الرائد هو القائد والإمام والرئيس وكل من وكل بأمر مهما كان حجمه صغيراً أو كبيراً، وصغر وكبر الأشياء أمور معنوية ونسبية، فالأمر الكبير العظيم اذا رُعي فيه جوانبه واشرك فيه الآخرين وكان مصلحة للجميع يغدو سهلاً وصغيراً، والأمر الصغير تعظم وتكبر اذا اسند الى غير أهله واذا لم يراع فيه الجوانب الإنسانية.
والرائد هو بشر كباقي البشر، ولكن هيمته وامكانياته أوصلته الى هذه الدرجة، وميزته عن الآخرين، (فالمرء حيث يجعل نفسه ان رفعها ارتفعت وان وضعها اتضعت) قاله عمرو بن العاص، والرائد عندما يكون صاحب همة وعزم يكون ذا قيمة كبيرة فمن كبرت هيمته كثرت قيمته.
قاله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقومه عندما بعث كرحمة مهداة للبشرية، وكيف يكذب وهو يحمل لهم الرسالة الربانية، وهو المشهور بالصادق الأمين، وقد جعلوه حكماً في النزاع الذي حصل بين بطون مكة حول وضع الحجر الأسود، والحق نقول بان النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كان بحق صادقً أميناً ومخلصاً ومخَلَِصاً.
لابد للرائد أن يتحلى بصفات الأنبياء، وعلى رأسهم خاتم الأنبياء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويأخذ من الأنبياء الثلاث (موسى ويوسف وطالوت \"عليهم السلام\") صفاتهم المميزة والتي ذكرها القرآن وغدت صفات للرائد الحقيقي الذي يصدق قومه.
صفات الرائد الصادق الذي لا يكذب اهله هي:
1. القوة: بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني، وأكبر قوة هي قوة الفكر والفكرة، وتمثل المعرفة اليوم أكبر أنواع القوة (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص : 26])، فالقوة هي احدى صفات الرائد الصادق، ونحن نملك قوة المنطق والواجب علينا أن نجعلها مركزاً ومحوراً للقوى الأخرى كقوة الساعد والسلاح والحديد والنار، فالأول أصل والثاني تابع له.
2. الأمانة: هي الصفة المميزة للرائد الذي لا يكذب، فهو أمين يحافظ على مصالح العباد والبلاد، ويحفظ مقاصد الشريعة الإسلامية وخاصة في يومنا الذي كثرت فيه الخيانة بكل أشكالها وأنواعها، واستشرت انواع الرزيلة، وانعكست الموازين اصبح الأمين خائناً والخائن أميناً كما أخبر عنه الصادق المصدوق.
3. العلم: فالرائد لابد له من علم ودراية، لأن الريادة تحتاج الى حنكة وعلم لما يتطلبه موقعه، فالرائد العالم هو المفلح ويفلح معه قومه، ويستطيع التحرك بقواده في ظل هذه الأمواج المتلاطمة من الفتن والإحن ويوصلها الى البر الأمان، فأخبر الله عن طالوت عندما فُضِّل على غيره للريادة أن الله (...وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ... [البقرة : 247]، فوضع قوانين ولوائح حاسمة لجيشه (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة : 249]) ثم دعا مع الذين ثبتوا معه (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة : 250]) الى أن (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ... [البقرة : 251])، عليه فالرائد الصادق لابد أن يكون طالوتياً مع قومه كي يحقق لهم الإنتصارات.
4. الحفيظ: يحفظ الأرض والعرض والقيم (...قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف : 55])، وأراد يوسف أن ينفع العباد، ويقيم العدل بينهم، فقال للملك: اجعلني والياً على خزائن مصر فاني خازن أمين، ذو علم وبصيرة بما أتولاه، وكم نحن اليوم بحاجة الى من يحمل صفة يوسف وينتدب نفسه لهذا الأمر الجلل وينقذ البلد من السنون العجاف التي تمر بها الآن بحنكته وأمانته وعدله وعلمه، والرائد اليوسفي هو الذي يستطيع أن يجنب البلاد ما ينتظره من أهوال وفتن.
فالرائد الذي لا يكذب أهله هو محمدي ( صلى الله عليه وسلم ) لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد جمع هذه الصفات من اخوانه الأنبياء (موسى وطالوت ويوسف)، وكل ما كان لدى اخوته الآخرين من الأنبياء، فكان بحق الرائد الصادق.
والذي نحتاجه اليوم هو التأسي بهذا الرائد الصادق وأن نعلن لبني جلدتنا بأننا من أتباع هذا الرائد الذي لم يكذب لا اهله ولا أعداءه، والكذب عندنا من الموبقات لذا نحن صادقين في ريادتنا لأن الرائد لا يكذب أهله.