بسم الله الرحمن الرحيم
العولمة
العولمة مصطلح معاصر استعمله الباحثون في مجال الاقتصاد ، والسياسة ، والادب ، والثقافة ، والاجتماع، وتزخر المطبوعات بتعاريف متعددة للعولمة منها: العولمة: هي العملية التي من خلالها تصبح شعوب العالم متصلة ببعضها في كل أوجه حياتها ، ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وتقنيا وبيئيا .
العولمة هي التدخل الواضح في أمور الاقتصاد ، والاجتماع ، والسياسة ، والثقافة ، والسلوك ، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو الانتماء إلى وطن محدد ، أو لدولة معينة ، ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية .
مفهوم العولمة
ظهر مفهوم العولمة في الزمن الحاضر، وواكب اهتماما اعلاميا فائقا حيث شمل كل وسائل الاعلام وجميع انواعه ولا تكاد تخلو صحيفة أو مجلة او مطبوعه من الاشاره الى العولمه ، وتنوع عقد اللقاءات والندوات والمؤتمرات في كثير من مدن العالم وعواصمه.
ولكن انصب هذا الاهتمام المعولم اكثر على الجانب الاقتصادي وكأن الجانب الاقتصادي هو المحرك الرئيس ~والهدف الاسمى لهذه الدنيا.
والملاحظ ان الاقتصاد هو محور اهتمام الغرب منذ زمن بل ان كثيرا من ا لنظريات والاراء والانظمه التي ظهرت كان المحور الاساس لها هو الاقتصاد فالنظام الاساسي عندما ظهر هو نظام اقتصادي يعتمد على الملكية الفردية وكيفية المحافظه عليها و البحث عن الربح بكافة الاساليب واستغلال القدرات وزيادة الثروات وتوفير القوانين الاقتصادية التي تدعو للنمو والمنافسة والمزاحمه اقتصاديا.
وايضا الشيوعيه التي انهارت ووقفت على طرف نقيض الرأسماليه اهتمت بالاقتصاد وحاربت الملكية الفردية ويرون ان العوامل الاقتصادية هي المحرك الاول للافراد والجماعات .
ويلاحظ ان المؤتمرات التي عقدت عن العولمة قد تحولت الى تناقضات داخل المؤتمر والى معارضة شديدة في الشوارع المحيطة بالمؤتمر مثلما حدث ذلك في مدينة (سياتيل-الامريكية) ومدينة (دافوس-السويسرية) ومدينة (كيبك-الكندية) ومدينة (ملبورن-الاسترالية) ومدينة (جنوة-الايطالية) وقد اظهرت هذه اللقاءات الاقتصاداية تناقضات عميقة بين توجه الدول الرسمي نحو العولمة ووقوف الناس ضد العولمة ،هذا التناقض في الموقف يوضح الاثر الشديد للعولمة في مختلف المجالات ، وان هذا الاثر لا يقف عند حد الناحية الاقتصادية بل يشمل مجالات وميادين لم تكن متوقعه ولم تكن محسوبة.
وفي ذلك يقول رئيس مؤسسة:(ان اعدادا متزايده من الامريكين يعربون ، على ماهو باد للعيان عن شكوكهم ، ومخاوفهم بشأن عملية العولمة ) ويفسره ذلك (وضع كثير من الامريكين تخلف الى الوراء ، ولم يتحسن دخلهم الحقيقي على نحو يذكر ، أو حتى انخفض عما كانوا يكسبونه قبل عقد مضى ، وبالاضافة الى ذلك فان اضطراب أسواق العمل والاسواق المالية قد أثار عدم اليقين)
الكاتب: د/عيد الفايدي
كل حرب تبدأ من الكلمة. وبالكلمة تنتهي. واليوم، حتى الصغير، أصبح يعرف إن: الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى... واليكم المثال النموذجي والمعروف جداً والذي يؤكد تلك المقولة: الحرب الباردة بدأت منذ أن ألقى تشرشل خطابه في فولتون عام 1946. وفورا "بعد أن انتصرت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون في تلك الحرب الباردة باشر هؤلاء أنفسهم حربا" جديدة ـ من اجل السيطرة الكاملة على العالم. وهذه يمكن تسميتها "حرب الكلمات" ذلك أنها بدون إراقة دماء وربما من دون طلقة واحدة قادرة على ابادة الجيوش الوطنية وزعزعة الحدود الدولية والقومية، وتقويض استقرار شعوب بأكملها. والسلاح الأساسي في هذه الحرب ـ العولمة
!!
.
مهما بدا ذلك غريباً فان أفكار العولمة، حقيقة، لم تظهر لأول مرة لا في نهاية القرن العشرين ولا في أمريكا أو أوروبا الغربية. وإنما يمكن القول أن أول "إنسان عولمي" في تاريخ البشرية كان.. السيد المسيح! هو بالضبط الذي أعلن، ومنذ أكثر من ألفي عام أن ما يجب أن يوحّد البشرية ليس الانتماء لعرق أو لشعب أو دولة ما.. وان ما يوحدها هي "فكرة علوية" حول الأخوة والمساواة الكاملة. لكن قطعاً لم يكن السيد المسيح يقصد أن تحكمنا حكومة عالمية
.
أفكار العولمة على طريقة " السيد المسيح " كانت تفهم وتطبّق، في القرون الوسطى، من قبل أقوياء العالم بشكل مباشر ووحيد الجانب: مبشّرين بعقيدتهم وبالتالي بإيديولوجيتهم، إن رجالات الكنيسة كانوا يضطهدون مخالفيهم في الرأي بالحديد الملتهب وحاولوا تصفية أصحاب "الرأي الآخر" بالحرق أو شنوا الحملات الصليبية ضد "الكافرين“. وقد مارس الملوك نفس الشيء وبنفس الأساليب ولكن بشكل أوسع.. إذ لم تتوقف الحروب في أوروبا ـ فعلى امتداد ألفي سنة من التاريخ الحديث لم تعرف أوروبا ما مجموعه أكثر من عشرين سنة هدوءاً وبدون حروب
!!بخلاف الاشتراكيين -الامميين السابقين، إن " الامميين " (الحاليين ـ العولميون وفي صراعهم مع الإيديولوجيا الشيوعية) لا يجهدون أنفسهم بتقديم أية أدلة على صحة وجهة نظرهم، ببساطة هم اعتبروا آباءهم الروحيين والسابقين لهم، أي الشيوعيين الامميين، "خارجين عن القانون"؛ وان أفكارهم غبية وهدّامة، وفي أفضل الحالات هي أفكار خاطئة وانسدادية الأفق أي غير قابلة للتطبيق.
لكن في الواقع فان أوجه القرب أو التشابه بين هذين التيارين من الأممية هو أكثر مما يبدو للوهلة الأولى. التشابه ينبع من وحدة الهدف . مثلاً هؤلاء وأولئك يعتقدون بإمكانية التحكم بالعالم من خلال القوميسارات أو عملاء فّعالين. فمن اجل الاستيلاء على بقعة أو بلد ما يتوجب بداية تأسيس وصياغة ومن ثم زرع الغطاء الإيديولوجي اللازم لمثل هكذا "عملية". بالضبط لهذا السبب يتم اليوم الاستيلاء على الصحف وقنوات التلفزة كما كانوا سابقاً يسعون ولو عبر المعارك والقتال للسيطرة على محطات القطارات ومراكز البريد والهاتف. نظرياً، أكثر أهمية فهو أن أية عولمة حالية أو لاحقة لا تضع هدفاً لها تحسين مستوى معيشة الأغلبية. نظرياً، في الشعارات ـ نعم . أما على ارض الواقع ـ هراء. ففي عصر الاشتراكية كان يقدم لتلك الأغلبية الحد الأدنى للمتوسط الضروري ـ في الحقيقة ليس أكثر من مستوى حافة الفقر حيث فعلاً لم يكن يوجد جائعين بالمعنى الحرفي للكلمة. وبما انه من المستحيل أن نصبح جميعاً أغنياء كفاية فقد كانت أمام المجتمع مهمة إيديولوجية ترمي لبناء "إنسان واعي فوق العادة“، الذي يجب أن تبقى متطلباته المادية في الحدود الدنيا الممكنة للبقاء. تذكّروا شعار مرحلة الشيوعية المنتصرة: "من كل حسب استطاعته، ولكل حسب حاجته" ــ شعار بقدر ما هو رنان بقدر ما هو خيالي. الحقيقة هي إن متطلبات الفرد لا حدود لها. كلما ازداد تملكه ــ كلما كبرت رغباته وحاجياته. ولن تكون نهاية لتلك الثنائية. على كل حال طالما أن الكرة الأرضية مصابة بداء الاستيطان من قبل بني البشر ؟
! .
ذات القضايا والإشكاليات كانت قائمة في حينه أمام رجالات الكنيسة. في البداية، أنكرت المسيحية على المؤمن الغنى الشخصي واعتبرت الثروة آفة، بينما صار الفقر يعادل الكبرياء و بطاقة مرور إلى جنات السماء. خصوصاً لو أصبح المرء فقيراً بسبب تبرعه بأمواله في سبيل قضية إيمانية. فقط من يضحي لأجل "الهيكل" (أي لآجل الفكرة)، والذي لا يملك سوى "ما هو ضروري للعيش"، كان لديه الأمل في دخول الجنة السماوية. أما المبشرون الرئيسيون لهذه الإيديولوجية ـ باباوات الكنيسة في روما ـ فقد أحاطوا أنفسهم بكل أشكال البذخ والثراء لدرجة اللا معقول
.
لاشيء جديد في عالمنا الأرضي. فكل ما يجري في أيامنا معروف وواضح. ومهما نظّر العولميون ـ الأمميون الحاليون فان العولمة تسبب فرزاً عميقاً في المجتمع وفق درجة التملك. أما المجتمع الديموقراطي، خصوصاً في بلدان الاشتراكية سابقاً، فلم يعد له وجود بعد أن انقسمت تلك المجتمعات إلى "سوبر أغنياء"، وفقراء بالمعنى البسيط والدقيق للكلمة. وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية ـ قلعة العولمة ـ فقد انخفضت أجرة العمل حوالي 10% من قيمتها الفعلية خلال العشر سنوات الأخيرة. هذا ما يعلنه صراحة معارضو العولمة في أمريكا، بينما ينكرونه ويتسترون عليه خبراء الاقتصاد ـ العباقرة في روسيا ـ أصحاب التوجه الغربي
.
ومن خصوصيات العولمة الحالية هو حصول تبدلات بنيوية في سوق الاستهلاك في البلدان الغربية المتطورة اقتصادياً. ذلك إن البضائع والخدمات التي كانت متوفرة للأغنياء فقط في السابق كانت تدريجياً تصبح في متناول الطبقة الوسطى. أما الآن يجري تناقص فعلي في الموارد والخدمات ذات الطابع الشعبي الواسع.. بينما النخبة تسبح في سوق السلع الفخمة والعجائبية. وهذا يحصل أبداً ليس لان المواطن الأمريكي قد أصبح مؤخّراً في مصاف الأثرياء. وهنا قد يتبادر للذهن سؤال عن العلاقة بين العولمة وبين انخفاض مستوى معيشة الأمريكي أو الروسي أو الألماني.. الجواب بسيط للغاية. عندما يتحول راس المال الوطني، في مثالنا الأمريكي أو الروسي أو الألماني، إلى راس مال عابر للحدود، حينها فانه يفقد بقايا ما يسمى "الوطنية"؛ ذلك أن الشركات الفوق ـ قومية، الأمريكية وغيرها، وبعد أن تتحرر من انتمائها لأية دولة، تبني مصانعها ومؤسساتها أينما يحلو لها بمجرد أن تتوفر اليد العاملة والمواد الخام الرخيصة. بالتالي فان الأمريكيين وغيرهم، الذين اعتادوا على أجور عمل ممتازة لقاء أعمالهم الرفيعة، سيفقدون أماكن العمل وبعدها الأجور العالية. كما انه، وهذا هو الأهم، لن يعود هناك مفهوم "خيانة الوطن" بالنسبة لذلك "المواطن العولمي“، طالما أن مفهوم الوطن بحدوده المعروفة سابقاً لم يعد له وجود بالنسبة لذاك "المواطن المعولم“. بل ينشأ لديه مفهوم جديد هو "البيت" الذي يبنيه أو يشتريه حيث يجد الراحة في لحظة ما. لهذا بالتحديد لجأ من يعرفون اليوم بـ "الروس الجدد" إلى نقل أموالهم، وسوف يقومون بنقل كل ما يستطيعون "تحصيله" في روسيا إلى الخارج. إن تحويل روسيا إلى مجرد مصدر مواد خام تابع للاقتصاد الغربي ـ هو في راس أولويات العولمة الحالية. وقد سبق واعد نفس المصير لبلادنا منذ أكثر من مائة عام من قبل الشيوعيين ـ الأمميين. لقد تم في حينه توظيف الطاقات الاقتصادية والعسكرية لروسيا من اجل إزالة النظام العالمي الإمبريالي القديم ذو الخصائص القومية وذلك من اجل بناء الأممية الشيوعية. لكن السلطة الروسية حينذاك تمكنت من قلب المعادلة وبعد أن تخلصت من أباطيل وأوهام الثورة العالمية قامت بنقل البلاد إلى مصاف الدول العظمى في العالم. الآن يحضّر نفس المصير لروسيا ـ امتداد من الثروات الطبيعية ملحق باقتصاد أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. ونحن نسير "بنجاح" في هذه الطريق وبسرعة باهرة جدي
.ّ صعد عدد السكان حتى الـ 50 مليون نسمة "المقررة والمسموح لنا بها، ولذلك نقوم بتهديم كل ما لا يتعلق بتامين عمل القطاعات المعتمدة على التصدير؛ وهمنا المحافظة على المستوى المطلوب للغرب من إنتاج النفط والغاز. أما احتياجات الاقتصاد الروسي فلا تهم أحدا "بشكل جدي".
بالنسبة لهم أوروبا الموحدة، أما نحن " حق الأقليات والقوميات في تقرير المصير " لدرجة الفظاعة والنفخ المتزايد في الصراع المفتعل بين ديانتين تاريخياً متعايشتين في روسيا: المسيحية والإسلام.
خلال شهري حزيران ـ تموز 2001 فقط هبطت أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية بنسبة 15% وبالنسبة للنفط الروسي 20%. إن تلك الواقعة يمكن أن تعني بداية النهاية "للعجيبة الاقتصادية" التي وكأنها تحققت في عهد النظام الجديد لروسيا، ذلك أن المقياس لحياة طبيعية في البلاد ـ الميزانية ـ لا تزال تبنى ليس على بعث وزيادة الإنتاج المحلي، وإنما فقط على ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز المصدّر. فإذا ما انخفضت الأسعار ـ تهتز الميزانية: إن سياسة العولمة لن تسمح لروسيا أبداً بالنهوض والوقوف على قدميها. بالطبع طالما إن حكومتنا الوطنية ستستمر في نهجها الموالي للغرب وبشكل أعمى والذي سيؤدي لا محالة إلى الهلاك
.
ملاحظة المــترجم : إن الأفكار الواردة أعلاه والمتعلقة بخطط إبقاء روسيا ضعيفة ومجرد مصدر للمواد الخام، تابع لاقتصاد أوروبا الغربية وأمريكا ـ يمكننا سحبها على باقي دول العالم الثالث وفي مقدمتها البلدان العربية. حيث يلتقي هنا المشروع الصهيوني مع المشاريع الاستعمارية عموماً، وإنْ بحلّة جديدة وغطاء ثقافي وسياسيي مختلف، وبالأخص المشروع الانكلو- ساكسوني للسيطرة على العالم
.
بفضل الثورة المعلوماتية الحديثة في جميع وسائل الاتصالات والإعلام واحد منها أصبح إنسان اليوم يتلقى سيلاً غير منقطع من المعلومات والمغريات والأخبار والدعابات المختلفة مما لا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة رد وحجة ذلك أن البث يأتي من الفضاء وليس عبر جمارك الحدود أو الموانئ أو المطارات ثم إن البث يأتي من أقمار صناعية يتم تلقي بثها بواسطة أجهزة رقمية وقد أدى هذا إلى سباق بين الدول المختلفة في جعل فضائياتها أكثر جاذبية وقد تم استخدام طرق ووسائل مختلفة لجذب المشاهد إليها، منها ما هو علمي ومفيد ومنها ما هو هزيل ويندرج تحت قائمة قتل الوقت وتفريغ الذهن من مجرد التفكير السليم والأمر اليوم ليس محصوراً بالبث التلفزيوني بل أصبح هناك وسيلة اتصال أخرى أصبح المتلقي هو الذي يقرر نوع ما يتلقاه لأنه هو من يقوم بالبحث والتقصي وهذه الوسيلة هي الإنترنت التي تعكس المعلومة التي يتم الإطلاع عليها والبحث عنها أو بثها وإرسالها مستوى ثقافة الشخص الذي يجلس خلف شاشة الحاسوب ويستعمل لوحة المفاتيح للحصول على معلومة ما أو بث معلومة ما.
لذلك فإن الدورة المعلوماتية وخصوصاً استعمالها في مجال الإعلام قد حولت العالم كما يقول رجل الإعلام المعروف ميشيل ميكلوف إلى قرية صغيرة والتي وصفت من قبله بأنها عبارة عن سفينة تبحر في الكون الفسيح وركابها البشر والكائنات الحية الأخرى. فهل يستطيع أحد أن يتوقع إلى أين تسير الوقائع داخل تلك السفينة أو القرية الصغيرة مع استمرار التقدم التكنولوجي؟
الذي نستطيع أن نجزم به هو أن القوانين التي تسود على الأرض تختلف عن تلك التي تسود في أماكن أخرى غيرها كما أن القوانين ذاتها تتطور مع كل اكتشاف علمي جديد لكن جميع هذه القوانين يمكن أن تُخترق وخير شاهد على ذلك قصة نبي الله سليمان (عليه السلام) وبلقيس ملكة سباء
.
على أية حال فإن العولمة بمفهومها الظاهري وأبعادها الثقافية والفكرية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية وربما العسكرية أيضاً والتي بدأت معالمها تظهر نتيجة سهولة الاتصال والتلقي والتفاعل بين جميع شعوب العالم مما يجعلها تتحول مع الزمن وبصورة تدريجية إلى الانصهار في بوتقة ثقافية واحدة هي العالمية، وقد مهد لتلك الظاهرة ومن وقت مبكر التقدم الصناعي الذي أدى إلى انتشار مصنوعات الدول المتقدمة في جميع أرجاء العالم. وسيادة اسمائها ومصطلحاتها ضمن اللغات المختلفة ليس هذا فحسب بل إن العولمة لها أولاد وبنات وهؤلاء الأبناء يفرضون العولمة بصور مختلفة تتوافق مع رغبة الآباء والأمهات ومصالحهم ممثلة في الدول الكبرى
.
وإذا أخذنا العولمة من وجه نظر ثقافية بحتة دون الدخول في المشتقات الأخرى نجد أننا وغيرنا دخلنا في حقبة تختلف من حيث الكيف والكم عن ما ألفناه وتعلمناه من محيطه الصغير فهل كل ما تقدمه العولمة خير؟ أم كله شر؟ أم أنه خليط من الخير والشر؟ أم ماذا؟
الحقيقة التي يجب أن نعرفها أن وسائل الاتصال المختلفة والتي تستخدم كعربة للمفهوم الثقافي للعولمة يمكن أن نقودها نحن في الاتجاه المعاكس ونستخدمها لتقديم البديل الثقافي الذي نفتخر ونعتز به وهو مبادئ وثقافة الإسلام لكن بأسلوب عصري قادر على مخاطبة الشعوب الأخرى وبلغة تفهمها وتجذب إليها المتلقين آخذين بعين الاعتبار علوم ومهارات كثيرة مثل علم الاجتماع وعلم النفس ومهارة الكاتب وتطويع النصوص وعلى أية حال فإن للتقنية سلبيات وايجابيات تتمثل بالآتي
:
أولاً: السلبيات
1-
2-
3-
العزلة: من أهم الملاحظات الملموسة في حياتنا اليومية هو قضاء الناس أوقات طويلة أمام التلفاز أو الفيديو أو أجهزة الحاسب مما يجعلهم يقضون وقتاً أكثر داخل بيوتهم إلى درجة عزلتهم عن الاتصال بالجيران أو الأقارب. وقد أثبتت بعض الاحصائيات في الولايات المتحدة الأمريكية أن 25% فقط ممن أجريت عليهم الدراسة يعرفون من هم الجيران كما أثبتت دراسة أخرى أن الشباب في الولايات المتحدة الأمريكية يقضون أمام التلفاز وقتاً أطول من الذي يقضونه في صالات الدراسة كما اظهرت إحصائية ثالثة أن أكثر من مئة مليون طفل أمريكي أقل من أثنتي عشرة سنة يشاهدون التلفاز إلى ما بعد منتصف الليل والبالغون يشاهدون التلفاز بمعدل يقرب من 30ساعة في الأسبوع وسوف تزداد هذه العزلة مع تمكن العلماء من ربط أجهزة الهاتف والحاسوب والفاكس والتلفاز في شبكة عالمية موحدة . أما الدراسات الميدانية عن هذا الموضوع في المملكة فإنها نادرة حتى الآن. الاندماج الثقافي: من أهم الأسباب التي تساعد على الاندماج والتجانس الحضاري الوسائط الإعلامية المتعددة لذلك فإن كثيراً من المفكرين يحذرون من الخطر الذي سوف تجلبه الشاشات الإلكترونية من جميع أنحاء العالم وما سوف تسببه من تجانس حضاري يهدد الثقافات القومية الخاصة عن طريق إلغاء مميزاتها وخصوصيتها عند أهلها. وقد أثبتت الدراسات أن الفوائد الاقتصادية الناجمة عن بيع أفلام السينما والتلفاز والبرامج الإعلامية الأخرى تصل إلى مليارات الدولارات والتي تغزو جميع أنحاء العالم عن طريق الأقمار الصناعية. تهديد عرش الكتاب: بسبب الوسائط الإعلامية المتعددة والتي تحمل الغث والسمين والمعززة بالصور والاختصار والإيجاز أصبح الكتاب الذي هو المصدر الحقيقي للثقافة والديوان المأمون على تاريخ الأمم وتجاربها أقل أهمية فلو عملت إحصائية على من تعرف سوف تجد أنهم جميعاً يشاهدون التلفاز وقليل جداً منهم تجده يتابع ويقرأ الكتب.
ليس هذا فحسب بل إن العزوف عن الكتاب والاتجاه إلى التلفاز والحاسوب قد أديا إلى زيادة الأمية لدى عدد ليس قليل من الناس فهم لا يحبون التركيز وبذل جهد ولو يسير للحصول على المعلومة لذلك فهم يفضلون الاستماع إلى وسائل الإعلام المختلفة والتي تحتاج إلى أقل قدر من التركيز والانتباه لفهم ما تبثه أو تنشره بصرف النظر عن دقته أو مصداقيته
4-
. البذاءة: إن استخدام الوسائط الإعلامية المتعددة في نشر البرامج والعروض البذئية التي يمجها ويرفضها العقل السليم من أكبر الارهاصات السيئة للعولمة ذلك أنها تتنافى مع الفطرة والتقاليد والأعراف الاجتماعية لدينا ولدى الشعوب الأخرى خصوصاً تلك التي تبثها الفضائيات أو تلك التي يتم تلقيها عبر شبكة الإنترنت والتي تشكل تهديداً للناشئة من بنين وبنات والتي يحسن الالتفات إليها كظاهرة يجب العمل على التقليل من تبعاتها وذلك عن طريق ايجاد البديل المناسب وتحصين الشباب فكرياً ضدها عن طريق التعليم السليم والتربية الراقية والإعلام المتوازن.
ثانياً: الايجابيات: هناك الكثير من الايجابيات التي عززتها التقنية أو فرضتها والتي لا يمكن حصرها في عجالة قصيرة ولكن يمكن أن نذكر منها
1-
2-
3-
4-
: في مجال الكتب والصحف: ساهمت تقنية المعلومات مساهمة كبيرة في تطوير أساليب الطباعة والإخراج وسرعة الإنجاز بل استطيع أن أقول: إن كل إنسان يستطيع أن يقوم بطباعة ما يشاء متى يشاء من مذكرات عامة أو خاصة أو حتى كتب. وكل ذلك أدى إلى تشجيع استخدام الكلمة المطبوعة وقد أدى ذلك أيضاً إلى تعزيز اقتصاديات الورق والطلب عليه. والآن تتخذ الكتب شكلاً جديداً اعتماداً على التطوير التقني فكتب الوسائط الإعلامية المتعددة تحتوي على مجموعة من المحفزات المترابطة لكل من الكلمة والصوت والصورة لذلك يمكن الاعتماد عليها في تعليم اللغات والرياضيات والعلوم بجميع أنواعها دون الاستغناء عن الكتاب العادي الذي يمكن حمله واستعماله في أي مكان أو زمان وعلى أية حال فقد أصبحت اقتصاديات الموسوعات الإلكترونية تفوق تلك المطبوعة في الكتب العادية. وسوف تزداد تلك الأهمية عندما يتم الاتصال الإلكتروني مع المكتبات وعندما تحدث ثورة أكبر في مجال تقنية الشاشات بحيث يستطيع الجميع التعامل معها دون قيود لذلك فإن من يتخلف اليوم عن المتابعة والاستفادة من المستجدات التقنية الحديثة سوف يجد نفسه من زمرة المتخلفين عن ركب الحضارة ومن جهلة القرن الحادي والعشرين. في مجال الاقتصاد: بفضل سهولة الاتصال وتبادل الخبرات تمكنت الشركات الكبرى والمصانع المتقدمة أن تدير أعمالها سواء من خلال مواقعها المتباعدة أو بالتعاون مع المصانع والشركات الأخرى فعلى سبيل المثال أصبحت أجزاء النموذج الواحد للسيارة تصنع في أكثر من سبعة بلدان مختلفة أو أكثر وذلك بفضل أساليب الاتصال اللاسلكي عن طريق الأقمار الصناعية وشاشات الفيديو التي مكنت من التبادل الفوري للأفكار والتصاميم بين المهندسين على اختلاف مواقعهم أي أن المسافة لا تحول دون الاتصال وتبادل الأفكار ناهيك عن التطوير الكبير في مجال البريد الإلكتروني والفاكس والهاتف وأخيراً شبكة الإنترنت وما ترتب عليه من سرعة حركة لرؤوس الأموال فأنت اليوم تستطيع التعامل مع أسواق العالم من مكتبك أو بيتك دون قيود ولا أبالغ إذا قلت أن حجم التعامل اليومي عبر أسواق العالم قد بلغ أكثر من أربعة آلاف مليار دولار وذلك نتيجة التعامل بالأسهم أو العقود التجارية أو العملات. ومن الجدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية كانت تقيم في الماضي عن طريق تقدير حجم حركة وسائل النقل بين البلدان المختلفة فكلما زاد الاتصال مع دولة ما دل ذلك على أهميتها الاقتصادية واليوم يمثل العمل في قطاع المعلومات الشغل الأساسي لشريحة كبرى من القوة العاملة في كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا والدول الأوروبية. ومن أهم المؤشرات الاقتصادية لثورة المعلومات تعزيزها لفرص إنشاء شركات تجارية جديدة باستخدام إمكانات قليلة ولا أدل على ذلك من أن أكثر من 65% من الشركات الخاصة في مدينة لوس انجلس الأمريكية لم تكن موجودة قبل ثلاثين سنة والقول نفسه ينطبق على مدن مثل لندن وباريس وطوكيو وغيرها. في الصحة والسلامة: في الماضي كانت المعلومات أياً كان نوعها لا توجد إلا في الكتب أو الدوريات التي لا يستطيع أي إنسان الوصول إليها ناهيك عن أن البحث فيها يحتاج إلى وقت ومعرفة فعلى سبيل المثال هناك عدد كبير من المواد الكيماوية السامة لا يستطيع أي إنسان معرفتها إلا باستشارة المختصين أو البحث عنها في المراجع أما اليوم فإن شبكة الاتصال اللاسلكي للحاسبات تمكن أي مواطن وبصورة مباشرة من معرفة خواص أي مادة كيميائية مثل الأدوية أو المنظفات أو المبيدات أو غيرها من المواد التي تصادفه في حياته اليومية. كما أن الاستشارات الطبية ممكنة لمن يستطيع أن يفهم ويتعامل مع هذا العالم السريع الخطى. في مجال التعليم: لا شك أن التعليم الركيزة الأساسية التي تبني شخصية الإنسان وانتماءه وتوجهاته خصوصاً إذا كان تعليماً منفتحاً يأخذ من تقنية العصر ايجابياتها ويستخدمها في جعل المتعلم أو الدارس يواكب المتغيرات العصرية ضمن إطاره الفكري والثقافي وليس تعليماً جامداً يبعث على الملل ويؤدي إلى الهرب والانبهار بالقشور والخزعبلات التي تبثها بعض القنوات الفضائية والتي تتم بالمحتوى المتدني المستوى قليل الفائدة.
لذلك فإن التعليم بجميع مفرداته لابد أن يستفيد من التطور السريع في مجال تقنية المعلومات، وأن يكون ذلك في جميع المراحل
.
لقد أصبح التعليم المقرون بالمشاهدة والتدريب جزءاً رئيسياً من العملية التعليمية في الدول المتقدمة وهذا غير ممكن لولا استخدام التقنية الحديثة في مجال الحاسبات والتلفاز والفيديو وشبكات الإنترنت وغيرها من الوسائل
5-
. الإعلام: لقد استفاد الإعلام استفادة كبيرة من ثورة المعلومات فأنت تشاهد العالم وأنت في منزلك وتستطيع مشاهدة أي خبر مهما كبر أو صغر بجميع تفاصيله وفي أي وقت تشاء ولقد استطاع الإعلام الاستفادة من الوسيلة الرئيسية للعولمة وهي التقنية بحيث زاد الانبهار بما تبثه المحطات الفضائية التي لها أنواع وأشكال مختلفة وكل منها يحاول أن يجذب المشاهد إليه عبر عدد من الوسائل والمغريات ولكل منها عربته الخاصة ولديه من يستطيع قيادة تلك العربة من مذيعين وإعلاميين ومبرمجين ومخرجين ومستثمرين واعين لرسالتهم ثم يأتي بعد ذلك التوجه العام لهذه المحطة أو تلك طبقاً لسياسات وحسابات مدروسة أو طبقاً للمثل الشائع "مع الخيل يا شقراء".
ونحن في هذا الوطن المعطاء نملك عربة العولمة والذي لا نملكه منها نستطيع أن نشتريه لكن الذي لا نملكه بصورة جيدة حتى الآن هو من يقود تلك العربة من المذيعين والإعلاميين المبدعين والمثقفين القادرين ورجال المال والأعمال الذين لديهم الجسارة على الاستثمار في هذا المجال الحيوي لذلك فإننا مندوبون اليوم إلى إعداد الكوادر الوطنية المؤهلة في مجال الإعلام القادر على الامتداد إلى خارج الحدود مع القدرة على الإقناع في الداخل والخارج ناهيك عن الكوادر الوطنية في مجال العلاقات العامة في كل مرفق حيوي وكل قطاع إعلامي بحيث يستطيع هؤلاء التعامل مع ما لديهم من معلومات أو ثقافات أو رسالات يريدون أن يوصلوها إلى الآخرين بجاذبية وحنكة ومصداقية غير قابلة للتناقض
.
وفي الختام استطيع أن أقول: إن استخدام التقنية يمكن أن يسير باتجاهين أحدهما لا نتحكم به وهو ما تورده إلينا من الثقافات الأخرى والذي يجب أن نأخذ منه المفيد وأن نحصن أنفسنا ضد السيء منها بالتربية والتعليم والإعلام والاتجاه الثاني في استخدام التقنية يمكن أن نستخدمه في تصدير ثقافتنا ومبادئنا إلى جميع أنحاء العالم لكن هذا وكما أشرت سابقاً يحتاج إلى كفاءات إعلامية وثقافية قادرة وواعية فهل نبدأ بتعزيز ما لدينا من كفاءات لكي نأخذ حقنا من الفضاء بدلاً من أن يظل الفضاء ملك للآخرين. وعلينا أن نحث الخطى لكي نجعل للثقافة العربية الإسلامية نصيباً من الثقافة العالمية الموحدة التي بدأت تتشكل من خلال العولمة فهذا مؤتمر الأمم المتحدة عن حوار الحضارات والذي عُقد خلال عام 2001م وما جرى بعده من أحداث يجب أن لا يمر دون أن يكون لنا دور بارز فيه، بحيث يتم إبراز دور العرب والإسلام في الحوار ودعمه ودعوتهم له ودحض افتراءات وأقوال بني صهيون من أن الإسلام والعرب مصدر الإرهاب الذي هم صناعه ومبتدعوه فهل نصبح من صناع الثقافة العالمية بدلاً من أن نكون متلقين فقط؟ خصوصاً مع الهجمة الشرسة المتكررة من قبل الإعلام الصهيوني ضد المملكة العربية السعودية بسبب مواقفها الثابتة والشرعية من حقوق العرب والمسلمين خصوصاً ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى الشريف.. فهل نستفيد من التقنية التي جعلت العالم يصبح قرية صغيرة في متناول اصابع اليد مع العلم أن رسالتنا تساعد على زيادته
.
والله المستعان
.
-