تعددت أسماؤها.. فهي "الحبة السوداء" في الطب النبوي، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بهذه الحبةِ السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام"(1)، وهى "شنقت أو حبة البركة أو الكمون الأسود" (مصر قديما وحديثاً)، والكمون الهندي (الهند)، والشونيز(إيران)، والقحطة (اليمن) وفى بعض البلاد سينوح، ثم هي أخيرا: نيجيلا ساتيفا Nigella sativa،الاسم العلمي لها.
ومع تعدد أسمائها..تتعدد فوائدها الصحية للإنسان
ومع تعدد أسمائها تلك.. تبقى فوائد بذورها وزيوتها المستخلصة على صحة الإنسان أكثرُ عدداً فهي: تساعد في رفع مناعة جسم الإنسان بعامة، و تعمل علي إتساع الشعب الهوائية، تعالج التهابات الجهاز التنفسي وأمراضه كالسعال والزكام والربو، ومشاكل الكبد والمرارة واليرقان(تسممه بمادة التتراكلوريد، وتأثير التعرض للأشعة على وظائفه) (2)، كما تعمل على إدرار اللبن، ومفيد في إدرار البول وعلاج الحصي البولي ، وتسهم في خفض ضغط الدم، ومقاومة الإسهال وبخاصة بميكروبي الكوليرا والشيغلا عند الأطفال(3)، ولها تأثير مقاوم للفيروسات (4)، معالجة سوء الهضم وقرح المعدة وفقد الشهية والانتفاخ والديدان الداخلية والمغص والوهن المفصلي والعصبي والجنسي والصداع وضعف الذاكرة ومن ثم تنمية الذكاء(5)، كما تبين أن الثيموكينون له تأثير مضاد لسرطان مستحدث تجريبياً(6).
فوائدها الصحية للحيوان
بيد أن الإنسان له حاجات (صحية واقتصادية وترفيهية..) دائمة ومُلحة للحيوان، ولكن يوماً بعد يوم، وجرياً وراء الربحية الفائقة ينحرف إنسان العولمة الاقتصادية عن جادة الصواب، فتراه يمد الحيوان بمصادر تغذيه وأعلاف غير مناسبة لفطرة الحيوان كما أنها غير معالجة بطريقة صحية، لذا تتزايد معدلات ظهور الأمراض الوبائية، والمشتركة التي تنتقل للإنسان (جنون البقر، وأنفلونزا الطيور، وحمى الوادي المتصدع، والحمى القلاعية الخ.) مما يتسبب في كثير من الأضرار البشرية، والخسائر الاقتصادية الهائلة في الثروة الحيوانية.
|
الحبة السوداء شفاء من كل داء
|
لذا يبرز السؤال: هل للحبة السوداء دور في صحة الحيوان، وفى اقتصاديات تنمية الثروة الحيوانية؟.
لقد بدأ اهتمام البحث العلمي بالحبة السوداء منذ العام 1892م (7)، حيث تم التعرف على مكونات هذا النبات، فوُجد أن بذورها تحتوى على نسبة 1.5% زيوت طيارة (مثل النجّللون:Nigellone C18H22O4 )، وحوالي 35% زيوت ثابتة، وبعد الحصول على زيوتها ذات الفائدة الطبية الكبيرة تلك، يتبقى طحين هذه البذور الذي يحوى ما لم يتم استخلاصه من زيوت، وما يقرب من 30% من البروتين الخام (8)، فما مدى الفائدة التي تعود من إضافة وهذا الطحين بنسب مختلفة إلى علائق الحيوانات والطيور؟، وبينما تستمر عجلة البحث العلمي في دورانها في هذا الشأن، فيما يلي بعض المؤشرات العلمية التي تم الحصول عليها من دراسات عن المجترات الصغيرة والكبيرة والدواجن، وكذلك في عمل اللقاحات البيطرية.
الحيوانات المجترة.. صغيرها وكبيرها
لسعةِ انتشارها، وتحملها لظروف مناخية وغذائية متباينة، نالت الماعز عناية كبيرة في مجال تأثير النباتات الطبية على أدائها الإنتاجي (9)، فلمدة خمسة اشهر من تغذية اثنتي عشرة ماعز بلدي على علائق بها إضافات من طحين الحبة السوداء (100جم لكل حيوان يومياً)، أظهرت النتائج التي تم الحصول عليها: زيادة معنوية في معدل الأحماض الدهنية الطيارة (Total volatile Fatty acids) بسوائل الكرش، مع زيادة واضحة في نسبة البروبيونات (Propionate) مما ساعد على زيادة معدل إفراز هرمون الأنسولين وتمثيل الجلوكوز، ولا يخفى الأثر الكبير لذلك على الوظائف التناسلية والإنتاجية، كما ظهر تحسن ملحوظ في الحالة المناعية والعامة للماعز عبر تزايد ملحوظ في عدد الخلايا الليمفاوية وكريات الدم البيضاء، وزيادة الجلوبيولين، وعدد كريات الدم الحمراء، ونقصاً بادياً في الكوليسترول والدهون الثلاثية Triglycerides، الأمر الذي أنعكس في نهاية التجارب على زيادة معنوية في معدل أوزان هذه الماعز مقارنة بالمجموعة الضابطة(10).
بالإضافة لما سبق ولمعرفة التأثيرات المحتملة والدقيقة لمثل هذه الإضافات من طحين الحبة السوداء على الخصوبة، واستجابة المبايض، وتجميع الأجنة، في ثلاثين من الماعز البلدي، تم إجراء دراسة(11) خلصت إلى أن: عوامل مثل زيادة الأنسولين وتحول الجلوكوز، وزيادة بعض الأحماض الدهنية غير المشبعة مثل حامض اللينولينك Linolinc acid، لها تأثير على الخصوبة والكفاءة التناسلية عبر المؤشرات السالفة الذكر.
ثم بعد دراسات على الحملان المُغذاة على علائق تحوى هذا الطحين، ومركزات أخرى كفول الصويا، وُجد أن طحين بذور الحبة السوداء ـ ذو المصدر الجيد للبروتين الخام والطاقة ـ لا يؤثر بالسلب على عمل الكائنات الدقيقة بكرش الأغنام، كما أكدت على أن النتائج مماثلة لما تم الحصول عليها من بحوث الماعز بشان زيادة مادة البروبيونات، وانخفاض نسبة مادة الأسيتات Acetate ، مما كان له الأثر الكبير على زيادة كميات لحوم الأغنام وجودتها والأصواف ونوعيتها، لذا خلُصت هذه الدراسات إلى أن هناك زيادة واضحة في الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية(12)، كما تبين في بحوث أخرى أن التغذية على هذا الطحين يقاوم ديدان Paramphistomum في كرش الأغنام، مما ينعكس على حالتها الصحية العامة(13).
وكشأن المجترات الصغيرة، تأكد علمياً أن إضافة طحين بذور الحبة السوداء إلى علائق الجاموس (كمجترات كبيرة) يؤدى إلى تأثير ملحوظ على معدل التحول والتمثيل الغذائي بها، ثم على الأداء التناسلي والإنتاجي المتمثل في زيادة كمية وجودة لحومها(14).
الدواجن.. و"أنفلونزا الطيور"
بإضافة مطحون الحبة السوداء إلى علف الدواجن بنسب 500، 1000، 2000 جزء في المليون خلال الفترة من عمر يوم ـ35 يوما،ً وُجد أن الطيور الصغيرة قد اكتسبت مناعة كبيرة ضد مرض الكوكسيديا ( يسبب إسهالا ونفوقاً كبيراً في الدواجن)، كما تحسنت مناعتها عبر زيادة كريات الدم البيضاء والجلوبيولين في بلازما الدم، مما انعكس في نهاية التجارب على قلة معدل النفوق، وزيادة معدل أوزان الدجاج في هذه المرحلة العمرية الهامة(15). ومما هو جدير بالذكر أن رفع مناعة الطيور وإمدادها بأعلاف ذات عناصر طبيعية، وليست من مصادر حيوانية يقيها من "أنفلونزا الطيور" .. ذلك المرض المخيف الذي يلقى بظلاله على العالم في الوقت الراهن لإحداثه العديد من الوفيات البشرية، فضلا عن الخسائر الاقتصادية الهائلة (16).
وفي بحوث أخرى تبين الأثر الملحوظ لتغذية الدجاج البالغ على معدل وضع البيض (17). ولقد تأثرت معدلات الأحماض الأمينية، ومعدل التمثيل الغذائي في البط البكينى تأثراً إيجابيا بالتغذية على طحين الحبة السوداء (18)، بينما كانت القيمة الغذائية له كمنشط فعال لنمو الأرانب وأدائها التناسلي ـ وبخاصة تحت ظروف الصيف في مصر ـ موضع اهتمام علمي كبير(19).
ولها أهميتها في تحضير اللقاحات البيطرية
لخاصيتها المنشطة للمناعة تستخدم زيوتها كمادة ُيستحضر عليها لقاحات بيطرية تتميز بجودتها العالية وكفاءتها المضادة لبعض الأمراض المعدية في الدواجن (20). وعلى الإجمال ينصح العلماء والباحثون (21) بالتوسع في زراعة الحبة السوداء.
مجمل القول: أجمعت النتائج العلمية على أن الفوائد الطبية للحبة السوداء لا تقتصر فقط على صحة الإنسان، بل تتعداها إلى صحة الحيوان، فطحينها يمكن استخدامه كإضافات علائق هامة ومفيدة كمصدر يمد الحيوانات والدواجن بما تحتاجه من الطاقة والبروتين، كما يحسن حالتها العامة والمناعية المقاومة للأمراض (وبخاصة أنفلونزا الطيور)، ويسهم بفاعلية في تحسين عمليات التمثيل الغذائي، ووظائف الجهاز الهضمي والدموي، مما ينعكس في نهاية الأمر على إنتاجياتها من النسل واللحوم والألبان والجلود والصوف والشعر والريش والبيض وغيرها من المنتجات الحيوانية ذات الأهمية الاقتصادية. ولهذه القيمة الطبية والاقتصادية الكبيرة، وبديلاً عن محاصيل أخرى أقل قيمةً وعائداً.. تعد الـ"شفاءً من كل داء" معبر لتنمية اقتصادية في وقت تعانى فيه الثروة الحيوانية من أزمات كبيرة في توفير العلائق الحيوانية الصحية والآمنة من المخاطر، فهل من عودة إلى الفطرة التي فطر الله الكون والناس عليها؟