إِن الصيام وسائر التشريعات الإلهية فضلا على أنها عبادة لله تعالى فهي أيضا لتحقيق مصلحة روحية وسلوكية وبدنية لازمة لهذا الإِنسان للحفاظ على صحته الجسدية؛ لذلك فرض الله سبحانه وتعالى الصيام علينا وعلى جميع الأمم قبلنا ، قال تعالى : ( يَا أيهَا الَّذِينَ آمنوا كتِبَ عَلَيكم الصِّيَامُ كما كتب عَلَى الَّذِينَ من قَبْلكمْ لعلكم تتقون) (البقرة183) كما أخبرنا جل في علاه أن في الصيام خيرا ليس للأصحاء المقيمين فقط ، بل أيضا للمرضى والمسافرين ، والذين يستطيعون الصوم بمشقة ؛ ككبار السن ومن في حكمهم ، قال تعالى : ( أياماً معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (البقرة184 )
والخير اسم تفضيل - على غير قياس -وهو الحسن لذاته ولما يحقق من لذة أو نفع أو سعادة ، فالصيام حسن لذاته ، ولما يحققه للمؤمن من المنافع واللذة الروحية والسعادة في الدنيا والآخرة . ومعنى { إن كنتم تعلمون } أي فضيلة الصوم وفوائده .
وهذه المنافع والفوائد متحققة لكل مكلف من الأصحاء المقيمين ، والذين يصومون بلا مشقة زائدة من أهل الرخص الذين يستطيعون تناول وجبتي الفطور والسحور كالأصحاء، ولا يوجد بحث علمي- فيما أعلم- أجري على الصائمين الأصحاء ، في الظروف الطبيعية ، إلا وأفاد أحد أمرين : إما عدم تأثير الصيام على وظائف الأعضاء ومكونات الجسم بأي قدر يشكل خطورة على الجسم أو يسبب ضررا محققا على معظم الأمراض. أو أنه يظهر فائدة جلية في بعض هذه الوظائف ، أو يحسن بعض مكونات الجسم ووظائف الأعضاء في الشيخوخة , أو أثناء الحمل ، أو الرضاعة أو أثناء السفر، بل وأثبتت الأبحاث بأن الصيام يساعد في شفاء بعض الأمراض.
وبذلك يظل في الصيام خير لمعظم المرضى ، والمسافرين ، والمطيقين للصيام ، ويكون محققا لهم من الفوائد والمنافع الشيء الكثير الذي لا يعلمونه .فالصيام للمرضى والمسافرين والمطيقين هو الأولى والأنفع ، مالم تضعف النفس عن تحمل المشقة ، أو يصيبها أو يصيب الجسد ضرر محقق : ففي الأولى تكون الرخصة ، وفي الثانية تكون العزمة ، ويتعين الإفطار ، وبهذا قال بعض أهل التفسير وجمهور الفقهاء.وقد تجلت هذه الفوائد واستقر خبرها في زماننا هذا، وسنلخص في هذه المقالة علاقة الصيام بالشفاء من الأمراض قديماً وحديثاً.
الصيام وسيلة علاجية
بعد انتشار الإسلام وممارسة الصيام الإسلامي عند كثير من الأمم تبين فضل هذا الصيام وفوائده ، " فوصف الطبيب المسلم ( ابن سينا ) الصوم لمعالجة جميع الأمراض المزمنة ، ووصف الأطباء المسلمون في القرنين العاشر والحادي عشر ( الميلادي ) صوم ثلاثة أسابيع للشفاء من الجدري ، ومرض الداء الإفرنجي ( السيفلس ) ، وخلال احتلال نابليون لمصر جرى تطبيق الصوم في المستشفيات للمعالجة من الأمراض التناسلية ".
وفي عصر النهضة في أوروبا ، أخذ علماؤها يطالبون الناس بالحد من الإفراط في تناول الطعام وترك الانغماس في الملذات والشراب ويقترحون الصوم للتخفيف من الشهوات الجامحة . وفي ألمانيا وجد الطبيب ( فريدريك هوفمان ) ( 1660-1842 م ) أن الصوم ( يقصد به التجويع المتواصل وهو ما يعرف بالصيام الطبي) يعين على معالجة داء الصرع والقرحة والسرطانات الدموية والساد(أ) الذي يصيب العينين وأورام اللثة ونزيفها والقرحة الجفنية ، كما أعلن أنه ينصح المريض في أي مرض كان ، ألا يأكل شيئا.
وفي روسيا ، توصل الأطباء إلى نتيجة مماثلة ، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين . . . فلقد تقدم الدكتور ( بيترفينيا مينوف ) من جامعة موسكو بتقرير نشر في سنة 1769 م نصح فيه المرضى بالتوقف الكلي عن الطعام أثناء فترة المرض . . . وعلل ذلك بقوله : " إن الصوم يعطي المعدة فترة راحة تمكن المريض من الهضم بشكل مناسب عندما يتعافى ، ويعود إلى الأكل ثانية " ، بعد ذلك أعلن الدكتور( ب . ج . سباسكي ) الأستاذ في جامعة موسكو، عن النجاح في معالجة ( الحمى الراجعة ) بالصوم ، وقال : " إن الصوم يسمح بحدوث المعالجات المتزايدة في داخل الجسم ، دون تدخل من الخارج ، وهذا في الحقيقة علاج للأمراض المزمنة"(ب) .
وفي القرن التاسع عشر أعلن الطبيب الروسي ( زيلاند ) أن الصوم قد أثر إيجابيا على الجهاز العصبي للمريض ، كما أثر تأثيرا لا بأس به على هضمه ودمه بوجه عام ، وكتب قائلا : إن الصوم يسمح للجسم بأن يرتاح ثم يستأنف نشاطه الطبيعي بقوة متجددة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية بدأ الاهتمام بالصوم باعتباره علاجا للمرضى ، منذ القرن الماضي . فقد عالج الدكتور ( إدوارد ديوي ) قبل قرن بالصوم كلا من الاضطرابات المعدية والمعوية ، وداء الاستسقاء ، والالتهابات العديدة ، بالإضافة إلى الضعف والترهل الجسدي . . . وكان يري أن الراحة من الطعام - وليس الطعام - هي التي ترمم الجهاز العصبي ، في حين أن الطعام - بالنسبة للمريض - يسبب توترا شديدا بقدر التوتر الذي يسببه العمل المتعب ، ويؤكد على أن الطعام خلال المرض ، يصبح عبثا على المريض.
هذا وقد انتشرت المصحات الطبية التي تعالج الأمراض بالصوم في كثير من بلدان العالم الشرقي والغربي.
الصيام والأبحاث العلمية الحديثة
الصيام ومرضى السكري: كثر الحديث عن إمكانية صيام مرضى السكري في شهر رمضان! وهل يعتبر هؤلاء المرضى جميعا من ذوي الأعذار الذين يباح لهم الفطر؟ أم يمكن أن يباح ذلك للبعض دون الآخر؟ ومن هم على وجه التحديد؟ وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة أن الصيام لا يشكل خطرا علي معظم مرضي السكري ، إن لم يكن يفيد الكثيرين منهم.
ففي بحث أجراه الدكتور رياض سليماني وزملاؤه في كلية الطب بمستشفى الملك خالد الجامعي، (1990م) حول تأثير صيام رمضان على التحكم في مرض السكري ، عند 47 من مرضى النوع الثاني2 ، وعند مجموعة من الأشخاص الذين لا يعانون من هذا المرض ، وتم تحديد وزن الجسم ، والبروتين السكري ، وخضاب الدم السكري ، قبل رمضان وفور انتهائه ، عند كل من المجموعتين .وتم قياس البروتين السكري ، ( Glycosylated Protein) عند 9 من مرضى السكري ، وقد لوحظ أنه لم يطرأ أي تغير على الوزن عند هؤلاء المرضى إذ كان قبل رمضان ( 75.2+12.8) مقابل ، ( 75.1+12.4 )كلجم بعده ، كما لم يطرأ تغير على خضاب الدم السكري ، ( Glycosylated Hemoglobin) إذ كان قبل رمضان ( 10.9+3.1)في مقابل (10.5+2.8 ) مجم / 100مل بعده ، ولم يطرأ تغير على البروتين السكري ( Glycosylated Protein) حيث كان (1.19+0.35 ) مقابل (1017+0.39 ) ، ملجم /100، بعد انتهاء صيام رمضان . أما في المجموعة التي لا يعاني أفرادها من مرض السكري ؛ فقد لوحظ انخفاض هام في وزنهم خلال الصيام ( 74.2+10.4) كلجم ، مقابل (72.5+10,2) كلجم ، بيد أنه لم يسجل أي تغيير يذكر في خضاب الدم السكري ( Glycosylated Hemoglobin) .
واستنتج الباحثون من ذلك أن صيام شهر رمضان لا يسبب أي فقدان هام في وزن الجسم ، وليس له أي أثر يذكر على التحكم في مرض السكري لدى مرض النوع الثاني (د) .
كما قام الدكتور ألفونشو( Olufonsho) وزملاؤه بكلية الطب مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض ، (1990م) بتوزيع استبيان على 203 من مرضى السكري ، (89 من الذكور و 114 من الإناث ) وذلك لتقويم مفاهيمهم ، ومواقفهم ، وممارساتهم ، خلال شهر رمضان .
وقد قام أكثر هؤلاء (89%) بصيام رمضان ، وكان أقل نسبة للصيام (72%) عند من هم دون سن الخامسة والعشرين ، اعترف 12% فقط بأنهم يتناولون قدرا أكبر من الطعام في رمضان ، بينما ذكر عدد أكبر منهم 27% أنهم يستهلكون قدرا أكبر من الحلويات ، وذكر أكثر من الثلث (37%) أن نشاطهم الجسمي يقل في رمضان ، كما أن ضعف هذا النشاط كان أكثر شيوعا لدى أولئك الذين لم يصوموا رمضان ( 61%) منه لدى الذين صاموه ، (35%)، وأعرب عدد كبير(59%) أنهم شعروا بتحسن صحتهم خلال شهر رمضان ، ولم يتردد على المستشفيات في حالات طارئة ، سوى (5 ، 6%) منهم ، في حين لم تتجاوز نسبة من دخلوا المستشفى بسبب مرض السكري (5%) أما بالنسبة للأشخاص الذين لم يصوموا ، فقد كانت هذه النتائج أقل إيجابية ، إذ أعرب ( 10 %) منهم فقط عن تحسن الصحة ، فيما ارتفعت المراجعات الطارئة للمستشفى ( 15 %) ، وبلف حالات دخول المستشفى ( 15 %) .
وكان هناك اعتقاد سائد لدى ( 75% من المرضى ) بأن صيام شهر رمضان يؤدي إلى تحسن الصحة ، وكان هذا الشعور قويا لدى المرضي الذين صاموا الشهر (80%) مقابل المرض الذين أفطروه (26%) .
وقد أظهرت الدراسة أن معظم مرض السكري ، يفضلون صيام شهر رمضان ، وأنهم يعتقدون أن لذلك أثرا إيجابيا على مرضهم (5) .
وقد أثبت باربر( Barber SG) وزملاؤه سنة 1979 م في برمنجهام ، أن هناك تغيرا قليلا في تحكم مرض السكري عند المسلمين الصائمين ، وأن عدد المرضى المراجعين لعيادات السكر قد تناقص ، ولا توجد زيادة في معدل احتجاز مرضى السكري المرتفع وغير المتحكم فيه ، داخل المستشفى خلال شهر رمضان.
وقد قام خوقير وزملاؤه سنة 1987 م بدراسة شملت 52مريضا من مرضى السكري ، 20 منهم يعتمدون على الأنسولين في العلاج ، و 32 منهم لا يعتمدون على الأنسولين ، وقد وجد أن 15 مريضا من الذين لا يعتمدون على الأنسولين ، قل وزنهم وانخفضت مستويات السكر ( Glucose Levels) لديهم بعد الصيام ، عنه قبل أن يصوموا .
كما قلت جرعة الأنسولين بنسبة 10% عن المعتاد عند المجموعة التي تعتمد على الأنسولين في العلاج ، وقل وزن سبعة منهم ، بينما ارتفع معدل السكر عند باقي المجموعة ، لذلك نصح الباحثون بعناية خاصة لهؤلاء المرضى ، إذا أرادوا أن يصوموا كل أيام شهر رمضان ، ولا حرج عليهم بعد ذلك.
كما أثبتت بعض الدراسات الحديثة أنه لا توجد تغيرات باثولوجية أو أي مضاعفات سريرية على مرضى السكري الذين يصومون شهر رمضان في المكونات التالية :
-جلوكوز الدم – الهيموجلوبين - الأنسولين - الكولوستيرول- وثلاثي الجلسريد، ووزن الجسم. مع الأخذ في الاعتبار ضرورة أن يهتم المرضى بضبط جرعاتهم الدوائية ويمارسون نشاطهم اليومي وينضبطوا في حميتهم الغذائية خصوصاً المرضى الذين يتناولون الأنسولين.
أما مرض السكري الذين ينصحون بعدم الصيام فقد حددتهم دراسة التقويم الشامل الذي أجراه الدكتور سليماني وزملاؤه عن مرض السكري وصيام رمضان سنة 1988 م وهم كالتالي :
1- المرضي المعرضون لزيادة الأجسام الكيتونية في دمائهم
2 - المرضي الذين يعانون من تأرجح كبير وسرعة تغير في مستوى الجلوكوز لديهم .
3 - الحوامل .
4- الأطفال المصابون بمرض السكري .
5- مرضى السكري الذين يعانون من مضاعفات مرضية خطيرة مثل الفشل الكلوي أو الذبحة الصدرية .
6 - مرضى السكري الذين يعانون من أمراض خطيرة مثل التسمم الدموي الشديد ،( Sever sepsis) ، أو فشل القلب الاحتقاني (Congestive Heart Failure)
ويسمح بالصيام لباقي المرضى ، والمرضى الذين يتقبلون النصائح الطبية ويشجع الصيام للمرضى البدنيين من النوع الثاني الذين لا يعتمدون على الأنسولين ماعدا الحوامل منهن والمرضعات اللاتي لديهن السكر ثابت مع زيادة في الوزن فوق 20% من الوزن المثالي. والخلاصة أن معظم الأبحاث تشير إلى أن صيام شهر رمضان لمرضى السكر آمن من الناحية الصحية طالما كان هناك وعي وضبط غذائي ودوائي .
معظم مرضى النوع الثاني يمكن أن يصوموا بأمان و أحيانا يستطيع مرضى النوع الأول الصيام طالما كان هناك ضبط وعناية بالغذاء والدواء والحركة والنشاط .. ويعتبر التحكم في هذه الأمور أشياء مهمة للصيام .
قرحة المعدة: يعدل الصيام الإسلامي ارتفاع حموضية المعدة، وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب . وقد أجرى الباحثون معظم , وعلى ، وحسين ، (1963م) دراسة كان الهدف منها التعرف على تأثير صيام شهر رمضان على حموضية المعدة ( زيادة الحموضة وقلتها) ، وقد وجد الباحثون أن الحموضية في المعدة اعتدلت ، ( lsochlorhydria) عند كل من المرض الذين يعانون من قلة الحموضية، ( Hypochlorhydria) أو زيادتها ( Hyperchlorhydria) ، مما يؤكد أن صيام شهر رمضان يخفف ويمنع حدوث الحموضة الزائدة ، والتي تكون سببا رئيسيا في حدوث قرحة المعدة .
أمراض الأوعية الدموية الطرفية: عالج الصيام عدداً من الأمراض الناتجة عن السمنة : كمرض تصلب الشرايين ، وضغط الدم ، وبعض أمراض القلب. كما يساعد في علاج بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية، فهناك أمراض عديدة تصيب الأوعية الدموية الطرفية ، والتي تبدو أن لها علاقة بنشاط الجهاز العصبي الودي ( السمبثاوي ) الزائد في نهايات الشرايين الدموية ( Arterioles) ، ويعتبر مرض الرينود (Raynoud's Disease) أحد هذه الأمراض ، حيث تنقبض فيه عضلات جدر الشرايين الدقيقة انقباضا ذاتيا شديدا ، مسببة آلاما مبرحة ، وتهجم هذه الآلام عند التعرض للبرد ، أو الضغط العصبي ، ولو استمر المرض لعدة سنوات فقد يؤدي إلى فقدان الأطراف ، ولعلاج هذا المرض يمنع التعرض للبرد ما أمكن ، ويتحاشى التدخين ، ويعطى المريض بعض الأدوية كموسعات للأوعية الدموية ، كما يستأصل العصب السمبثاوي الموضعي المغذي للأطراف ، ويتحاشى التعرض للضغوط العصبية والنفسية .
وهناك مرض آخر (Buerger's Disease) من نفس هذا النوع ، يؤثر على الشرايين والأوردة الطرفية ، والتدخين ينشط هذا المرض ويزيده سوءا ، وعند منع التدخين يتحسن المريض تحسنا ملحوظا ، وقد يحتاج بعض المرضى إلى استئصال العصب الودي ( السمبثاوي ) المغذي للأطراف ، وأحيانا يحتاج هذا المريض إلى بتر أطرافه لو استمر في التدخين .
وقد ذكر الدكتور صباح الباقر في دراسة له سنة 1991 م أن الصيام الإسلامي يؤدي دورا هاما في علاج أمراض الأوعية الدموية الدقيقة ، ولخص هذا الدور في النقطتين التاليتين :
ا - تحريم التدخين أثناء ساعات الصيام ، يقدم خدمة جليلة في علاج المرض .
2 - لا يشكل الصيام أي مشقة أو ضغط على الجسم بل على العكس ، يعتبر عاملا مهدئا ، حيث تزداد العوامل المنشطة للإيمان في الصلاة والذكر وقراءة القرآن .
وخلص الدكتور الباقر إلى أن تثبيط الجهاز العصبي الودي ( السمبثاوي ) أثناء الصيام ، يلغي العامل الثاني المسبب للمرض ، وبالتالي تظهر فائدة الصيام الإسلامي في الشفاء من مثل هذه الأمراض.
الصيام ومرضى الجهاز البولي: كان وما زال الأطباء يعتقدون أن الصيام يؤثر على مرض المسالك البولية، وخصوصا الذين يعانون من تكون الحصيات ، أو الذين يعانون من فشل كلوي ، فينصحون مرضاهم بالفطر، وتناول كميات كبيرة من السوائل .
وقد ثبت خلاف ذلك ، إذ ربما كان الصيام سببا في عدم تكون بعض الحصيات ، وإذابة بعض الأملاح ، ولم يؤثر الصيام مطلقا حتى على من يعانون من أخطر أمراض الجهاز البولي ، وهو مرض الفشل الكلوي مع الغسيل المتكرر .
أجرى الدكتور فاهم عبد الرحيم وزملاؤه بكلية طب الأزهر (1986م)، بحثا عن تأثير صيام شهر رمضان على عمل وظائف الكليتين عند الأشخاص العاديين ، وعند المرضى المصابين ببعض أمراض الجهاز البولي ، أو بمرض تكون الحصى الكلوي ( RenaI caIcuIi) ، وشملت الدراسة عشرة من مرضى الجهاز البولي ، وخمسة عشر مريضا بالحصى ، بالإضافة إلى عشرة أشخاص عاديين للمقارنة ، وتم خلال كل من فترتي الصيام والإفطار أخذ عينات من البول ، وتحليلها لمعرفة نسبة الكالسيوم ، والصوديوم ، والبوتاسيوم ، واليوريا ، والكرياتينين ، والحامض البولي .
وكانت نتيجة تأثير الصيام على هذه العناصر على النحو التالي :
حدث نقص هام في حجم البول ، وزيادة في كثافته النوعية ، لدى كل المجموعات التي شملتها الدراسة ، وحدثت تغيرات طفيفة جدا في مكونات المصل من الكالسيوم ، والصوديوم ، والبوتاسيوم ، والحامض البولي ، والكرياتينين ، واليوريا لدى الجميع .
وحدثت زيادة طفيفة في الكالسيوم في البول لدى الجميع .
وعليه فقد كان التغير الحاصل في عناصر المصل لدى كل المجموعات التي شملتها الدراسة طفيفا ، عديم الأهمية ، بيد أن التغيرات التي طرأت على مكونات البول خلال الصيام ، قد تمنع تكون الحصى ، نظرا لنقص الكالسيوم في البول ، وزيادة الصوديوم والبوتاسيوم ، التي كانت نسبتها أكبر لدى من يعانون من الحصى ، ولدى المصابين بأمراض الجهاز البولي .
وقد استنتج الباحثون من ذلك أن الصيام لم يؤثر سلبيا على مجموعات المرضى الذين شملتهم هذه الدراسة ، والذين يعانون إما من تكون الحصى في الكلية ، أومن أمراض الجهاز البولي ، فضلا عن التأثير المحتمل للصيام في منع تكون حصيات الكلي ، عكس ما هو شائع عند الأطباء وغيرهم ، إذ إن زيادة الكثافة النوعية للبول ترجع إلى زيادة إفراز البولة ، التي تكون 80% من المواد المذابة في البول ، والبولينا مادة غروية تنتشر فتساعد على عدم ترسب أملاح البول التي تكون حصيات المسالك البولية .
كما أجرى قادر وزملاؤه سنة 1988م ، دراسة على المرضى الذين يعيشون على غسيل كلوي مزمن ، ويصومون شهر رمضان ، وأثبتوا أنه لا يوجد تغير يذكر في نسبة اليوريا ، والكرياتينين ، والصوديوم ، والبيكربونات ، والفوسفور والكالسيوم ، ولكن وجد ارتفاع ملحوظ على نسبة البوتاسيوم في الدم ، وعزا الباحثون ذلك إلى تناول المشروبات الغنية بالبوتاسيوم بعد الإفطار.
الصيام وتجلط الدم: كان يعتقد أن الفقدان النسبي لسوائل الجسم ، وانخفاض عدد ضربات القلب ، وزيادة الإجهاد أثناء الصوم ، يؤثر تأثيرا سلبيا على التحكم في منع تجلط الدم ، وهو من أخطر الأمراض ، وقد ثبت أن الصيام الإسلامي لا يؤثر على ذلك في المرضى الذين يتناولون الجرعات المحددة من العلاج.
أجرى الدكتور جلال ساعور أستاذ الأمراض الباطنية بمستشفي الملك فيصل التخصصي (1990م)، بحثاً عن تأثير الصيام على مرضى القلب ، الذين يتناولون علاجا مضادا لتجلط الدم ، وقد كتب الدكتور ملخصا لبحثه فقال :
تقبل الغالبية العظمى من المسلمين علي صيام شهر رمضان كل سنة ، ويترتب على الصيام حدوث تغيرات رئيسية في النشاط الجسمي وأنماط النوم ، فضلا عن تغير أوقات تناول الطعام والشراب ، ونوعه ، وكميته ، وعليه فمن الممكن أن يؤثر الصيام تأثيرا سلبيا على التحكم في منع التجلط من خلال الفقدان النسبي لسوائل الجسم ، وانخفاض النتاج القلبي ، وزيادة الإجهاد ، ولزوجة الدم ، فضلا عن التغيرات إلى تطرأ على امتصاص الأدوية واستقلابها .
وفي الفترة الواقعة بين 1981م إلي 1985 م تم فحص ما مجموعه 289 مريضا في عيادة منع تخثر الدم بمستشفى الملك فيصل التخصصي ، تلقي 247 مريضا منهم العلاج المضاد لتجلط الدم ، نظرا لحالة القلب لديهم ، و 42 نظرا للتجلط الشديد في الأوردة ، مع الانسداد الرئوي أو بدونه .
وفي فترة العلاج (4 سنوات) ، صام عدد 106 من هؤلاء المرضى، ما مجموعه 309 شهرا رمضانيا، ولم يصم عدد 183 منهم، ما مجموعه 594 شهراً.
ولوحظ أن حدوث مضاعفات الانسداد التجلطي والنزيف متماثلة في المجموعتين ، وكان متوسط الجرعة من الوارفارين4 اللازمة لإحداث أفضل تأثير لمنع التجلط في المجموعتين خلال شهر رمضان متماثلا : 5 . 6 + 1 ، 2 ملجم مقابل 7.6 +2.2 ملجم .
ومنذ عام 1986م ، أخذنا ننصح مرضانا الذين يتناولون علاجا ضد التجلط عن طريق الفم ، بأنه لا ضرر من صومهم شهر رمضان ، وقام خلال هذه الفترة 277 مريضا يحملون صمامات بديلة ، بصيام ما مجموعه 1054 شهرا، ولم تظهر على أي منهم في هذه الفترة مضاعفات الانسداد التجلطي.
الصيام والإخصاب: يحسن الصيام خصوبة المرأة والرجل على السواء. فقد أجرى الدكتور سمير عباس والدكتور عبد الله باسلامة ، بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز، (1986) دراسة على واحد وعشرين شخصا ، ثمانية منهم أصحاء ، وعشرة يعانون من نقص المنويات (oIigospermia) ، وثلاثة ليست لديهم منويات ، وأخذت منهم عينات من الدم ، والمني ، في خلال شهر شعبان ، ورمضان ، وشوال ، لتحليل المني ، والهرمونات التالية :
· التيستوستيرون Testosterone.
· ا لبرولاكتين ProIactin.
· الهرمون الملوتن L . H.
· الهرمون المنبه للجريب F.S.H.
وذلك لمعرفة تأثير صيام شهر رمضان على خصوبة الرجل ، وقد أظهرت نتائج البحث ، أن هناك تغيرات حيوية بين الأشخاص الطبيعيين ، حيث يتحسن أداء هرمون الذكورة (Testosterone) ، لكن لم يحصل في مستواه أي ارتفاع حيوي خلال الأشهر الثلاثة من البحث ، كما أن حجم المني ، والعدد الكلي للمنويات ، ازداد ازديادا ملحوظا أثناء شهر الصيام ، ولاحظ الباحثان من إحصائيات المستشفى الجامعي ، أن عدد حالات الحمل تصل إلى معدل كبير في شهر شوال ، كما وجد أن هناك تحسنا في نسبة المنويات الحية، وانخفاضا في نسبة المنويات الميتة أثناء شهر الصيام .
كما أن الهرمون المنبه للجريب ( F.S.H)، يزداد ازديادا ملحوظا خلال شهر رمضان ، مقارنة بمستواه قبل وبعد الصيام في الأشخاص الطبيعيين ويقل عن شهر شوال في الأشخاص الذين يعانون من نقص المنويات ، أو انعدامها ، وهذا الهرمون له علاقة بتصنيع المركبات الاستيرويدية في نسيج الخصية ، كما يمكن أن يعزى التغير في مستوى التيستوستيرون إلى التغير في مستوى هذا الهرمون لأن الهرمون الملوتن (LH) ازداد زيادة ملحوظة أثناء الصيام ، ونقص بعده في الأشخاص الطبيعيين ، كما أنه لم تسجل له أي تغيرات هامة عند الأشخاص المرضى بنقص المنويات ، وحدث نقص هام عند المرض بانعدام المنويات ، وهذا الهرمون له علاقة بتكون المنويات الحية في الخصية ، كما سجلت زيادة في البرولاكتين ، أثناء وبعد رمضان عند الأشخاص الطبيعيين ، ونقص بعد الصيام عند المرضى بقلة المنويات ، وارتفاع عال عند المرضى بانعدام المنويات ، بالمقارنة مع المجموعات الأخرى ، وهذا الهرمون له تأثير مثبط على تكون الإندروجين الناتج من الخصية .
وخلص الباحثان على أن للصيام أثرا مفيدا على تكون المنويات ، إما عن طريق محور التأثير الهرموني Hypothalamo - pitutary testicular، أو عن طريق التأثير المباشر على الخصيتين.
الصيام وجهاز المناعة:أجري الدكتور رياض البيبي ، والدكتور أحمد القاضي في الولايات المتحدة الأمريكية تجارب مخبرية على متطوعين أثناء صيام شهر رمضان ، وأجريت لهم تحليلات الدم قبل بداية الصيام ، وأثناء الشهر، وبعد انتهاء الصيام ، وشملت الفحوص التحليلات الكيميائية للدم ، بما في ذلك تحديد نسبة البروتينات الشحمية (Lipoproteins) إضافة إلى فحوص متخصصة لتقويم كفاءة جهاز المناعة في الجسم ، وقد شملت الفحوصات تحديد عدد الخلايا الليمفاوية في الدم (Lymphocytes)، ونسبة أنواعها المختلفة بعضها إلي بعض ، ومدى حسن أداء كل منها، هذا إضافة إلي قياس نسبة الأجسام المضادة في الدم (Antibodies)، وقد أظهرت هذه التجارب أثرا إيجابيا واضحا للصيام على جهاز المناعة في الجسم ، حيث تحسن المؤشر الوظيفي للخلايا اللمفاوية عشرة أضعاف ، وبالرغم من أن العدد الكلي للخلايا اللمفاوية لم يتغير، إلا أن نسبة النوع المسئول عن مقاومة الأمراض خلايا (ت ) ، ازداد كثيرا بالنسبة إلى الأنواع الأخرى ، هذا بالإضافة إلى ارتفاع محدود في أحد فصائل البروتين في الدم (IGE) ، وهو أحد أعضاء مجموعة البروتينات المكونة للأجسام المضادة في الدم ، وكانت التغيرات التي طرأت على البروتين الدهني ، على شكل زيادة في النوع منخفض الكثافة (LDL)، دون أي زيادة في النوع عالي الكثافة ( HDL) ، وهذا نمط له تأثير منشط على الردود المناعية.
الصيام وهرمونات الغدة الدرقية: أجرى الدكتور رياض سليماني (1988م) ، دراسة تناولت أثر صيام شهر رمضان على عمل الغدة الدرقية ، وجرى في الدراسة تحديد مستوى كل من ثيروكسين البلازما (Plasma Thyyoxin : T4) والثيروكسين الحر، والثيرونين ثلاثي اليود ( Triiodo - Thyronin : T3) والهرمون المنشط للغدة الدرقية (TSH)، عند 28 من الذكور الأصحاء ، قبل رمضان وبعده ، كما تمت دراسة آثار الامتناع عن تناول الطعام على المدى القصير من بزوغ الفجر إلى غروب الشمس ، ولم تسجل أية اختلافات هامة في اختبارات عمل الغدة الدرقية بين هذه المستويات في الصباح والمساء ، ( بعد فترة صيام لمدة 14 ساعة ).
ولم تظهر بالإضافة إلى ذلك أية اختلافات هامة ، في نتائج اختبارات الغدة الدرقية، التي أجريت قبل رمضان وفي نهايته ، واستنتج الباحث أن صيام شهر رمضان من قبل رجال يتمتعون بصحة جيدة ، لم يغير النسب القياسية لعمل الغدة الدرقية.
الصيام وهرمونات المرأة: أجرى الدكتور حسن نصرت والدكتور منصور سليمان ، بجامعة الملك عبد العزيز (1987م) بحثا حول تأثير صيام رمضان على مستوي البرجستيرون والبرولاكتين في مصل الدم ، لنساء صحيحات ، تتراوح أعمارهن بين 22 - 25 عاما ، لتحديد مدى تأثير صيام رمضان على فسيولوجيا الخصوبة عند المرأة ، وقد أظهرت النتائج أن ثمانين بالمائة قد نقص عندهن مستوي البرولاكتين في المصل ، ولم يتغير مستوي البرجستيرون ، وقد نصح الباحثان المرضعات بالإفطار.
وهذا البحث يؤكد أهمية الصوم لعلاج العقم عند المرأة المتسبب من زيادة هرمون البرولاكتين ، فحينما ينقص بالصيام تنهيا المرأة لحالتها الطبيعية في الخصوبة.
كما يعالج الصيام كثيرا من الأمراض التي تنشأ من تراكم السموم ، والفضلات الضارة في الجسم . ولا يسبب الصيام أي خطر علي المرضعات ، أو الحوامل ، ولا يغير من التركيب الكيميائي ، أو التبدلات الاستقلابية في الجسم عند المرضعات ، وخلال الشهور الأولى والمتوسطة من الحمل.
الصيام المثالي: وفي الختام نؤكد على ضرورة أداء الصيام على صورته المثلي ، والتي يمكن أن تتحقق بتقليل فترة الصيام اليومي ، وذلك بتعجيل الفطور وتأخير السحور، وتناول وجبة السحور وعدم إهمالها، والاعتدال في الطعام والشراب أثناء السحور والإفطار ، والاقتصار عليهما ، وترك عادة كثرة الأكل طوال الليل . والقيام بالحركة والنشاط والجهد اليومي المعتاد، ونوم جزء من الليل وترك السهر المتواصل . مع تمنياتنا لكم بصيام مقبول وشفاء مأمول