بسم الله الرحمن الرحيم
أخواني نعم لقد رأيت وجلست مع رجل ميت وهو يمشي على قدميه وقبل أن اذكر لكم قصته بالتفصيل أريد أن أقدم بهذه الأسطر.
أخواني اعلموا أن الطاعات لازمه لحياة قلب العبد لزوم الطعام والشراب لحياة الجسد، والمعاصي يا إخوان بمثابة الأطعمة المسمومة التي تفسد القلب كما تفسد الأطعمة المسمومة الجسد وقد تميته، وكما يأخذ العبد الأسباب لحياة جسده من المداومة على تناول الأغذية النافعة في أوقات متقاربة، وإذا تبين انه تناول طعاماً فاسداً عن طريق الخطأ أسرع بتخليص نفسه منه. فحياة قلب العبد أولى بالاهتمام من جسده، وهذا لا يعني أن نترك الجسد يمرض ولا نبحث له عن علاج، ولكن كل ما أريد أن أقوله لكم، أننا نهتم بعلاج الجسد فقط، بل يجب علينا الاهتمام بعلاج القلب على قدم المساواة مع الجسد.
فلذا يا إخواني و أخواتي سوف أتكلم في هذه الأسطر عن كيف نقي قلوبنا أو نعالجها إن كانت مصابة لا قدر الله بمرض خطير انتشر انتشاراً ملفتاً للنظر في هذه الأيام في كثير من قلوب امة محمد - صلى الله عليه وسلم - مع انه - صلى الله عليه وسلم - ما مات إلا وقد وصف أساليب الوقاية منه وما مات - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد وضع العلاج الناجع له.
هذا المرض انتشر كما ذكرت انتشاراً خطيراً وإنني لأعجب من أن الناس يخشون انتشار أمراض الجسد فيأخذون الحيطة والحذر وبذل الجهود للوقاية منها وينسون – إلا من رحم ربي - الوقاية والحيطة من انتشار أمراض القلوب، إن مرض الجسد يؤثر على صاحبه وان تعدى أثره على مجموعة محدودة من البشر، ولكن أمراض القلوب ""وخاصة هذا المرض الذي سأتكلم عنه في الأسطر التالية" تؤثر إذا انتشرت على الأمة بكاملها، وتؤدي إلى الغمة ونستحق بذلك من الله النقمة.
هذا المرض إخواني يبدأ بالقلب بورم سرطاني حميد، ولكن سرعان ما ينقلب إلى خبيث ينتشر في جميع أجزاء القلب حتى يسيطر عليه فيميته، وأنني يا إخواني وأخواتي أتعجب من أولئك الذين يبكون على من مات قلبه إن لم تتداركه رحمة ربي وخرجت روحه قبل أن يحيا قلبه فهو في خطر عظيم وقد يكون مآله إلى عذاب اليم
والسؤال ما هو هذا المرض الذي قدمت له بهذه المقدمة الطويلة؟
وما هي أعراضه؟
وكيف الوقاية منه والعلاج؟
هذا المرض يا إخواني وأخواتي هو مرض العصر هـو (الحســـــد)، ولكن هل معقول إن (الحسد) يميت القلب هذا ما سوف اسطره لكم لاحقاً في هذه السطور، وسؤالي الآن كيف تعرف انك مصاب بهذا المرض؟ تعرف انك مصاب بهذا المرض إذا كان أكثر من واحد من هذه الأعراض فيك:
1- إيمانك بالقدر خيرة وشره فيه خلل.
2- صاحب غيبة ونميمة وكذب.
3- تحب لنفسك مالا تحبه لغيرك.
4- التدخل وحب معرفة أخبار الناس.
5- بعيداً عن الأذكار والقرآن.
6- السرور بمصائب الغير.
7- الانزعاج من نجاح الآخرين.
8- التعامل بالسحر والشعوذة.
هذا جزء من أعراضه وهذا المرض العجيب يجعل صاحبه من النار قريب، فهذا المرض قد يؤدي بصاحبه إلى الشرك ويكفر صاحبه بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، إن الذي امتلاء قلبه حسداً قد يعميه أو يعميها عن الطريق المستقيم الذي رسمه محمد - صلى الله عليه وسلم - ويجره إلى طرق الشيطان والجن، فيقوم وهو لا يعلم انه كفر بما انزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - يقوم بسحر من يحسدهم ويحقد عليهم – عجيب أمر هذا المرض إن الحسد يبدأ وكأنه سرطان حميد يقلق صاحبه بالغيبة والنميمة والكذب وغيره من الأعراض ولكن هذا الورم الحميد شأنه أي ورم حميد قد يتحول إلى سرطان خبيث سريع الانتشار بأكل كل خليه فيها خير في قلب صاحبه ويستبدل خلايا القلب التي امتلأت خيراً بخلايا سرطانية خبيثة شيطانيه فينقلب القلب من قلب مريض بسرطان حميد إلى سرطان خبيث يميت القلب.
إذا ما العلاج؟
والعلاج يا أخواني هو ما يلي:
1- الذكر وأفضل الذكر الصلاة وفي وقتها فربي يقول"إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"الآية.
2- الالتزام بالنوافل فإن ربي يقول في الحديث القدسي"ما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه.. الخ"فرجل أو امرأة يحبه الله لا يمكن أن يكون هناك مكان في قلبه إلى حقد وحسد وعليك بالأذكار صباحاً ومساءاً وكل وقت فان ربي يقول"ألا بذكر الله تطمئن القلوب" الآية فإذا اطمئن القلب شكر وابتعد عن الحقد والحسد.
3- الإكثار من الاستغفار فهو علاج لكل أمة فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: "من لزم الاستغفار وكان له من كل حزن مخرجا، ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب" ومن أعظم الرزق أن ترزق قلبا سليماً مطمئناً.
4- الإيمان بالقدر خيره وشره وللتطبيق الفعلي العملي لحديثه - صلى الله عليه وسلم - المشهور والذي نقوله بعد كل صلاة"لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" انتهى، والله لو طبقنا هذا الحديث تطبيقاً تاماً كما امرنا به محمد - صلى الله عليه وسلم - لما كان للغل مكاناً في قلوبنا.
5- أن نحب للناس ما نحب لأنفسنا وليس هذا فقط ولكن يا أخوان يجب أن نعود أنفسنا أن نفرح فرحاً حقيقياً لنجاحات غيرنا وإن كان لابد من الغيرة فيجب أن تكون غيرة ايجابية تدفعنا إلى النجاح مثله ولكن لا نتمنى الفشل له أو نحقد عليه أو نقلل من نجاحه ومن التجربة يا إخواني انه إذا أصابك شيء من الغل على أخ أو صديق لنجاح ما كان له، فإذا وجدت في قلبك شيء من الغل فردد قوله - تعالى -"ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا" الآية فقد جربتها وجربها كثير من الإخوان فوجدنا بأمر الله وتوفيقه إن الغل الذي في القلب انقلب إلى طمأنينة و رضى وتفاؤل وحب لنجاح غيرنا.
إخواني لماذا كتبت ما كتبت؟ لقد كتبت ما كتبت لأمرين:
الأمر الأول: أن الحقد والحسد تفشى في مجتمعنا واضر بكثير من أفراد المجتمع وان الحقد والحسد قد يكون سبباً في الإخلاد في النار إذا انتهى بصاحبه إلى السحر والشعوذة.
أما الأمر الثاني فإنني قد رأيت رجلاً ميت يمشي على قدميه فسألته ما هو سبب موتك؟ قال: قصتي عجيبة، فأنا كنت رجلاً مسلماً متزن أحافظ على صلواتي أصوم باراً بوالدي إلى أن أحببت واحده عندما رأيتها لأول مره حاولت أن أكلمها بالتلفون وبعد محاولات عديدة استطعت فتعلقت بها أكثر تيقنت أني سوف أموت إن لم أتزوجها، فعلاً تقدمت لخطبتها فرفض والدها ثم إخوانها بشدة لأسباب كثيرة، حاولت مراراً وسطت كثيراً لا فائدة، خطبت المرآة من غيري فوافق أهلها حددوا يوم الزواج، جن جنوني امتلأ غيرة سرعان ما انقلب إلى غل ثم حقد وحسد عزمت على الانتقام لنفسي ماذا اعمل؟ قلبي الذي امتلأ حقد وحسداً قادني إلى رجل ولكن بئس الرجل، رجلاً شيطاني يسر لي الأمر وسهل لي الصعب وفهمني أن الأمر أبسط من ما أتوقع وانه يستطيع أن يجعل حبيبتي لي لوحدي، بأمر بسيط وهو العطف، لا افهم العطف هذا، العطف أن تجعل حبيبتك لك ولا يستطيع أحداً غيرك يمسها قلت إذا كان الأمر كذلك فاعطفها، نعم عطفها على مصطلح المشعوذين ولكنه في الواقع سحرها وكفر بما انزل على محمد، والنتيجة أنني دمرت البنت ودمرت قلبي إلى أن مات فتركت الصلاة والصيام وأصبحت امشي على قدمي، أريد حلاً لا أريد أن تخرج روحي وقلبي ميت هكذا، كيف يحيا قلبي يا دكتور؟
وبعد ما ذكرت له ما ذكرت من أسباب حياة القلوب سألت نفسي كم واحد مثله ميت يمشي على قدميه؟
يا أخواني أن الحياة الحقيقية هي حياة القلوب، فإذا ماتت القلوب انعدمت الحياة حتى لو كان الإنسان يتنفس ويمشي.
أخواني في هذه الحياة الدنيا تجد المنافسة والغيرة والغبطة وهذه امور إيجابيه تساعد على الانتاجيه وتحسين مستوى الإنتاج وتغيير الأمة بشكل عام،
ولكن السؤال كم منا يستطيع أن يضبط مشاعره وأحاسيسه وجوارحه لتكون الغيرة والغبطة وحب التنافس في طريقها الايجابي البناء. وكيف نحافظ على السير في هذا الطريق؟ الذي يحتاج منا يا إخوان إلى صبر ومصابرة ومرابطة ولكن النتيجة بأمر الله إننا نحافظ على قلوبنا حيه قلوب سليمة، مليئة بالإيمان.
يا إخوان ونحن على هذا الطريق السليم ونمشي بهذا القلب السليم بأمر الله من كل حقد وحسد. لابد أن يعترينا ما يعترينا من غيره وغبطه وحب تنافس والتي قد تتحول في أحيان بسيطة حتى ولو كانت حديث نفس.
يجب أن لا ننسى أننا بشر وإيماننا ينقص ويزيد.
أخواني عندما أرى نجاحاً قد أتمناه لي وقد يتعدى هذا أن النفس قد تحسد ولكن وان حدث مثل هذا يجب أن لا يتعدى كونه حديث نفس لدقائق معدودة وإن كثر ثم يقطع ولمدة ثواني.
حديث النفس هذا بالتعوذ من الشيطان والاستغفار وترديد الآية كما قال - تعالى -: "ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا" الآية رددها إلى أن يتجلى ما في قلبك.
إخواني وأخواتي يجب أن نحارب هذا المرض ونجتهد في محاربته ونجتهد أيضا أن نبذل جميع السبل التي تعيننا من الوقوع فيه.
إخواني وأخواتي عندما تقسوا القلوب لبعد عن الطاعات وكثرة الذنوب تمرض وعندما تمرض قد تموت، ومن مات قلبه قبل أن يموت جسده فقد هلك فلنحرص يا إخواني أن لا تموت قلوبنا قبل أجسادنا.
إخواني: سؤالاً اختم به هذه الأسطر كم منا يبادر إلى علاج قلبه إذا مرض بسبب معصية من المعاصي؟
كم منا يبادر بعلاج قلبه بالتوبة والندم؟
إخواني وأخواتي: إذا كانت حياة الجسد تؤهله لمعيشة غير منغصه بالمرض في الدنيا فإن حياة القلوب تؤهله لحياة سعيدة في الدنيا وسعادة غير محدودة في الآخرة.
قال عبدالله ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك المعاصي حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها