل التأثر الوجداني غايته بهذا وذاك , يتوجهبالخطابإلى الذين آمنوا ألا يبطلوا صدقاتهم بالمن والأذى . ويرسم لهم مشهدا عجيبا - أو مشهدين عجيبين يتسقان مع المشهد الأول . مشهد الزرع والنماء . ويصوران طبيعةالإنفاقالخالص لله , والإنفاق المشوب بالمن والأذى . على طريقة التصوير الفني فيالقرآن , التي تعرض المعنى صورة , والأثر حركة , والحالة مشهدا شاخصا للخيال:
    (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى , كالذي ينفق ماله رئاءالناس , ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ; فمثله كمثل صفوان عليه تراب , فأصابه وابل ,فتركهصلدا ; لا يقدرون على شيء مما كسبوا , والله لا يهدي القوم الكافرين . ومثلالذينينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة . أصابهاوابلفآتت أكلها ضعفين ; فإن لم يصبها وابل فطل , والله بما تعملون بصير). .
    هذاهو المشهد الأول . .
    مشهدكامل مؤلف من منظرين متقابلين شكلا ووضعا وثمرة . وفي كل منظر جزئيات ,يتسقبعضها مع بعض من ناحية فن الرسم وفن العرض ; ويتسق كذلك مع ما يمثله منالمشاعروالمعاني التي رسم المنظر كله لتمثيلها وتشخيصها وإحيائها .
    نحنفي المنظر الأول أمام قلب صلد:
    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَىكَالَّذِييُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِالآخِرِفَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌفَتَرَكَهُصَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَيَهْدِيالْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَأَمْوَالَهُمُابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِجَنَّةٍبِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْيُصِبْهَاوَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)
    (كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر). .
    فهولا يستشعر نداوة الإيمان وبشاشته . ولكنه يغطي هذه الصلادة بغشاء من الرياء .
    هذاالقلب الصلد المغشى بالرياء يمثله (صفوان عليه تراب)حجر لا خصب فيه ولاليونة , يغطيه تراب خفيف يحجب صلادته عن العين , كما أن الرياء يحجب صلادة القلبالخاليمن الإيمان . .
    (فأصابه وابل فتركه صلدا). .
    وذهبالمطر الغزير بالتراب القليل ! فانكشف الحجر بجدبه وقساوته , ولم ينبت زرعه , ولم يثمر ثمرة . . كذلك القلب الذي أنفق ماله رئاء الناس , فلم يثمر خيرا ولميعقبمثوبة !
    أماالمنظر الثاني المقابل له في المشهد . . فقلب عامر بالإيمان , ندي ببشاشته .ينفقماله (ابتغاء مرضاة الله). . وينفقه عن ثقة ثابتة في الخير , نابعة من الإيمان , عميقة الجذور في الضمير . . وإذا كان القلب الصلد وعليه ستار من الرياء يمثلهصفوانصلد عليه غشاء من التراب , فالقلب المؤمن تمثله جنة . جنة خصبة عميقة التربةفيمقابل حفنة التراب على الصفوان . جنة تقوم على ربوة في مقابل الحجر الذي تقومعليهحفنة التراب ! ليكون المنظر متناسق الأشكال ! فإذا جاء الوابل لم يذهب بالتربةالخصبةهنا كما ذهب بغشاء التراب هناك . بل أحياها وأخصبها ونماها . .
    (أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين). .
    أحياهاكما تحيي الصدقة قلب المؤمن فيزكو ويزداد صلة بالله , ويزكو ماله كذلكويضاعفله الله ما يشاء . وكما تزكو حياة الجماعة المسلمة بالإنفاق وتصلح وتنمو:
    (فإن لم يصبها وابل). . غزير . .(فطل)من الرذاذ يكفي في التربة الخصبة ويكفي منهالقليل !
    إنهالمشهد الكامل , المتقابل المناظر , المنسق الجزئيات , المعروض بطريقة معجزةالتناسقوالأداء , الممثل بمناظره الشاخصة لكل خالجة في القلب وكل خاطرة , المصورللمشاعروالوجدانات بما يقابلها من الحالات والمحسوسات , الموحي للقلب باختيارالطريقفي يسر عجيب . .
    ولماكان المشهد مجالا للبصر والبصيرة من جانب , ومرد الأمر فيه كذلك إلى رؤيةاللهومعرفته بما وراء الظواهر , جاء التعقيب لمسة للقلوب:
    واللهبما تعملون بصير . .
    فأماالمشهد الثاني فتمثيل لنهاية المن والأذى , كيف يمحق آثار الصدقة محقا فيوقتلا يملك صاحبها قوة ولا عونا , ولا يستطيع لذلك المحق ردا . تمثيل لهذه النهايةالبائسةفي صورة موحية عنيفة الإيحاء . كل ما فيها عاصف بعد أمن ورخاء:
    (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار , له فيها منكلالثمرات , وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء , فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ? كذلكيبينالله لكم الآيات لعلكم تتفكرون). .
    هذهالصدقة في أصلها وفي آثارها تمثل في عالم المحسوسات . .
    أَيَوَدُّأَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِيمِنتَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُالْكِبَرُوَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌفَاحْتَرَقَتْكَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْتَتَفَكَّرُونَ (266)
    (جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار , له فيها من كل الثمرات). .
    إنهاظليلة وارفة مخصبة مثمرة . . وكذلك الصدقة في طبيعتها وفي آثارها . . كذلكهيفي حياة المعطي وفي حياة الآخذ وفي حياة الجماعة الإنسانية . كذلك هي ذات روحوظل , وذات خير وبركة , وذات غذاء وري , وذات زكاة ونماء !
    فمنذا الذي يود أن تكون له هذه الجنة - أو هذه الحسنة - ثم يرسل عليها المنوالأذىيمحقها محقا , كما يمحق الجنة الإعصار فيه نار
    ومتى ? في أشد ساعاته عجزا عن إنقاذها , وحاجة إلى ظلها ونعمائها !
    (وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء . فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت). .
    منذا الذي يود هذا ? ومن ذا الذي يفكر في ذلك المصير ثم لا يتقيه
    (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون). .
    وهكذايقوم المشهد الحي الشاخص , بما فيه أول الأمر من رضى ورفه ومتعة ; وما فيهمننضارة وروح وجمال . ثم بما يعصف به عصفا من إعصار فيه نار . . يقوم هذا المشهدالعجيببالإيحاء الشعوري الرعيب الذي لا يدع مجالا للتردد في الاختيار , قبل أنتذهبفرصة الاختيار , وقبل أن يصيب الجنة الوارفة الظليلة المثمرة إعصار فيه نار !
    وبعدفإن التناسق الدقيق الجميل الملحوظ في تركيب كل مشهد على حدة , وفي طريقةعرضهوتنسيقه . . . هذا التناسق لا يقف عند المشاهد فرادى . بل إنه ليمد رواقهفيشملالمشاهد متجمعة من بدئها في هذا الدرس إلى منتهاها . . إنها جميعا تعرض فيمحيطمتجانس . محيط زراعي ! حبة أنبتت سبع سنابل . صفوان عليه تراب فأصابه وابل .جنةبربوة فآتت أكلها ضعفين . جنة من نخيل وأعناب . . حتى الوابل والطل والإعصارالتيتكمل محيط الزراعة لم يخل منها محيط العرض الفني المثير .
    وهيالحقيقة الكبيرة وراء العرض الفني المثير . . حقيقة الصلة بين النفس البشريةوالتربةالأرضية . حقيقة الأصل الواحد , وحقيقة الطبيعة الواحدة , وحقيقة الحياةالنابتةفي النفس وفي التربة على السواء . وحقيقة المحق الذي يصيب هذه الحياة فيالنفسوفي التربة على السواء .
    إنهالقرآن . . كلمة الحق الجميلة . . من لدن حكيم خبير
    كلمات مفتاحية  :
    الحض الإنفاق سبيل الله

    تعليقات الزوار ()