تبعاً وتعليقاً على مقالي الذي نشر في هذه الجريدة الغراء بعنوان مصادر الطاقة البديلة, وصلتني رسالة بريدية تحتوي على هذا السؤال: ماذا سيحدث للاقتصاد العالمي لو أصبح البترول مصدرا ثانويا للطاقة؟ بمعنى آخر لو استطاع الإنسان أن يخترع أو يكتشف مصدرا للطاقة رخيصا, غير ضار بالبيئة, سهل الاستخدام, والتخزين و النقل. في الحقيقة أود أن أعترف أن هذا السؤال صعب جداً وذلك لأهميته الإستراتيجية لجميع البلاد التي تعتمد على البترول كمصدر رئيسي للدخل. صحيح أن احتمال حدوث هذا ضئيل جداً على المدى القريب أو حتى المتوسط ولكن يجب علينا أن نفكر بالإجابة على هذا السؤال من ناحية علمية بحتة بعيدة عن العاطفة أو التوقعات غير المبنية على دلائل علمية. حسب رأيي المتواضع والله أعلم أنه لمنع حدوث هذه النظرية يجب وضع خطة إستراتيجية ثلاثية المسارات. المسار الأول: هو دراسة المسببات التي يمكن أن تساعد على حدوث هذه النظرية مثل ارتفاع أسعار البترول, تأثير البترول على البيئة, والمخاوف العالمية من نضوب البترول على المدى البعيد من خلال تنفيذ خطة لتحييد هذه العوامل بل جعلها عوامل إيجابية. نعم, نستطيع أن نحول هذه العوامل من سلبية إلى إيجابية إذا استطعنا السيطرة على الارتفاعات غير المنطقية لأسعار البترول و التحكم التام في التأثيرات البيئية الناتجة عن استخدامات البترول و طمأنة العالم بوجود كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي من خلال تكثيف عمليات التنقيب في العالم لاكتشاف كميات أكبر من حقول البترول والغاز و كذلك من خلال تطوير تقنيات جديدة تساعد على زيادة الاكتشافات و نسبة الاستخلاص والإنتاج. وأعتقد أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- لمؤتمر جدة تصب في هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى السيطرة على الارتفاعات غير المنطقية لأسعار البترول في الأسواق العالمية وكذلك إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تصب في هذه الإستراتيجية لتطوير التقنيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي.
المسار الثاني: لهذه الخطة هو دعم البحوث العلمية المتعلقة بمصادرالطاقة البديلة وذلك لضمان تطبيقاتها في المجالات الصناعية و الاقتصادية البعيدة عن قطاع المواصلات الذي يعتبر من أكبر وأهم القطاعات الاقتصادية اعتماداً على البترول. بمعنى آخر يجب التأثير على هذه البحوث العلمية لكي تركز على قطاعات صناعية واقتصادية أخرى مثل توليد الكهرباء. بما في ذلك التأثير على البحوث العلمية المتعلقة بطاقة الخلية الهيدروجينية أو مايعرف ب Hydrogen fuel cell التي تستخدم خلية الهيدروجين لإنتاج الطاقة وذلك لاستخلاص ذرة الهيدروجين المستخدمة في عملية إنتاج الطاقة من البترول المشبع بهذه الذرات بدلاً من الماء الذي يحتاج إلى عملية استخلاص مكلفة أو الزيوت النباتية الضرورية لغذاء الإنسان.
المسار الثالث: هو وضع و تنفيذ خطة لبناء اقتصاد قوي لا يعتمد على البترول كمصدر رئيسي للدخل. عندما نقارن أنفسنا بالدول الصناعية المتقدمة نجد أننا نتفوق عليهم بتوافر مصدر رخيص للطاقة لبناء اقتصاد و صناعة متقدمة ممكن لها أن تحقق هذا الهدف الإستراتيجي. فمثلاً تكلفت الطاقة اللازمة لتشغيل مصنع في البلاد البترولية أرخص بكثير من تكلفتها في البلاد غير البترولية. أعترف أن تحقيق هذا الهدف ليس بالسهل و ذلك لوجوب توافر مواد الخام و الأيدي العاملة والجدوى الاقتصادية و مهارة التسويق. ولكن المهم هنا أن هذا الهدف مهما كان صعبا, يمكن تحقيقة و أكبر مثال على ذلك كوريا الجنوبية. و أترك هذه التفاصيل لعلماء الصناعة و الاقتصاد فهم أفهم مني فيه. نرجع للجواب على السؤال الرئيسي لهذا المقال وهو أن إمكانية حدوث هذه الفرضية صغيرة جداً و لو حدثت فجأة لاحتاج قطاع المواصلات الذي يعتمد على البترول إلى عشرات السنوات لتهيئة هذا القطاع الحيوي للاستغناء عن البترول واستخدام هذا المصدر الجديد. و السؤال هنا ،لماذا ننتظر حدوث هذا الكابوس و نحن بمقدورنا منع حدوثه أو على أقل تقدير تقليص تأثرات حدوثه.
جمعية مهندسي البترول العالمية
|