يحب الناس خلال فترتي الربيع والشتاء من العام الخروج للنزهة والمبيت خارج البيت وبسبب برودة الجو فقد يلجأ البعض للتدفئة الطبيعية باستخدام الحطب والفحم وغيرها أو للتدفئة التقليدية التي تستخدم مدافئ الكيروسين وقد ينام بعض الناس في السيارة والمحرك يعمل في أماكن سيئة التهوية. وقد ينتج عما سبق غاز سام لا يدركه الكثير من الناس يعرف بأول أكسيد الكربون
(Carbon monoxide CO). وقد تناقلت الصحف المحلية حديثا خبر اختناق ستة أشخاص في أحد مناطق المملكة كانوا يستخدمون الفحم للتدفئة. و غاز أول أكسيد الكربون ينتج عن الاحتراق غير الكامل للمواد الكربونية كما قد ينتج في حال وجود خلل في المدفأة التي تستخدم المواد المشتعلة. ومشكلة هذا الغاز أنه لا لون له ولا طعم ولا رائحة لذلك لا يدرك الشخص العادي وجوده، وعند استنشاقه يصل إلى الدم بصورة تدريجية ويرتبط بالهيموغلوبين الحامل للأكسجين مما ينتج عنه إزاحة الأكجسين من الهيموغلوبين. ومن المعلوم للقارئ أن الهيموغلوبين يحمل الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة حتى تحصل على كفايتها من الأكسجين العامل الأساسي في عملية حرق الطاقة. لذلك فإن أول أكسيد الكربون يقلل من كمية الأكسجين المحمولة للأنسجة كما أنه يمنع انتقال الأكسجين المتبقي في الهيموغلوبين إلى الأنسجة التي تحتاجه. وينتج عما سبق نقص حاد في مستوى الأكسجين في الأنسجة ويسبب أعراض التسمم التي سنتحدث عنها. وأول أكسيد الكربون له قابلية أعلى من الأكسجين للارتباط بالهيموغلوبين بمائتي مرة مما يسرع من عملية الإزاحة والارتباط بالهيموغلوبين والتسمم. ولحسن الحظ أن عملية التسمم بطيئة إلى حد ما وتحتاج من 8-12 ساعة من التعرض للغاز حتى يتشبع الدم به. ولكن الأعراض قد تظهر قبل تشبع الدم، كما أن الوفاة قد تحدث قبل تشبع الدم كذلك. والتسمم بأول أكسيد الكربون من أسباب الوفاة التي يمكن منعها بسهولة في مثل هذه الأوقات من السنة في العالم كله بأخذ الاحتياطات اللازمة. وقد يحدث هذا للشخص وهو نائم ولا يشعر بذلك، لذلك وجب أخذ الحيطة والتنبه لهذا القاتل الصامت. كما أن احتمال التسمم عند الأطفال أكثر من الكبار لأن معدل تنفسهم بالدقيقة أسرع من الكبار مما يزيد من سرعة وصول الغاز للدم ومن ثم التسمم. وقد يستيقظ الشخص بأعراض التسمم ولكن لا يعرف سببها. وهذه الأعراض تشمل الصداع، الضعف العام، التوتر، الغثيان، الخمول، الدوخة، نقص مستوى الوعي و اضطراب دقات القلب. وتخف الأعراض عادة مع مضي وقت النهار حيث يعود الأكسجين تدريجيا مع التهوية لأخذ مكانه الطبيعي في الهيموغلوبين. وإذا اشتكى أي شخص من الأعراض السابقة بعد النوم عند مدفأة تستخدم نظام الحرق والاشتعال فإن احتمال وجود تسمم بأول أكسيد الكربون يظل قائم. وفي دراسة سعودية قام بها د. المعمري ومجموعة من زملائه من مستشفى الحراس الوطني ونشرت عام 2000 في المجلة الطبية السعودية، وجد الباحثون في الدراسة التي أجريت على عينة من الأشخاص الذين نوموا في المستشفى بسبب التسمم بهذا الغاز، أن سبب التسمم كان استخدام الفحم للتدفئة عند 71% من المصابين و كان عادم السيارات السبب الثاني في التسمم بنسبة 21% من المصابين. كما أنه بالإضافة للأعراض الحادة فإن التسمم قد يؤدي لمضاعفات طويلة المدى تصيب الجهاز العصبي المركزي للإنسان وقد يضطر الأطباء لتنويم المريض في وحدة العناية المركزة واستخدام أجهزة التنفس الصناعي. اسأل الله للجميع العافية والسلامة.
أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم