المبحث الثالث
المرأة المباحة للخِطبة
المطلب الاول / شروط الخطبة
النساء بالنسبة لجواز خطبتهن وعدم جوازها على ثلاثة اقسام:-
1- منهن من تجوز خطبتهن لعدم تعلق سب من اسباب التحريم المؤبد او المؤقت بهن وهن اكثر النساء في المحتمع .
2- منهن من لا تجوز خطبتهن لحرمتهن على وجه التأبيد اما بسبب القرابة كالأخت والعمّة والخالة ، واما بسبب المصاهرة كأم الزوجة وزوجة الأب ، واما بسبب الرضاع كالأم والأخت وبنت الاخت الرضاعية.
3- منهن من لا تجوز خطبتهن لعارض فاذا زال هذا العارض جازت خطبتهن وهن الأصناف التالية :-
أ- المشغولة بنكاح صحيح: لاتجوز خطبة من يتعلق بها حق الغير بالنكاح .
ب- المعتدة من طلاق رجعي: المعتدة من هذا الوجه تمنع خطبتها تصريحاً وتلميحاً حتى تنتهي عدتها لإنشغالها بحق الزوج خلالها.
ت- المعتدة من طلاق بائن : فهذا الصنف من النساء تحرم خطبتهن عند الحنفية تصريحاً وتلميحاً خلال مدة العدة سواء كان الطلاق بائناً بينونة صغرى او كبرى ( [1] ) ، اما المالكية والشافعية والظاهرية والشيعة الامامية فيرون جواز خطبتها تلميحاً لا تصريحاً ( [2] ).
ث- المعتدة للوفاة : ليس من ادب الاسلام خطبة امرأة توفي زوجها او مطلقة لم تقتضي عدتها ، اما المعتدة بسبب الوفاة تجوز خطبتها تلميحاً لا تصــريحاً دون خــلاف بين الفقهاء لقوله تعالى } وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ { البقرة: 235، جاز التلميح بلاخوف لصراحة معنى الاية ، ولأن الوفاة يقطع الحياة الزوجية، ولايمكن تصور استئنافها بين الجانبين مرة اخرى باي حال من الاحوال، ولم يجز التصريح مراعاةً لحال المرأة ، وماهي عليه من الحزن، ومراعاة لشعور أقارب الزوج الراحل .
ومما يروى أن سكينة بنت حنظلة قالت: استأذن علي محمد بن علي الباقر ولم تنقض عدتي في مهلكة زوجي، فقال : قد عرفت قرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) ، وقرابتي من علي وموضعي من العرب ، قلت غفر الله لك ياأبا جعفر، إنك رجل يؤخذ
عنك وتخطبني في عدتي ، فقال إنما اخبرتك بقرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) ، و من علي ( [3] ).
المطلب الثاني
ضرر الخطبة على الخطبة
يحرص الاسلام الحرص كله على سلامة المجتمع وتآخيه ، فالمؤمنون اخوة لايتظالمون ولايتحاسدون ، قال الباري عزوجل } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { الحجرات: 10.
لذا فقد حرّم الاسلام كل مايدعو للنفرة بين المسلمين،و يورث العداوة والبغضاء ، وامر المسلمين برعاية الشعور الانساني المرهف، وذلك حين يخطب مسلم مسلمة ، فالتشريع الاسلامي يمنع ايَّ انسان ان يتقدم لخطبة هذه الفتاة خفظاً لحق اخيه ومراعاةً لشعوره، فان الشاب حين يخطب فتاة ويتعلق قلبه بها، ويامل الزواج منها، اكتسب بهذا حقاً لايزاحم فيه احد، ومزاحمته ظلم يحرم على المؤمن اقترافه، فان الرسول عليه الصلاة والسّلام قال: ( كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه ).
وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ايذاء المؤمن بشتى وسائل الايذاء، فقال عـزوجل } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا { الأحزاب:58 ، وان في الخطبة ضرراً على المخطوبة في بعض الحالات، قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى " وقد يكون ان ترجع عمن اذنت في إنكاحه فلا ينكحها من رجـعت له، فيكون فســاداً عليها وعلى خاطبها الذي أذنت في انكاحه " ( [4] ).
المطلب الثالث
اولاً : رأي الفقهاء في الخطبة على الخطبة
تحرم الخطبة على الخطبة لقوله عليه الصلاة والسّلام ( المؤمن اخو المؤمن، فلايحل للمؤمن ان يبتاع على بيع اخيه ولايخطب على خطبة اخيه حتى يذر) ولمارواه ابن عمر انّه عليه الصـلاة والسـّلام قال: ( لايخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطـب قبله او يأذن له الخاطـب ) ( [5] ) ، ولأن فيـها اعتداءً على حـق الغير وتؤدي الى نشوب الكراهة والبغضاء والعداوة بين الخاطبين ،وحرمة الخطــبة على الخطــبة لاخلاف فيها بين الفقــهاء ان وافقت المخطوبة واستجابت للخاطب الاول، اما اذا سكتت ولم يبد منها ما يدل على القبول اوالرفض او استمهلت مدةلترى خلالها رأيها .
فذهب مالك واكثر الحنفيةالى حرمتها ايضاً لأن السكوت لايعني الرفض، اذ قد يقصد منه التحري عن حال الخاطب .
وذهب بعض الفقهاءالى جوازها وهواحد قولي الشافعي ( [6] ) ،اما ابن حزم فقد قيَّد الحرمة بكون الخاطبين متكافئين، امااذا كان الخاطب الثاني افضل لها في الدين وحسن الصحبة فلا حرمة في خطبتها، والخطبة على الخطبة المقترنة بالاستجابة اثم موجب للعقاب في الاخرة لدى جمهور الفقهاء إن نجم عنها افساد الامر على الخاطب الاول، وهناك اراء للفقهاء لو تم الزواج من الخاطب الثاني واستوفي العقد شروطه واركانه.
فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة الى صحة العقد، لأن الحرمة عندهم منصبة على اصل الخطبة لما فيه من الايذاء للخاطب الاول لا على العقد، فالنكاح يكون نكاحاً صحيحاً ولكن يتحمل إثم إفساد الأمر على الخاطب الأول ( [7] ) .
روي عن الامام مالك ثلاثة أقوال:-
1- موافق لرأي الجمهور.
2- يرى لزوم فسخ العقد في حال عدم الدخول.
3- يرى وجوب فسخه سواء حصل الدخول ام لم يحصل ( [8] )، وهو ما قال به الظاهرية أيضاً ( [9] ).
ثانياً : عقوبة الخِطبة على الخِطبة
رأينا من الاحاديث الدّالة على نهي الخطبة على الخطبة وذلك من ايذاء المؤمن وضرره، فالخطبة على الخطبة لها عقوبتان : اخروية ينالها في الدار الاخرة جزاءً وفاقاً ، قال تعالى } فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ { الزلزلة: 7- 8 ، إلاّ ان هذه العقوبة قد لايتأثر بها، ولايحس بوطأتها، مَن كان ضعيف الايمان لايخاف الله ولايتقيه حق تقاته، فلابد من عقوبة دنيوية ينالها في الدار الدنيا لما اقترفت يداه، فما هي عقوبته في الدنيا؟،.
يقول العلماء : ان مَن ارتكب محرماً يؤدب ويعزر، والتعزير عقوبة تقديرية يحددها القاضي، وتردع غيره من ان يقع فيها، قال ابن القاسم في صدد الخطبة على الخطبة : ( لايفسخ ويؤدب فاعله ) والتعزير لمن خطب على خطبة اخيه اذا كان عالماً بذلك، سواء فسخ ام لم يفسخ، لأنه قد ارتكب مخالفة وتعدى حقاً لله وللعبد ( [10] ).
ثالثاً: أثر الخطبة المحرمة
ذهب اهل الظاهر الى ان مَن خطب امرأة لاتجوز خطبتها، بأن كانت محرمة على وجه التأقيت ثم زال المانع، او كانت معتدة :-
فان العقد ان وقع بعد ذلك، فالعقد فاسد يلزم فسخه سواء دخل بها او لم يدخل، وللمالكية قول مثل هذا، ولهم قول اخر يوافق ماعليه جمهور الفقهاء والجعفرية وهو ان الخاطب حينئذٍ آثم بخطبته، الا انه لاأثر على صحة العقد ، لأن النهي يتوجه الى امر خارج عن ذات الشئ وحقيقته، فلايقتضي بطلان المنهي عنه، وهذا الرأي الراجح ، وهو ماعليه العمل في المحاكم الآن ( [11] ).
( [1] ) زكي الدين شعبان ، الاحكام الشرعية في الاحوال الشخصية على مذهب الامام ابي حنيفة ، المطبعة العثمانية المصرية ، ط1 / 1347هـ، ص 61، 64.
( [2] ) إبن حزم ، المحلى ، المكتبة التجارية للطباعة والتوزيع والنشر ، بيروت – لبنان ، مجلد 7- ج10، ص 35.
( [3] ) الشوكاني، محمد بن علي محمد المتوفي 1255هـ، نيل الاوطار من سيد الاخبار شرح منتقى الاخبار ، ضبطه وصححه محمد سالم هاشم، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية ،بيروت - لبنان ، 1999م ، ج 6 ص115- 116.
( [4] ) الشافعي، ابي عبدالله محمد بن ادريس الشافعي ، الرسالة ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1358هـ ، ط1/ ص 309.
( [5] ) الشوكاني، محمد بن علي محمد ، نيل الاوطار ، المطبعة العثمانية المصرية 1357هـ ، ج 6 ص 114.
( [6] ) الذهبي ، محمد حسين ،الاحوال الشخصية بين مذهب اهل السنة ومذهب الجعفرية ، الطبعة الاولى،1378 هـ ،ص36.
( [7] ) ابن قدامة ، ابي محمد عبدالله بن احمد ، المتوفي 620هـ ، المغني في فقه الامام احمد بن حنبل الشيباني ، دار الفكر ، بيروت، لبنان، 1984 ، ج 7 ، ص 146.
( [8] ) الدسوقي، الشيخ محمد عرفة ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبيرلأبي البركات سيد احمد الدردير ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، ج2، ص 217.
( [9] ) إبن حزم ، ابي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم، المتوفي 456هـ ، المحلى ، تحقيق لجنة احياء التراث العربي ،دار الجيل ، بيروت - لبنان ،ج6، ص 478.
( [10] ) خطبة النكاح ، عبدالرحمن عتر ص 145.
( [11] ) الكبيسي ، احمد ، الاحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون ، مطبعة الارشاد- بغداد ، 1971م ، ج1 ، ص36.