هل تستطيع البنوك المركزية إدارة الأسواق والسياسة النقدية؟
"البنك هو بنك وليس مجموعة دراسة". تشارلز غودهارت، الذي مضى ليصبح عضواً في لجنة السياسة النقدية، كتب قائلاً إن تعبيره السابق هذا غالباً ما كان يكرر أمامه عندما انضم إلى البنك المركزي البريطاني عام 1968. وأضاف: "حسبما فهمت روح هذه العبارة، فإنها تتضمن أن قلب البنك كان يقع عندئذ في روابطه التشغيلية مع الأسواق والمؤسسات المالية، وليس في مساهمته في تحليل وسياسة الاقتصاد الكلي".
في 2008 العكس هو الصحيح. وفي كافة أرجاء العالم تمت إعادة تنظيم البنوك المركزية بصفتها أفضل المحللين النقديين، والقّيم الرئيسي على الاقتصاد الكلي. ورغم ذلك تبقى بنوك وتقع على كاهلها مسؤولية استقرار البنوك الأخرى، والنتيجة هي توتر بشأن: كيفية التأكد من قدرة نخبة محاربي التضخم على العمل أوصياء على الاستقرار المالي. وأخفقت عمليات الإنقاذ في نورثرن روك وبير شتيرنز، ولا توفر الإصلاحات التي تم تقديمها حتى الآن حلاً كاملاً.
هناك ثلاثة تغييرات أثرت في دور البنوك المركزية في فرض الاستقرار المالي خلال الـ 40 عاماً الماضية. الأول هو أن الحكومات التي تسعى إلى إعادة الانتخاب لا يمكنها أن تعد بشكل موثوق بالسيطرة على التضخم. وأدى ذلك إلى وجود بنوك مركزية مستقلة مفوضة للسيطرة على التضخم بواسطة أسعار الفائدة في عالم من أسعار الصرف المعومة.
كان التأقلم مع هذه السلطة الجديدة محاولة واعية لتحويل البنوك المركزية إلى مؤسسات للسياسة النقدية: أصبحت مجموعات دراسة قبل أن تكون بنوكاً. وتحويل البنك المركزي البريطاني إلى مؤسسة بريطانية للسياسة النقدية في ظل مارفين كينج يمثل نقطة في حد ذاتها – وجاء ذلك في الواقع العملي على حساب دوره في فرض الاستقرار المالي.
التغيير الثاني هو التحول إلى الوساطة المالية بواسطة الأسواق وليس بواسطة البنوك. وبالنسبة للاحتياطي الفيدرالي كانت النتيجة هي أنه عندما ضربت الأزمة تلقى الضربة بير شتيرنز، وسيط الصفقات، الذي لا تربطه به علاقة مقرض الملجأ الأخير. وبالنسبة للبنك المركزي البريطاني كان ذلك يعني عدم القدرة على الاتصال به عندما ضرب شح السيولة في الصيف الماضي، لأن مسؤولية الرقابة المصرفية انتقلت لتكون إلى جانب تنظيم الأوراق المالية في سلطة الخدمات المالية.
والتغيير الثالث هو تدويل الأسواق. كان هناك وقت يستطيع فيه محافظ أي بنك مركزي جمع البنوك المحلية في غرفة، ويفرض عليها إنقاذ أحد نظرائها المخفقين. لكن نظرة الغضب التي يمارسها أي محافظ، ستكون أقل قوة عندما تميل البنوك المهمة لأن تكون عالمية.
بناءً على ذلك، فقد سدنة الاستقرار المالي في البنوك المركزية خلال الـ40 عاماً الماضية السلطة لصالح الأسواق والبنوك التجارية الدولية. وفوق كل ذلك فقدت السلطة على صناع السياسة النقدية في مؤسساتها الخاصة. والسياسة النقدية عالية الشأن، وذات اهتمام دائم، ويحتل الاستقرار المالي العناوين الرئيسية مرة أو مرتين في كل جيل. والخطر أن تصبح في موضع خلفي منعزل هو خطر مستمر.
رغم ذلك، لا يمكن الفصل بين السياسة النقدية والاستقرار المالي. وفهم البنوك والأسواق أمر جوهري لتحديد الشروط النقدية في الاقتصاد. وفي أزمة على غرار أزمة بير شتيرنز، فإن الحل مستحيل دون إمكانية الوصول إلى الميزانية العمومية للبنك المركزي.
التحدي هو بناء بنك مركزي يمكن أن تتعايش فيه المهمتان – بغض النظر عن مدى صعوبة ذلك. ويعتمد ذلك على تزويد البنوك المركزية بالصلاحيات المناسبة والأشخاص المناسبين.
بالأمس، ردد هانك بولسون، وزير الخزانة الأمريكي، ملاحظات تيم غيثنر، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، في الدعوة لأن تكون للاحتياطي الفيدرالي السلطة القانونية للتعامل مع التهديدات التي يواجهها الاستقرار عبر النظام المالي بأكمله. وهذا إصلاح منطقي.
ناقش بولسون أيضاً منح الاحتياطي الفيدرالي صلاحيات جديدة لجمع المعلومات من المؤسسات المالية، كما فعل أليستير دارلينغ، وزير المالية البريطاني، في مسودة للبنك المركزي البريطاني تم نشرها الخميس. وسيتم تشكيل لجنة جديدة تضم أشخاصاً من مجلس إدارة البنك، والمحكمة، بالإضافة إلى شخصيات أكثر من الحي المالي في لندن، للإشراف على الاستقرار المالي، وسيكون هناك نائب محافظ جديد بعد مغادرة السير جون جييف، وسيكون للبنك دور "ريادي"، لكن ما زال يجب تحديده، في التعامل مع البنوك المتعثرة.
هذا كله جيد للغاية، لكن ما يحتاج إليه جانب الاستقرار من البنك هو صلاحيات حقيقية ومكانة. ولا يمكن للجنة استشارية محضة أن توفر القيادة والمساءلة اللازمة. وينبغي على نائب المحافظ الجديد بناءً على ذلك، أن يكون شخصية قوية، وله صلات جيدة في الأسواق، ويجب أن يستمر، أو تستمر، في أن يكون ضمن أعضاء لجنة السياسة النقدية. ويجب على جهاز الاستقرار المالي أن يقدم توصيات رسمية حول الرقابة المصرفية، ويجب على سلطة الخدمات المالية أن تستجيب لها.
من الصعب أن تكون مجموعة دراسة وبنكاً في الوقت ذاته، لكنها حيلة ينبغي على البنوك المركزية أن تتعلمها.