الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،، وبعد:
فهذه كلمات في بعض أحكام الوصية وما يتعلق بها، وهي:
الأول: أن الوصية مشروعة، وسنة مؤكدة دل على ذلك الكتاب والسنة، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيكُم إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ إن تَرَكَ خَيراً الوَصِيّةُ [البقرة:180]، وقال النبي صلى عليه وسلم: { ما حق امرئ مسلم له شىء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده } [متفق عليه].
وعن إبن عمر رضي اللّه عنهما قال: ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي.
وقد أوصى النبي صلى اللّه عليه وسلم في مرض موته بوصايا منها قوله: { الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم }، وقد أوصى الكثير من الصحابة رضي اللّه عنهم ببعض أموالهم تقرباً إلى اللّه تعالى وأجمعت الأمة على مشروعية الوصية.
الثاني: يحرم الجنف والجور والظلم في الوصية بأن ينقص حق الورثة أو يقصد حرمانهم أو يوصي لبعضهم دون بعض محاباة ونحو ذلك، فهو من كبائر الذنوب وقد ذكر ابن كثير عند تفسير آية الوصية في سورة البقرة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: { إن الرجل ليعمل بطاعة اللّه سبعين سنة ثم يحضره الموت فيضار في الوصية فتجب له النار } [رواه أحمد وابن ماجة وحسنه الترمذي].
الثالث: يندب للمسلم أن يخرج صدقة من ماله تجري بعده في الأعمال الصالحة كخدمة المساجد وكتب العلم وأشرطته والحج والجهاد والدعوة إلى اللّه والصدقة على المعوزين من الأقارب وغيرهم لقوله صلى اللّه عليه وسلم: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].
رابعاً: يستحب لمن ترك خيراً وهو المال الكثير أن يوصي بالخُمس أو بالربع أو بالثلث ولا يزيد عليه إلا بإجازة الورثة لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: { إن اللّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم } [رواه الدارقطني وأحمد ونحوه]. فما زاد عن الثلث فهو حق للورثة لا ينفذ إخراجه إلا بسماحهم بعد الموت لقوله صلى اللّه عليه وسلم لسعد: { الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } [رواه الجماعة]، فمتى كان الورثة أغنياء والمال كثير فلا يحرم المرء نفسه من الوصية في أعمال الخير.
الخامس: يجب على المسلم أن يحصي ما له وما عليه من الحقوق في وصيته وما لديه من الأمانات والأوقاف والوصايا التي على يديه فقد تضيع حقوق بعض الناس عنده وتبقى ذمته مشغولة بها حيث لا يكون لأهلها بينات ولا وثائق فتقع الخصومات بين الورثة وأهل الديون والأمانات حيث لم تكتب في الوصية ونحوها.
السادس: على الموصي أن يوضح العمل في أوقافه ووصاياه ويبين من يستحق من الغلة والأجرة لفقره وقرابته ولا يخص بعضهم إلا لسبب كصلاح وعلم وكثرة عيال ونحو ذلك، فكثيراً ما تقع الإختلافات والتقاطع والعداوة والبغضاء بين الأقارب بسبب الإجمال في الوصية أو تخصيص البعض بدون سبب للاستحقاق.
السابع: على المسلم أن يوصي أهله بتقوى اللّه تعالى وطاعته وأداء الواجبات وترك المحرمات وعدم النياحة والندب ودعوى الجاهلية وبالمحافظة على الصلوات في الجماعة ونوافل العبادات كما أوصى النبي صلى اللّه عليه وسلم بقوله: { الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم }، وقال تعالى عن يعقوب: يا بَنَي إنّ اللّهَ اصطَفَى لَكُمُ الدّين فَلاَ تَمُوتُنَ إلاَ وَأنتُم مُسلِمُونَ [البقرة:132]. وهكذا يوصيهم له بالدعاء وما ينفع الميت.
الثامن: يشهد على الوصية شاهدي عدل حتى لا يقع فيها تغيير أو تبديل بعد وفاته وله تبديلها وتغييرها بما يرى فيه الصلاح ويجددها كلما تغيرت الحقوق التي له أو غيرها بما يوضح المقام.
التاسع: عليه أن يختار الناظر والوكيل على وصيته وهو من بأمانته وديانته وقوته على تنفيذ الوصية والعمل بها سواء في حفظ الوقف والوصية واستثمار ذلك وتعريفه أو في حفظ التركة والإنفاق منها على الأصاغر من الذرية أو في تربية الأولاد والقيام بمصالحهم أو في تجهيز الموصي وتغسيله والصلاة عليه ونحو ذلك.
العاشر: يستحب أن يبدأ وصيتة بحمد اللّه والشهادتين بعد البسملة والصلاة والسلام على النبي محمد صلى اللّه عليه وعلى آله وصحبه.
وهذا نص للوصيه كتبه بعضهم على سبيل المثال:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذا ما أوصى به الفقير إلى عفو ربه وهو في حالته المعتبرة شرعاً من كمال عقله وسلامة إدراكه، أوصى وهو يشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور. أوصى ذريته وأهل بيته وأقربائه بتقوى اللّه وطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهية في السر والعلانية، والمنشط والمكره، والمحافظة على الصلوات الخمس، والتراحم والترابط وعدم التقاطع والتواصي على الخير وفعله، وصله الرحم، والتمسك بدين الإسلام والثبات عليه. وأن يبادروا بقضاء ما عليه من ديون إن وجدت ( ويذكرها ) وأوصى بأن القائم على ذريته من بعده هو:....
وأن له عليه الولاية التامة حتى يرشدوا ويحسنوا القيام على أنفسهم وأوصاه بأن ينظر لهم فيما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم وأن يتقي اللّه في ذلك سراً وجهراً. وأوصى بأن يكون ثلث ماله أعمال بر تحت نظر المذكور آنفاً حتى يرشد الأولاد ثم في يد من يرى الوكيل فيه الصلاح من الأولاد أو يتفق عليه الورثة يستثمر هذا الثلث ويُنمى حسب ما يراه الناظر وما ينتج من استثماره يوزع منه في الأعمال الخيرية وجهات البر المتعددة على نظر الوكيل كالمساعدة في بناء المساجد وتكييفها وتنويرها ووضع الماء فيها والصدقة في رمضان، وكالمساعدة في طباعة كتب العلم النافعة للإسلام والمسلمين ومساعدة من يجاهد لإعلاء كلمة الله وكذا يصرف من ربع هذا الثلث على الأقارب والفقراء والمحتاجين.
وللناظر تقديم ما يراه من أعمال البر التي تنفع الموصي بعد وفاته وتعود بالنفع على المسلمين مراعياً في ذلك ظروف الزمان والمكان وتغيرات الأحوال وإن وجدت حاجة لاستصلاح أصل الثلث فهي مقدمة على ماليس بمهم مما ذكر في هذه الوصية ولا حرج على الناظر أن يجتهد في هذا الثلث رأيه في طرق تنميته وأوجه صرفه ضمن حدود الشريعة الإسلامية المطهرة، كذلك لا حرج عليه أن يأخذ من غلته عن أتعابه ما جرت العادة بأخذه على الأوقاف في زمنه فإن تبرع بالنظر في الوقف محتسباً ثوابه فأجره على اللّه وله عند عجزه أن يقيم ذا كفاءة لذلك ليحل محله من حيث التصرف.
ولا تنفذ هذه الوصية إلا بعد موت الموصي وله الحق في حياته بالتبديل أو التغيير وسائر أنواع التصرف أوصى بذلك وأشهد للّه على ذلك كما أشهد عليه.
وكفى باللّه شهيداً، وصلى اللّه وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الوصي :...... الموصي :...... شاهد :...... شاهد :......