من يستعرض أدبيات القرن الماضي، لوجدها زاخرة بمفردات الثورة والنهضة والوحدة والتضامن والتنمية وغيرها من المفردات التي لم يُنجز شيءٌ ـ عمليا ـ في تجسيدها أو تحقيق أي منها .. وبالعكس فإن تلك المفردات كانت تتراجع بعد كل مرحلة، فمن الوحدة الى التضامن الى (القطر أولا)، ومن الثورة الى الإصلاح الى التعايش مع الأنظمة، ومن الرقي والتقدم الى التنمية (مرورا بالخطط الخمسية والعشرية ) ..
لقد كشفت حالات ارتفاع الأسعار وندرة المواد الغذائية هشاشة الوضع الزراعي العربي، ومقارنة مع دول مثل كوريا الجنوبية أو الصين والتي كانت الأوضاع فيهما قبل نصف قرن شبيهة الى حد كبير للأوضاع التي كانت سائدة في منطقتنا العربية من حيث معارك الاستقلال والتأثير الخارجي، فإننا سنجد أوضاع منطقتنا فيما يخص (التنمية الزراعية) قد ساءت عما كانت عليه في السابق، في حين لم تتحسن الأوضاع على الأصعدة الأخرى (إذا استثنينا تأثير النفط وأثره على الدول العربية المنتجة له أو ما يرشح من خيره الى الدول العربية الأخرى) ..
وسنستعرض في هذه السلسلة من المقالات ما يمكن أن نلم به من معلومات متاحة لواقع التنمية الزراعية في البلدان العربية، آملين أن نسهم مساهمة متواضعة في هذا الجانب المهم ..
في معنى التنمية الزراعية
النمو في اللغة هو زيادة ما هو قائم، وقد قسم العرب كل ما في الكون الى صامت ونام .. والصامت كالحجر والنامي هو كل ما بإمكانه النمو والزيادة .. وفي حديث لمعاوية ( لبعت الفانية واشتريت النامية) أي بعت الهرمة من الضأن والإبل واشتريت الفتية التي بالإمكان جعلها تنمو وتزيد .. ونقول في مهنتنا نموات جانبية أو براعم نامية لتلك التي يمكن أن تحمل الثمار في الأشجار.
وإذا أردنا سحب ما أوردناه لغويا، على موضوع التنمية الزراعية في البلدان العربية، فإن الصامت الذي أهمله أجدادنا وأبعدوه عن فكرة النمو سيحتج ويحتج معه المختصون، فالتربة ووسائل الإنتاج رغم أنها مصنفة مع الصامت، إلا أن نموها أصبح مقرونا بفكرة التنمية الزراعية .. ويضع مزارعو الغرب خُمس ميزانياتهم في صيانة التربة في المشاريع الزراعية، في حين تسقط تلك الكلف من حساب المزارعين في بلادنا في أغلب الأحيان، وأن تعرية التربة وانخفاض إنتاجها لأفضل دليل على قولنا ..
لكن قبل أن نخوض في صيانة التربة والمكننة الزراعية ووسائل الإنتاج، من الأولى أن نمر على ما هو (غير صامت) ـ على رأي أجدادنا ـ ونفحص ما حدث له من نمو أو تقزم ..
لقد كان الإنسان ـ وما زال ـ أهم عناصر الاقتصاد بما فيها التنمية الاقتصادية التي تشمل التنمية الزراعية .. وإن كنا نريد فحص حالة النمو عنده في مختلف المجالات، لا بد لنا من وصف تلك الحالة التي سبقت النمو أو الضمور والتقزم ..
وصف الحالة قبل الإحالة
كان العرب يقسمون السكان الى بدو وحضر ومدر ومدن .. وأظن أنها مصطلحات معروفة لمتوسطي الثقافة، وما يهمنا من هذا التقسيم أن البدو والمدر أي سكان البراري و الأرياف، كانوا متكفلين بتغذية كل سكان البلاد بأصنافهم المختلفة، من حيث إمدادهم باللبن واللحم والبيض والحبوب والخضراوات والفواكه، وكانوا غالبا ما يحتلون درجات متدنية من سُلَم التراتب الاجتماعي، فلا يُنظر للزراع ولا الرعاة تلك النظرة التي كانت تُنظر للتجار والعسكريين وملاك الأراضي الذين يستخدمون الزراع .. وكانوا يشاركون الصناع في نظرة المجتمع الحقيرة لهم ..
وكونهم كذلك، فلم يكونوا قادرين على فرض صياغة قوانين تبادل المنفعة بين السكان، ولم تتم استشارتهم في صياغة القوانين من قبل طبقات المشرعين التي صاغت معظم دساتير وقوانين البلدان العربية في النصف الثاني من القرن العشرين ..
لذلك فقد هجر أكثر من ثلثي من كان يزرع ويربي المواشي أمكنة سكنهم وحلوا ضيوفا غير مرحب بهم في ضواحي المدن العربية، ليصبحوا في ذلك منبعا لمشكلتين، الأولى: نقص فيمن كان ينتج والثانية زيادة فيمن لا ينتج ويعتمد على ما ينتجه غيره .
بالمقابل، فإن من بقي بمهنته من الذين لم يهجروا أمكنتهم، لم يطور مهاراته وإمكانياته الإنتاجية بما يتلاءم مع زيادة عدد الطالبين لسلعته، فهبطت كميات الإنتاج وزاد عدد السكان. ولم تنتبه الحكومات العربية لعمليات دعم الإنتاج إلا فيما ندر، وإن حاولت دعم الإنتاج فإنها تدعمه بمستويات سخيفة لا تبقي المزارع قريبا من مزرعته، خصوصا وهو يرى أن حارس عمارة أو مخزن يكون دخله أضعاف ما يدخل على المزارع ودون تعب وشقاء ومغامرة، كما أن من يضرب على الإيقاع وراء مطربة مغمورة يناله ما ينال قرية كاملة من منتجي القمح أو الصوف ..
هذا ما جعل أبناء الريف يبيعون مواشيهم وحتى أراضيهم ليعلموا أبنائهم مهنة تكون أقل رذالة من مهنهم هم، فاختفت مهارات الأجداد وانقطعت عن النمو وبيعت الأراضي وحيوانات العمل والإنتاج، وأحيل موضوع تأمين الغذاء لأصحاب الرساميل أو لاستيراد الدولة أو لشركات وتجار يستوردون ما يحتاجه المواطن من مواد غذائية ..
ننمي ماذا؟
ليس هناك ما نقوم بتنميته، طالما اختفى جذر التنمية وحل محله جذر يحتكم الى سياسة السوق، ولا يهتم بالمواطن
إحصاءات لا بد من ذكرها
حتى نهيئ أنفسنا للتعامل مع هذا الموضوع الجاف بعض الشيء على نفس القارئ المستعجل، لا بد من ذكر بعض الإحصاءات الضرورية التي تجعل من عقل القارئ سواء كان من باب الثقافة أو من باب الاختصاص أو من باب تكوين التصور السياسي ..
هذه بعض الإحصاءات المأخوذة من تقارير الجامعة العربية لعام 2006ونشرتها مجلة المستقبل العربي الصادرة في شباط/فبراير 2007 بعددها 336
القطر المساحة كم2
الأردن 89342
الإمارات 83600
البحرين 707
تونس 155566
الجزائر 2381741
جيبوتي 23200
السعودية 2000000
السودان 2505805
سوريا 185180
الصومال 637657
العراق 435052
عُمان 309500
قطر 11427
الكويت 17818
لبنان 10452
ليبيا 1775500
مصر 1002000
المغرب 710850
موريتانيا 1030700
اليمن 555000
المجموع 13921097
القطر عدد السكان بالمليون
الأردن 6
الإمارات 4.6
البحرين 0.7
تونس 10
الجزائر 33
جيبوتي 0.8
السعودية 24
السودان 37
سوريا 19
الصومال 8.5
العراق 28.7
عُمان 3
قطر 0.8
الكويت 3
لبنان 4
ليبيا 6
مصر 75
المغرب 30
موريتانيا 3
اليمن 22
المجموع 319.16
القطر الحضر الريف / النسبة المئوية
الأردن 82 18
الإمارات 75 25
البحرين 90 10
تونس 65 35
الجزائر 59 41
جيبوتي 84 16
السعودية 81 19
السودان 39 61
سوريا 50 50
الصومال 35 65
العراق 67 33
عُمان 72 28
قطر 100 0
الكويت 100 0
لبنان 87 13
ليبيا 86 14
مصر 42 58
المغرب 57 43
موريتانيا 62 38
اليمن 27 73
المجموع 54 46
القطر أقل من 15 سنة / النسبة المئوية
الأردن 38
الإمارات 25
البحرين 27
تونس 27
الجزائر 33
جيبوتي 42
السعودية 34
السودان 39
سوريا 37
الصومال 48
العراق 39
عُمان 40
قطر 24
الكويت 16
لبنان 30
ليبيا 32
مصر 34
المغرب 32
موريتانيا 42
اليمن 46
المجموع 36
القطر وفيات الرضع دون الخامسة لكل ألف مولود
الأردن 27
الإمارات 10
البحرين 17
تونس 25
الجزائر 41
جيبوتي 140
السعودية 27
السودان 119
سوريا 21
الصومال
العراق 124
عُمان 18
قطر 14
الكويت 12
لبنان 26
ليبيا 21
مصر 43
المغرب 46
موريتانيا 156
اليمن 95
المجموع 65
القطر الناتج المحلي الإجمالي بالمليون دولار
الأردن 12711
الإمارات 133582
البحرين 13381
تونس 28817
الجزائر 102500
جيبوتي 708
السعودية 309531
السودان 28462
سوريا 27971
الصومال
العراق 31719
عُمان 30733
قطر 42463
الكويت 80781
لبنان 22050
ليبيا 41632
مصر 89171
المغرب 52024
موريتانيا 1938
اليمن 16309
المجموع 1066483
القطر معدل القراءة والكتابة لمن فوق ال15 سنة
الأردن 91
الإمارات 89
البحرين 87
تونس 74
الجزائر 70
جيبوتي 0
السعودية 83
السودان 61
سوريا 81
الصومال 0
العراق 74
عُمان 81
قطر 89
الكويت 93
لبنان
ليبيا 84
مصر 71
المغرب 52
موريتانيا 51
اليمن 54
المعلومات أعلاه من تقرير الجامعة العربية
أما مجموع المياه التي تتوفر في كل قطر عربي (السطحية والجوفية ) فهي كما يلي:
القطر الموارد المائية بالمليار متر مكعب سنويا
الأردن 1.49
الإمارات 0.284
البحرين 0.09
تونس 4.354
الجزائر 17.2
جيبوتي 0.199
السعودية 5.546
السودان 61.545
سوريا 25.035
الصومال 11.456
العراق 81
عُمان 2.034
قطر 0.055
الكويت 0.16
لبنان 7.8
ليبيا 2.67
مصر 66.5
المغرب 33
موريتانيا 7.3
اليمن 4.9
المجموع 332.618
التربة والماء
إذا قمنا بإزالة قشرة الكرة الأرضية بسمك شبر أو شبرين، فإننا سنفقد الإمكانية بالحصول على الغذاء. هذه حقيقة علمية يعرفها المختصون جيدا، حيث أن ما يُسمى بخصوبة التربة يكمن في هذا القدر من الأرض. لكن ماذا تعني تلك الحقيقة فيما نحن فيه من مناقشة التنمية الزراعية في البلدان العربية؟
تشكل التربة والماء والهواء والحرارة العناصر الضرورية لعمليات إنتاج الغذاء، ويقاس تطور البلدان (زراعيا) بما تستطيع إدارات تلك البلدان في تهيئة تلك العوامل على الوجه الأكمل، وتتفاوت كميات الغلة (إنتاج الوحدة الواحدة من المساحة) بالقدر الذي تتفاوت فيه عمليات التقدم الزراعي في تهيئة الظروف الملائمة.
الموارد الأرضية في الوطن العربي *1
تبلغ مساحة البلدان العربية ما يزيد عن 14 مليون كم2 أي 1400 مليون هكتار تتوزع بالشكل التالي:
1ـ تبلغ مساحة إقليم المغرب العربي (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا) 593.8 مليون هكتار، أي ما يعادل 42.3% من مساحة الوطن العربي. وتبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة في هذا الإقليم 97.378 مليون هكتار، علما بأن ما يُزرَع فعلا 17.307 مليون هكتار تعتمد على الري بالأمطار و2.378 مليون هكتار إروائيا.
2ـ مساحة إقليم المشرق العربي (العراق، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين) 75.2 مليون هكتار، أي 5.3% من مساحة الوطن العربي. وتبلغ المساحة القابلة للزراعة في هذا الإقليم 20.507 مليون هكتار. والمزروع منها معتمدا على الأمطار 8.209 مليون هكتار، والذي يعتمد على الري 3.611 مليون هكتار.
3ـ مساحة الإقليم الأوسط (مصر، السودان، الصومال، جيبوتي) 416.8 مليون هكتار، أي 29.7% من مساحة الوطن العربي. وتبلغ المساحة القابلة للزراعة في هذا الإقليم 70.602 مليون هكتار. والمزروع منها معتمدا على الأمطار 5.544 مليون هكتار، والذي يعتمد على الري 5.853 مليون هكتار.
4ـ مساحة إقليم شبه الجزيرة العربية (أقطار مجلس التعاون الخليجي [السعودية، عُمان، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت] مع اليمن) 315.6 مليون هكتار، أي 22.5% من مساحة الوطن العربي. وتبلغ المساحة القابلة للزراعة في هذا الإقليم 8.197 مليون هكتار. والمزروع منها معتمدا على الأمطار 3.7 مليون هكتار، والذي يعتمد على الري 0.672 مليون هكتار.
أما مساحة المراعي في الوطن العربي فتبلغ 282.059 مليون هكتار، ومساحة الغابات 130.265 مليون هكتار (الهكتار 10 آلاف متر مربع)
استنتاج
نلاحظ من المعلومات أعلاه بأن مجموع الأراضي المزروعة في الوطن العربي فعلا،46.374 مليون هكتار من الأراضي القابلة للزراعة، أي بنسبة 23.59% وإذا علمنا أن إنتاجية وحدة المساحة المزروعة فعليا تنخفض كثيرا عن إنتاجية مثيلاتها في العالم سندرك مدى الهوة في التقدم الزراعي بين أقطارنا العربية وبلدان العالم (و سنناقش ذلك مستقبلا).
الموارد المائية *2
يشكل الماء أهم عنصر من عناصر الإنتاج الزراعي، ومن تمعن في الجدول الذي قدمناه في الحلقة الثانية، سيجد أن مجموع الماء السنوي في عموم الوطن العربي يزيد عن 332 مليار متر مكعب، وأن ما يستغل من تلك المياه لا يتجاوز 56 مليار متر مكعب، وأن الهدر وسوء التقنيات في استغلال المياه هو السائد في جميع البلدان العربية دون استثناء.
ونحن نناقش تلك الوضعية معتمدين على بعض الإحصاءات المقدمة قبل عدة سنين، نلاحظ أن المشاكل المتعلقة بالتنمية الزراعية تزيد مع ازدياد السكان. أي أنه لو تم تحصيل إحصاءات فورية لكانت النتيجة أكثر سوءا..
هوامش
*1ـ المؤتمر الفني الدوري السادس/ اتحاد المهندسين الزراعيين العرب/ الأمانة العامة/ دمشق/معلومات وردت في ورقة محمد رمزي طاقة أحد خبراء المنظمة العربية للتنمية الزراعية/ التابعة للجامعة العربية/ الخرطوم.
2*ـ إشكالية الزراعة العربية ـ رؤية اقتصادية معاصرة/ سالم توفيق النجفي/ بيروت/ مركز دراسات الوحدة العربية/وقد أورد الجدول في صفحة 131 نقلا عن المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة(أكساد).