بتـــــاريخ : 6/14/2011 12:42:55 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1679 0


    التربية الأخلاقية فى الإسلام

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : أحمد الكردى | المصدر : kenanaonline.com

    كلمات مفتاحية  :

    تكاد تكون دعوة القرآن الكريم كلها دعوة إلى الأخلاق الفردية والاجتماعية، فالأخلاق تحتل قسماً كبيراً، وركناً عظيماً من أركان التربية القرآنية، "فقد ورد في القرآن الكريم ألف وخمسمائة وأربع آيات تتصل بالأخلاق، سواء في جانبها النظري أو في جانبها العملي، وهذا المقدار يمثل ما يقرب من ربع عدد آيات القرآن الكريم" وقد أجمع المربون الإسلاميون على: "أن التربية الخلقية هي روح التربية الإسلامية"، وأعظم ما يتربى عليه الإنسان من العلوم، وربطوا بين الدين والأخلاق برباط وثيق يُفيد: أن من لا خلق له لا دين له؛ بحيث لا يمكن أن يوجد متدين إلا وهو أخلاقي، ولا يمكن أن يوجد أخلاقي في سلوكه حقيقة إلا وهو متدين"، فإن من المسلَّمات أن الإنسان لا يحيى بغير أخلاق، والأخلاق لا توجد بغير دين؛ ولهذا يُلاحظ ارتباط الأخلاق عند كثير من الشعوب السابقة بالطابع الديني، فالدين والأخلاق: "شيء واحد، فلا دين بغير أخلاق، ولا أخلاق بغير دين".

    وعلى الرغم من اضطراب المفاهيم الأخلاقية عند الفلاسفة، وعداء كثير منهم للدين -أياً كان- فإنهم في كثير من الأحيان يعترفون بالرابطة القوية بين الدين والأخلاق، فعلى الرغم من كل العداء الذي عبَّر عنه "دور كايم" تجاه الدين، وسعيه الحثيث لضرورة فصل الأخلاق عنه؛ بحيث تقوم الأخلاق على أفكار ومبادئ يبررها العقل وحده دون الدين، واعتقاده أن بناء الأخلاق على أساس عقلي  يخلصها من التحجر الذي يفرضه الدين عليها، ومع كل هذا يقول معترفاً: "ولكن الواقع… أن الأخلاق والدين قد ارتبطا ارتباطاً وثيقاً منذ أمد بعيد، وظلا طوال قرون عديدة متشابكين، فلم تصبح العلاقات التي تربطهما علاقات خارجية أو ظاهرية، ولم يعد من السهل فصلهما بعملية يسيرة كما نتصور".

    ويرى البعض أن الأخلاق لا بد أن تبقى في الجانب النظري دون الجانب السلوكي، بمعنى أن تصبح "ميتاأخلاق أي ما وراء الظواهر السلوكية"، فلا يكون لها واقع في سلوك الفرد، في حين ينظر الإسلام إلى الأخلاق عند الإنسان كميدان تطبيقي للعقيدة، "فلا معنى للعقيدة التي يحملها الفرد إذا لم تجد لها تطبيقاً واقعياً في الحياة" وفي الجانب الآخر فإنه "لا مكان للأخلاق، بدون عقيدة، فالعقيدة تتصل بالأخلاق ذاتها، ومعناها هو: الإيمان بالحقيقة الأخلاقية، كحقيقة قائمة بذاتها، تسمو على الفرد، وتفرض نفسها عليه، بغض  النظر عن أهدافه ومصالحه ورغباته".

    إن السلوك الخلقي الفاضل -في التصور الإسلامي- ثمرة من ثمار الإيمان والعقيدة الصحيحة، ويأتي في الأهمية بعد الإيمان بالغيب مباشرة، ويدخل في كل جوانب الحياة وقطاعاتها المختلفة، فيؤثر في النفس انفعالاً يضبط سلوكها، ويوجهه نحو ما ينبغي فعله، وما يجب تركه.

    وقد دلَّ البحث الميداني على صدق هذا المفهوم -حتى عند الغربيين- فالطلبة المتدينون من الجنسين أنضج في تعاملهم من غيرهم، وأبلغ في انضباط سلوكهم، والتزامهم الخلقي مما يدل بوضوح على الصلة الوثيقة بين السلوك الخلقي والعقيدة، فإذا أدرك المكلف هذه الأهمية، وهذه الرابطة المحكمة: علم أهمية السلوك الخلقي السوي، وضرورته لإثبات صدق الإيمان.

     

    إن مهمة التربية تصبح سهلة إذا وجدت معياراً صادقاً للقيم والأخلاق، إلا أن الإنسان عاجز بقدراته المحدودة أن يضع لنفسه أو لغيره هذا المعيار الصادق الثابت الذي يمكن أن يفرَّق به بين الخير والشر، والحق والباطل، ومن هنا فإنه "لا يمكن الحصول على معرفة أخلاقية موثوق فيها دون اللجوء إلى المصدر السلطوي المناسب"، الذي يملك حق إصدار القيم، وحق الإلزام بها وهذان الحقَّان لا يملكهما إلا من يملك الحياة بأسرها،ويملك الإنسان بأهوائه، وهو الله جل جلاله.

    إن صدور القيم الخلقية عن الذات الإلهية عبر الوحي الرباني: تمثل - في حدِّ ذاتها- عند الإنسان الذي من طبعه التفلُّت من الالتزام: قناعة كافية لدفعه نحو التطبيق إذا لم يصاحب هذه القيم الخيِّرة إلزام من صاحب السلطة -جل شأنه- تجاه الجميع لتنفيذ الأوامر في جميع الأحوال، بحيث يصبح العصيان أمراً ممقوتاً مستهجناً، ويكون الإنسان البالغ العاقل، الحر في إرادته واختياره: ملزماً بالتحلي بالأخلاق الفاضلة، وتجنب الأخلاق الساقطة، على سبيل الإلزام لا على سبيل التخيير، بمعنى أن يكون علم الأخلاق هو علم الواجبات الملزمة، فالمسلم المكلف -على سبيل المثال- مُلزم بالصدق، ومنهيٌ عن الكذب؛ لأن الأول لا بد أن يَلتزم، والثاني لا بد أن يجتنب، بحيث يترقى الفرد تدريجياً، وبالمران والاعتياد؛ لتصبح هذه الأخلاق الفاضلة جزءاً من كيانه، تصدر عنه من غير تكلُّف، وعندها فقط يُسمى الخلق خلقاً.

    ومن هنا فإن الأخلاق الإسلامية تحمل مفهوماً واسعاً شاملاً ينظم ويسوس جميع علاقات الإنسان، في كل جوانب حياته، وذلك بناء على المبادئ والقواعد التي حددها الوحي المنزل، بهدف تحقيق الغاية من وجود الإنسان في هذه الحياة؛ بحيث تمثل التربية الأخلاقية الجانب العملي التطبيقي لمفهوم الأخلاق في التصور الإسلامي.

    يخطئ من يحاول حل مشكلات الشباب المسلم، وأزماتهم الأخلاقية بعيداً عن نهج التربية الإسلامية، معتمداً على المنظور التربوي الغربي، متناسياً اختلاف البيئة الاجتماعية، ومحتوى الثقافة المحلية اللذين يؤثران بدورهما في طبيعة مشكلات الشباب كماً وكيفاً، وكذلك في طريقة حلها، خاصة وقد حبا الله U الأمة الإسلامية بأن تكفَّل لها بوضع قائمة الأخلاق والقيم الفردية والجماعية؛ لتكون الأطر المرجعية الثابتة للفرد والأمة المسلمة، بحيث تشمل وتستوعب كل جوانب  السلوك الإنساني، بكل تفصيلاتها وتفريعاتها، وفي جميع مجالات الحياة الاجتماعية والبيئية، ولهذا تخلو من القصور والتناقض اللذين تتورط فيهما الأخلاق الوضعية؛ لفقدانها الخاصية الربانية لمصدر الأخلاق، من حيث العصمة والثبات والشمول في حين تتأثر الأخلاق الوضعية بأنظمة الحياة الاجتماعية، وأهواء الفلاسفة والمفكرين، بحيث يصبح الإنسان القاصر بطبعه -فرداً كان أو جماعة- مصدر القيم الخلقية، وعندها تفقد الأخلاق أساسها الموضوعي، "وتصبح بالتالي مسألة اختيار غير خاضعة لأية معايير ثابتة" يمكن الاعتماد عليها في تحديد الخطأ أو الصواب.

     

     

    يهدف الفعل الأخلاقي بعد مرضاة الله تعالى إلى احترام الفرد لذاته الإنسانية، فيميل نحو السمو بميوله المختلفة: رغبة في الارتفاع والاستعلاء بها عن الدنايا؛ مدركاً : "أن هناك غايات أخرى أسمى بكثير من إشباع مطالب الجسد وشهواته؛ بل وأسمى حتى من مطالب النفس العادية ورغباتها"، فإن النفس الأبية" إذا استشعرت كرامتها وعلوها، ونظرت إلى ما في الرذائل من الخسة: أبى لها ذلك الشعور… أن تنحط إلى تعاطي تلك الخسائس"، وأن تقبل بالحقير من الأخلاق ومن هنا فقد ارتبطت إنسانية الإنسان بالأخلاق، فهو ما خُلق إلا ليمارس جمعاً منها، فليس له من إنسانيته إلا بقدر ما يلتزم من الأخلاق المكلف بها، والتي تُكوِّن في مجموعها صورة كاملة عن شخصيته.

    إن هذا التصور النفسي لاحترام الذات، والترفع بها عن السفاسف والدَّنايا "من أجل السمو الروحي والأخلاقي والاجتماعي والفكري: هو جوهر التربية الإسلامية"، بل هو في الحقيقة حجر الزاوية في منهج الإسلام التربوي، ومن أعظم الدوافع الذاتية للترفع عن المشين من الأخلاق، والتَّعلق بالصالح من القيم والآداب.

    إن تكرار السلوك الخلقي الفاضل بعد القناعة به: يرسِّخه، ويمكِّنه في النفس، إلا أن إهماله في بعض الأحيان -ولو كان بصورة يسيرة- يضعف رسوخه، ويقلل من أثره في السلوك، كما أن التخلي عن العادات والأخلاق المذمومة لا بد أن يكون دفعة واحدة، فلا يسمح الإنسان لنفسه بالعودة إليها ولو لمرة واحدة، فالأخلاق الفاضلة -جبلِّية أو مكتسبة- لا بد لها من التأديب والتهذيب، فيجعل "الإنسان لنفسه عقاباً وثواباً يسوسها بهما، فإن أتت نفسه بالأفعال الفاضلة، وتركت الرذائل: أثابها بإكثار مدحها، وتمكينها من بعض لذاتها، أما إذا أتت بالأفعال السيئة العواقب: فليكثر من ذمها ولومها، ومنعها لذاتها حتى تلين له".

    إن مجاهدة النفس من أعظم ميادين الجهاد شدة وصعوبة، كما قال مالك بن دينار ~ٍٍِِ: "جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم"، خاصة في مرحلة الشباب حيث تضعف القدرات عن ضبط السلوك لغلبة الشهوات، وتصبح الذات محطَّ ومحور التفكير، ويشعر الشباب في أنفسهم بقدرات وملكات أكبر من واقعهم الحقيقي، فينطلقون بها ليتخلصوا من قيد الطفولة وأسرها، فيجربون بأنفسهم ويختبرون ما تعلموه في سنواتهم السابقة، فيحصل لهم في انطلاقتهم هذه من الأخطاء، والممارسات المخالفة للآداب والأخلاق التي تلقَّوها في مرحلة الطفولة: ما يستدعي ضرورة تهذيب هذه السلوكيات والممارسات من خلال تأديب النفس بوسيلتين، إحداهما: القناعة التامة بصعوبة سياسة النفس وتهذيبها حتى يستعد المكلف لذلك بالمجاهدة؛ فإن طريق الفضائل محفوفة بالمكاره - كما جاء في الخبر- والتخلص من العادات القبيحة والمذمومة ليس باليسير، فإن "العادة طبع ثان للإنسان، ومكافحتها تحتاج إلى شيء من الثبات والاستدامة"، والمجاهدة في ضبط الميول والرغبات، فإن النجاة لا تحصل "إلا بترك الشهوات، وفطام النفس عنها" وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: ((ليس الشديد من غلب الناس، ولكن الشديد من غلب نفسه ))، يعني ملك زمامها، وسيطر عليها.

    وأما الوسيلة الثانية فمن خلال التَّوبة المستمرة، التي تُعد رافداً عظيماً لضبط النفس وتهذيبها لما يُستقبل من الأعمال، مع عدم الإصرار على أخطاء، وقد قيل في الحكمة: "شاب بلا توبة كشجرة بلا ثمر"، والضمير الأخلاقي يكتمل بناؤه لدى الشباب قبل الغرائز الأخرى، وذلك ليكون معيناً لهم على ضبط غرائزهم،وإحكام رغباتهم، وقد دلَّ البحث الميداني على أن غالب الشباب يشعرون عند تقصيرهم في جنب الله تعالى بالندم، ولاسيما الإناث، فإن شعورهن بالندم والأسى أكثر من الذكور، والندم -في حد ذاته- يُعد توبة في التصور الإسلامي؛ لما يُحدثه في النفس من أثر وحشة المعصية، فيسوق إلى التأدب وضبط السلوك، ومعاتبة النفس بالقدر الذي يدفعها نحو الإيجابية السلوكية، ولا يؤدي إلى انكماشها، والشعور بالنقص وعدم الثقة، فإن هذا الإحساس السلبي يبدِّد أثر التوبة الإيجابي، ويحوله إلى إحساس مَرَضي يبدد طاقة المرء النفسية في غير طائل، ويشل حركته عن العمل الإيجابي المستقبلي، فإن "الحزن مفسدة العقل، مقطعة الحيلة"، والله تعالى يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر:53]، فلا بد من الاعتدال في هذه المشاعر النفسية.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()