بتـــــاريخ : 11/8/2008 3:27:52 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1027 0


    الإتيان بالموصول بدل المصدر

    الناقل : heba | العمر :42 | الكاتب الأصلى : أ. د / عبد العظيم المطعني | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :
    الدفاع الاسلام شبهات حول القرآن

    الشبهة

    منشأ هذه الشبهة:
    هو قوله تعالى : ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين . . (1)
    وموضع الشاهد على الشبهة - عندهم - هو قوله عز وجل :
    " من آمن بالله " وعلقوا عليه فقالوا : " والصواب أن بقال : ولكن البر أن تؤمنوا بالله ، لأن البر هو الإيمان لا المؤمن " .

     
    الرد عليها
    أ. د / عبد العظيم المطعني

        قالوا فى العنوان الذى وضعوه العبارة الآتية : " أتى باسم الفاعل بدل المصدر " .  يقصدون قوله تعالى : " ولكن البر من آمن بالله " .
        وليس فى هذا القول اسم فاعل على الإطلاق : فلا " البر " اسم فاعل ؟ ولا " من " اسم فاعل ؟ ولا " آمن " اسم فاعل ؟ ولا " الله " اسم فاعل ؟ وهم ـ قطعاً ـ يقصدون " من آمن " و " مَنْ " هذا اسم موصول ، وصلته " آمن " أى الذى آمن فمن أين أتوا باسم الفاعل الموضوع موضع المصدر فى الآية يا ترى ؟ 
           إنهم أتوا به من دائرة جهلهم الواسعة ببدهيات اللغة ، التى هم أميون فيها ، ومع هذا ينصبُّون أنفسهم قضاة على كتاب الله العزيز ذروة البيان المعجز ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكان يجب عليهم أن يلتحقوا بمدارس أولية يتعلمون فيها " فك الخط " إذا أرادوا أن يبحثوا لأنفسهم عن مكان مناسب لأوضاعهم .
        ولهذا الخطأ الشنيع عدلنا عن عنوانهم إلى العنوان الذى وضعناه لهذه الشبهة " الإتيان بالموصول بدل المصدر " .
        هذا ، وللعلماء فى توجيه وقوع " من آمن " خبراً عن " البر " وهو خلاف الأصل ؛ لأن البر معنى ذهنى و " من آمن " ذات ، والذوات لا يخبر بها عن " المعانى الذهنية " ، للعلماء فى هذه المسألة ستة توجيهات نذكر منها أقواها فى الآتى :
       الإمام الزمخشرى أورد فيها ثلاثة توجيهات :
    الأول : أن فى الكلام مضافاً محذوفاً ، والتقدير. ولكن البر بر من آمن. وهذا التوجيه اشتهر بين جمهور العلماء ، وردده كثير منهم.
    الثانى : تأويل " البر " بـ " ذو البر " يعنى أن فى الكلام حذف مضاف لكن تقديره قبل " البر " أما التوجيه الأول فكان تقدير المضاف المحذوف قبل " من آمن " وهذا المضاف خبر " البر " الذى هو اسم " ليس " .
    الثالث : أن يكون المصدر ، وهو " البر " موضوع موضع اسم الفاعل للمبالغة ، كما فى قول الخنساء تصف فرس أخيها صخر .
        ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرت
                                        فإنما هى إقبال وإدبار
     فإقبال وإدبار مصدران حلا محل اسم الفاعل ، والتقدير ؛ هى مقبلة مدبرة .
    وقد سبق الزمخشَّـرى إلى الرأى الأول. ولكن البر برُّ من آمن ، شيخ النحاة سيبويه. وقد اختار سيبويه هذا الرأى ورجحه لاعتبار قوى فحواه .
    أن السابق عليه هو نفى كون البر هو تولية وجوه المخاطبين نحو المشرق والمغرب.
    ثم قال : والذى يستدرك ينبغى أن يكون من جنس ما وقع عليه النفى ، وهو  - هنا  - البر (3) .
    يريد شيخ النحاة أن يقول :
    إن  " لكن "  أداة استدراك فى المعنى ، وإن طرفى الاستدراك ينبغى أن يكونا متجانسين ، والاستدراك : إما إثبات بعد نفى ، أو نفى بعد إثبات ، فمثلاً قوله تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون  )(4)
    ما قبل أداة الاستدراك " لكن " هو الإيمان والتقوى ، وما بعدها هو التكذيب ، فبين ما قبلها وما بعدها تجانس ظاهر ، لأنهما سلوكيات قلبية وخلقية.
    وكذلك ما قبل لكن فى الآية موضوع الدراسة هو البر الظاهرى المنفى ، وما بعدها ينبغى أن يكون هو البر الحقيقى المثبت.
    وهذه لمحة طيبة من شيخ النحاة ، ولها صلة وثيقة بالتوجيه البلاغى لهذه المسألة ، سنعرضها فى الخلاصة إن شاء الله.
        ومن الآراء التى طرحت فى هذا الصدد أن " البر " وقع موقع اسم الفاعل لإرادة المبالغة على وزان قول العرب " رجل عدل " حيث عدلوا عن رجل عادل ، إلى الإخبار عنه بالمصدر ، على اعتبار أن هذا الرجل لما كان كثير العدل صار كأنه العدل نفسه ، لا فرق بينهما.
    وهذا رأى نحاة الكوفة .
      أما الفراء فقد جعل " من آمن " واقعاً موقع الإيمان وقال :
      والعرب تجعل الاسم خبراً للفعل ، واستشهد على هذا بقول الشاعر :
         لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى
                                     ولكنما الفتيان كل فتى نَدِى
    حيث جعل الشاعر نبات اللحية خبراً عن الفتيان .
    والمعنى : لعمرك ما الفتوة أن تنبت اللحى .
    نكتفى بهذا القدر - مما ذكره النحاة ، ويكاد يجمع عليه المفسرون ـ فى توجيه وقوع " من آمن " خبراً عن البر ، مع تسليم الكافة بصحة الاستعمال اللغوى فيه ، واجتهادهم هذا كان محاولة لفهم هذا الاستعمال.

    والخلاصة:
       من خلال النقول التى تقدمت عن النحاة واللغويين والمفسرين ، بطلت هذه الشبهة ولم يبق لها أثر ، فلا غرابة فى وضع " من آمن " خبراً عن " البر " سواء أخذنا بتوجيه شيخ النحاة سيبويه ؛ أن فى الكلام حذف مضاف تقديره " ولكن البر بر من آمن " أو أخذنا بالتوجيه الذى أجاز وقوع المصدر موقع اسم الفاعل أو الفاعل.. فهذه كلها أساليب عربية فصيحة مستعملة ، ومن شواهدها فى القرآن كذلك قوله تعالى: " وأنت حل بهذا البلد " فوقع المصدر " حل " موقع اسم الفاعل " حالٌّ " أى مقيم بهذا البلد.
    فإذا ولينا وجوهنا شطر البلاغة بعد النحو واللغة ، والبلاغة أوسع خطى منهما ، فإننا نلمح فى التعبير القرآنى " ولكن البر من آمن " معنى لطيفاً دقيقاً ذا مغزى كبير لأن " من آمن " يدل على ذوات تمكن الإيمان فى قلوبها. فالإيمان " حالٌّ " فى تلك القلوب ، ولو كان قد قيل: " ولكن البر الإيمان " لكان هذا الإيمان مجرد فكرة لا محل لها ، بل هى مفصولة عن الذوات. يعنى إيمان نظرى لا عملى. وهذا ليس بسديد ، لكن لما جعل هذا وصفاً للذوات المدلول عليها بـ " من " التحم الإيمان بالمؤمن ، والمؤمن بالإيمان ، فتحول إلى إيمان عملى متمكن فى القلوب ، فى مقابلة الإيمان الشكلى الذى لم يرضه القرآن ، وهو توجه الوجوه نحو المشرق والمغرب. وهذا ما ألمح إليه سيبويه من قبل .





    الهوامش:
    -----------------------
    (1) البقرة : 177.
    (2) الكشاف (1/330).
    (3) الكتاب (1/108).
    (4) الأعراف : 96.

    كلمات مفتاحية  :
    الدفاع الاسلام شبهات حول القرآن

    تعليقات الزوار ()