من المعروف لدى الجميع إن الأخلاق العالية السامية قد تساعد المجتمع على تجاوز الكثير من المصائب والمحن، فإذا انحطت الأخلاق والقيم وساءت، وأصبحت المحن والمصائب وسيلة لكسب الربح كما هو الحال في وقتنا الحاضر، حيث أصبحت التكنولوجيا بوسائلها المتعددة من الفضائيات والإنترنت وأخيراًً وليس آخراً الموبايل، حيث وجدنا في الآونة الأخيرة توزيع ما يسمى بـ" أفلام الموبايل" بين المراهقين والشباب، والتي تشمل لقطات وصوراً بعيدة كل البعد عن أخلاقيات وقيم مجتمعاتنا الإسلامية، وقد يؤدي إلى اشتعال الفتن وضمور وانحلال روابط الأخوةُ بين أبناء المجتمع الواحد. لذا ينبغي علينا جميعاً أن لا ننسى أبداً بأن السيل الجارف يتكون من القطرات الصغيرة من الماء، والقشة ربما قد تقصم ظهر البعير كما يقولون ..! والكثير من المشاكل الخطيرة والأزمات العويصة كانت في بادئ أمرها صغيرة جداًً، ولما لم تلفت إليها وإلى احتوائها وتحديدها تكبر وتكبر ثم تنفجر، وتعود عل الجميع بالضرر .
وأخيراً قامت الجهات الأمنية مشكورةً بحملة لغلق بعض مكاتب الموبايلات، وحجز بعض الكمبيوترات، ومسح الملفات والبرامج التي تساعد على استرجاع المعلومات المخزونة على كارت التخزين " Memory card " ولكن دون جدوى.
. ونقول مهما تعددت وتنوعت التشريعات، ومهما تجذرت الأعراق، وروُعِيت التقاليد، فقد تُغطي هذه مساحات محددة من حياة الناس الاجتماعية، وعلى الأخلاق والقيم أن يكونا ردعاً منيعاً لكل من تسول له نفسه استغلال الحرية المعطاة، بحيث يُسيء لنفسه أولاً ولمجتمعه ثانياً، حيث أن وظيفة الأخلاق لا يمكن أن تقوم بها أية سلطة أو نظام مهما كانت صارمة أو قوية. فالسلطة مهما راقبت الإنسان فلا بُدَّ أن تغيب في وقت من الأوقات، أما سلطة الأخلاق فلن تغيب أبداً، وهذا هو الإحسان بحد ذاته كما عرفها صاحب الخلق العظيم "صلى الله عليه وسلم " (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) .
ومن أجل ذلك فقد اتفق العقل والنقل على مقارعة الأخلاق الذميمة، والتحذير منه وذمه وتصويبه كما قال الرسول المصطفى "صلى الله عليه وسلم":-(إنما بعثتُ لأُتمم مكارمه الأخلاق)
وكما هو معلوم فإنه كما تمرض الأجسام - وأعراض المرض الضعف والهزال، والشحوب - كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها سمات الاعتلال ومضاعفاته في صور الهزال الخُلقي، والانهيار النفسي ، وذلك على اختلاف في أبعاد ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام والأخلاق .
وكما تعالج الأمراض العضوية ويسترد الجسم عافيته وصحته ونشاطه بعد العلاج، كذلك تعالج الأخلاق المريضة، وذلك حسب أعراضها وطباع ذويها كالأجسام سواءً بسواء، ولولا إمكان معالجة الأخلاق وتقويمها لحبطت جهود الأنبياء والمرسلين ودعاة إصلاح المجتمع في تهذيب الناس وتوجيههم وجهة الخير والصلاح [ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ] (هود:88)، ولأصبح البشر من جراء ذلك يعيشون كما تعيش الوحوش في الغابات وربما أسوأ من ذلك، ولكن إمكانية تهذيب الأخلاق أبعد الإنسان عن غيره من الخلائق وميزه عنهم .
ومن البديهي فإن الأخلاق تنتصر حيث يفشل المال والجاه والحسب والنسب، وأن القيم والأخلاق مرتبطان بمرجعياتهما، فمتى ضَعُفَ هذه المرجعية - ألا وهي التدين - انعكس ذلك على فاعلية القيم. فالتدين يمنح القيم قوة الإرادة، وثباتاً متيناً كثبات الجبال، وهذا الأمر شامل في الديانات .
ومن أجل ذلك كله، وكذلك من أجل مجتمع متمدن وحضاري بعيد عن الانحراف الخُلقي، فلا بُدَّ أن تتضافر جميع الجهود، وليست السلطات الرقابية فقط، ابتداءً من اللبنة الأُولى في المجتمع ألا وهي الأُسرة ومروراً بالمدرسة ووسائل التربية الفردية والجماعية كوسائل الإعلام كافة المرئية والمسموعة والمقروءة، ولنعمل جميعاَ على تنمية الوازع الديني والأخلاقي لدى الناس، وتشجيع روح المؤاخاة لدى الأفراد، وأن نربي الأجيال على إفساح الصدر للنقد والمناقشة، وقبول الرأي والرأي المقابل، وإلا فاِن الانحراف سيقع لا محال مثلما يقولون ولو تمت برقع صفيق...؟ !