بتـــــاريخ : 11/23/2008 6:21:11 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1108 1


    القيم والأخلاق في الإسلام

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني | المصدر : www.muslema.com

    كلمات مفتاحية  :
    بقلم سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني

    روى مالك بن أنس (رضي الله عنه) في الموطأ، بلغه أن رسول الله قال: ''بعثت لأتمم مكارم الأخلاق''. قال ابن عبد البر في كتابه التجريد: هذا الحديث يتصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره عن النبي ، وقال الزرقاني: رواه أحمد، وقاسم بن أصبغ، والحاكم، والخرائطي، برجال الصحيح عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وفي الجامع الصغير للسيوطي برواية أبي هريرة: ''إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق''، ورمز له بالصحة، وعزاه إلى ابن سعد، والبخاري في الأدب المفرد، والحاكم، والبيهقي في شعب الإيمان، ان رسول الله قال: ''بعثت لأتمم مكارم الأخلاق'' وفي رواية بزيادة، إنما، في أوله زيادة في المبالغة.

    قال ابن عبد البر: يدخل في معنى الحديث، الصلاح والخير كله، والدين والفضل والمروءة، والعدل والإحسان، فبذلك بعث رسول الله ليتممه، وما دام موضوعنا، انطلاقاً من الحديث المذكور، هو القيم والأخلاق في الإسلام، وأثرها في تحقيق المستوى الحضاري للإنسان، فلا بد لنا أولاً من تعريف كلمة القيم، وكلمة الأخلاق ثم نذكر أمثلة لهذه القيم والأخلاق في الإسلام، ثم نخلص بالنتيجة الى بيان أثر هذه القيم، وهذه الأخلاق في تحقيق المستوى الحضاري للإنسان.

    والمقصود بالأخلاق هنا، القواعد المحسنة لسلوك الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذه الدنيا، وهي السعادة النفسية، والطمأنينة القلبية، والحياة الآمنة، والعيشة الراضية، في حياتيه: الدنيا والآخرة، والعاجلة والآجلة.
    والمقصود بالقيم أيضاً تلك القواعد والمقاييس المحسنة والمنظمة لسلوك الإنسان، ويطلق عليها كلمة القيم، لما لها من قيمة كبرى في تربية الإنسان على مكارم الأخلاق وتهذيب سلوكه، وهي بهذا المعنى تقترب من الدلالة على نفس كلمة الاخلاق في هذا المجال.

    وعند التحقيق نجد ان هناك مقابلة في اللفظ والمعنى بين كلمة الخلْق، وكلمة الخلُق في الإسلام، فكلمة الخلْق تعبر عن صورة الإنسان الظاهرة في شكله وهيئته ودقائق تكوينه، وهو معنى قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}. وكلمة الخلُق تعبر عن صورة الإنسان الباطنة، وهي هيئة راسخة في النفس، تصدر عنها أفعال الإنسان، وهو معنى قوله تعالى: {إن هذا إلا خلق الأولين}. وهذه الصورة الباطنة للإنسان، وإن كانت في أصلها فطرة وطبيعة وسجية، إلا أنها تتأثر بالتلقين، وبالتربية والتقويم، وهو معنى قوله : ''كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه''.
    والقرآن الكريم لا ينظر الى النفس الإنسانية على أنها شريرة في اصلها، ولا على أنها فاسدة بل على أنها مخلوقة على فطرة نقية صافية، وهو معنى قوله تعالى: }فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون{.

    لقد علمنا القرآن الكريم أن النفس الإنسانية قد تلقت في تكوينها الفطري الأول الإحساس بمعنى الخير والشر، فهي تعرف معنى الاحساس بالخير كما تعرف معنى الإحساس بالشر، وهي قابلة للتزكية والارتفاع كما هي قابلة للهبوط والفشل. وقد علمنا القرآن أن الإنسان قادر على أن يزكي نفسه ويحكم أهواءه، وهو معنى قوله تعالى: }ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها{، وهو معنى قوله تعالى أيضاً: {ألم نجعل له عينين، ولسانا وشفتين، وهديناه النجدين، فلا اقتحم العقبة}.

    وإذا لم يكن كل الناس يمارسون هذا التأثير في نفوسهم وعلى سلوكهم فإن منهم من فعل ذلك، ويعمل على إصلاح سريرته وباطنه، وهو معنى قوله تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى}. وهذا يدلنا على أن في داخل الإنسان قوة باطنة، لا تقتصر على نصحه وهدايته فحسب، بل تحفزه بقناعة وطمأنينة، ليفعل أو لا يفعل، وتلك القوة التي في داخله وضميره، التي تأمره وتنهاه، هي الجانب الوضيء في داخل النفس، وهو معنى قوله : ''إذا أراد الله بعبده خيراً جعل له واعظاً من نفسه، يأمره وينهاه''. وهو أيضاً معنى قوله تعالى في الجانب المقابل من السلوك السلبي }أم تأمرهم أحلامهم بهذا، أم هم قوم طاغون{. وهذا يدلنا على حاجة الإنسان دائماً إلى القيم والقواعد الخلُقية ليزكي بها نفسه، ويصلح بها سريرته.

    والإسلام لا يفرض القيم الخلُقية على السلوك الظاهري للإنسان فحسب، بل يفرضها على السلوك الباطني للإنسان أيضاً، لأن الإنسان في حقيقته ظاهر محسوس، وباطن غير محسوس، وأهمية باطن الإنسان في الإسلام لا تقل أهمية عن ظاهره، بل أن ظاهر الإنسان ما هو إلا ترجمة وانعكاس لباطنه، ولهذا تركزت القيم والقواعد الخلقية في الإسلام على باطن الإنسان وسريرته ودخائل نفسه، لأنه إذا صلح باطن الإنسان واستقامت نيته وسريرته صلح ظاهره واستقام سلوكه، وهو معنى قوله : ''ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب''.

    لقد ربط الإسلام بين الأخلاق والإيمان ونتائج الأعمال بل وجعل الكمالات الخلُقية من مكملات الإيمان،وعلامة على حسن الإسلام، ونيل رفيع الدرجات عند الله في الثواب وفي ميزان الأعمال. وقد رغب الإسلام في تأسيس الأخلاق في المجتمع، بداية من الأسرة، فقال النبي : ''أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لأهله''.

    وفي رواية للبيهقي: ''وخياركم خياركم لنسائهم''. وفي تربية الأولاد على مكارم الأخلاق قال النبي : ''أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم'' وفي الأخلاق العامة، قال النبي : ''ان الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً''. وفي أثر الأخلاق في نيل رفيع الدرجات في الثواب، وفي ميزان الأعمال، قال : ''ما من شيء اثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذئ''. وقال : ''ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: ''تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك''. وقال أيضاً: ''إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار''، وقال يوماً لأصحابه: ''ألا اخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: أحسنكم خلقاً''.
    وكان النبي يدعو ربه دائماً ويقول: ''اللهم كما حسنت خلْقي فحسن خلُقي، وحرم وجهي على النار''. ولذلك وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بقوله المبين: }وإنك لعلى خلق عظيم).

    إن علينا في مجال تأسيس الأخلاق في الأسرة والمجتمع أن نسلم بداهة بأن الله الذي خلق النفس الإنسانية،وأودعها في هذا الجسد الأرضي هو أعلم بها وبمايصلحها، وبما يصلح لها في هذه الدنيا، وهو القائل عز وجل في القرآن الكريم: {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ انتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}.

    وعلينا في هذا المجال أيضاً أن لا ننسى العهد والميثاق والعقد الفطري الذي أخذه الله علينا جميعاً يوم خلق الله الأرواح كلها، وجمعها في عالم الذر، وهي يومئذ ذرات ونسمات وخاطبها فأجابت، وأشهدها على أنفسها فشهدت بأنه هو الله ربها، وقد أخذ الله عليها هذا العهد يوم ذلك، كي لا تغفل في هذه الدنيا عن ربها الذي خلقها فأحسن خلقها، ولتعمل على مقتضى أمره ونهيه، وكي لا تتأثر يوم القيامة بتأثير المبطلين عليها في هذه الدنيا.

    وقد ذكرنا الله في القرآن الكريم بهذا العقد الفطري، وبهذا العهد والميثاق، فقال عز وجل: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون}.

    وقد علمنا القرآن الكريم فوق ذلك أيضاً ان النفس الإنسانية تصير نفساً أمارة، أو نفساً لوامة، أو نفساً مطمئنة، بحسب عملها وسلوكها وتفكيرها، فتصير أمارة بالسوء عند غفلتها عن أمر ربها. وهو بمعنى قوله تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء، إلا ما رحم ربي}، وتصير لوامة عند التذكرة والندم والتوبة، وهو معنى قوله تعالى: {ولا أقسم بالنفس اللوامة، أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه؟}، وتصير مطمئنة عند التقوى والاستقامة، وهو معنى قوله تعالى: {يا أيها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.

    وقد بين لنا القرآن أصناف الناس ومنازلهم ومراتبهم بحسب سلوكهم وتفكيرهم، فقال تعالى في القرآن الكريم: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير}. فالظالم لنفسه، من أهمل فطرته على الخير ونمى استعدادها للشر، والمقتصد من جمع بين الخير والشر، واستويا عنده في الفعل، والسابق بالخيرات من هذب فطرته بالفضائل ونمى استعدادها للخير، وكان في طاعة الله عز وجل.

    وكفى بالأخلاق قيمة ومكانة في الإسلام، وفي تصويب سلوك الإنسان أن النبي قال: ''إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق'' وكفى بالأخلاق قيمة ومكانة في الإسلام، وفي تصويب سلوك الإنسان أن الله عز وجل حين وصف رسوله محمداً وأثنى عليه في القرآن، وصفه وأثنى عليه بالخلق العظيم، فقال عز وجل: {وإنك لعلى خلق عظيم}، ولم يكن خلقه إلا تطبيقاً عملياً لما في القرآن من آداب وأخلاق وكمالات، ولهذا لما سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله تعالى عنها) عن خلق رسول الله قالت: ''كان خلقه القرآن''، ثم أردفت قائلة لسائلها: أما تقرأ قول الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}، يقول صاحب العقد الفريد: إن الله نظم لمحمد الأخلاق كلها في ثلاث كلمات بقوله تعالى: }خذ العفو، وامر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين{. ففي أخذه بالعفو صلة من قطعه، والصفح عمن ظلمه، وفي الأمر بالعرف تقوى الله تعالى، وهي منبع كل خير، وغض الطرف عن المحارم، وصون اللسان عن الكذب، وفي الإعراض عن الجاهلين تنزيه النفس عن مماراة السفيه، ومنازعة اللجوج، ثم يقول صاحب العقد الفريد بعد ذلك: وقد أخذ النبي بهذه الأخلاق من القرآن، فكان مثالاً أعلى لها، وعمل على أن تكون هي أخلاق أمته وآدابها في سلوكها، ولذا كان من حديثه انه قال: ''أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها، أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وان يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرا''.وهذه أيضاً بعض قيم وقواعد الأخلاق والسلوك في القرآن، ومثلها في السنة النبوية أيضاً كثير وكثير، نسوقها للتذكير بأن غنى الإسلام وثراءه في ميدان القيم والأخلاق كبير.

    يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: }قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا، وبالوالدين احسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، ولا تقربوا ما اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفساً إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا، ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون، وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).

    ويقول الله تعالى أيضاً: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا، ربكم أعلم بما في نفوسكم، إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا، وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا، وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط، فتقعد ملوما محسورا، إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا، ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خطئاً كبيرا، ولا تقربوا الزنى، إنه كان فاحشة وساء سبيلا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل، إنه كان منصورا، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولا، واوفوا الكيل إذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ذلك خير وأحسن تأويلا، ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا، ولا تمش في الارض مرحا، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا، كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها، ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة، ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا}.

    فإن قيم الأخلاق وقواعدها في الإسلام كثيرة، وهي تتناول بالتأسيس والرعاية كل مجال من حياة الانسان الخاصة والعامة، فقيمة الإيمان وهي أصل كل قيمة، وقيمة العقل وقيمة العلم، وقيمة التفوق بلا استعلاء، وقيمة الصدق، وقيمة الإخلاص، وقيمة الأمانة، وقيمة العهد والوعد والميثاق، وقيمة الوفاء، وقيمة التعاون، وقيمة الإيثار، وقيمة العدل، وقيمة الحرية، وقيمة المساواة، وقيمة العفو، وقيمة الإحسان، وقيمة الشورى، وقيمة القوة، وقيمة الصبر، وقيمة الحلم، وقيمة الصفح، وقيمة الرحمة، وقيمة الجود والكرم، وقيمة النظافة والتجمل، وقيمة الحياء، وقيمة إماطة الأذى، وقيمة دفع الضرر، وقيمة بر الوالدين، وقيمة المعاشرة بالمعروف بين الزوجين، وقيمة الأخوة، وقيمة صلة الرحم، وغيرها من قيم الأخلاق في الإسلام كثير وكثير. إذا أخذنا بها وتطلعنا الى المستقبل بعز، وثقة بالله عز وجل، وسرنا قدما الى الامام في كل مجال، كنا خير أمة اخرجت للناس، وأفدنا أنفسنا، وأفدنا العالم بما في رسالة الإسلام من قيم وأخلاق.

    إن القيم والأخلاق التي جاء بها الإسلام هي التي تحقق المستوى الحضاري الرفيع للإنسان، وهي التي تجعل الإنسان بالأخلاق إنساناً متفوقا بلا استعلاء، ودون أن يظلم أحدا من الناس، وقد كانت حضارة الإسلام ولا زالت حضارة قائمة على القيم والأخلاق، والرحمة بين الناس، فكانت فتحا للقلوب، ونشراً للتراحم، وكانت بذلك حضارة متميزة في تاريخ البشرية كلها، مما جعل مؤرخا فرنسيا في علوم الحضارة وهو غوستاف لوبون يقول بكل تجرد وإنصاف: ''ما عرف العالم فاتحاً أرحم من العرب''، ويشهد لذلك كله قول سيدنا جعفر ابن أبي طالب (رضي الله عنه) في جوابه للنجاشي، حين سأله النجاشي ملك الحبشة يوم ذاك قائلاً: ما هذا الدين الذي فارقتم به قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل، فأجابه سيدنا جعفر ابن أبي طالب (رضي الله عنه): أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيئ الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا الى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، إلى آخر ما ذكره سيدنا جعفر ابن أبي طالب (رضي الله عنه) في هذا الجواب.

    وهكذا نرى، أن الأمة التي كانت تسودها أخلاق الجاهلية، فيأكل القوي منها الضعيف، وتتناحر فيما بينها، قد ارتقت بأخلاق الإسلام الى مستوى رفيع من الوحدة والتضامن، والإيثار والتضحية، والعدل والأخوة والمساواة، وقد أصبحت في مستوى حضاري يليق بها كخير أمة أخرجت للناس.
    أما الحضارة المادية الحديثة اليوم، وحضارة القوة في العالم، فقد اختلت لديها مقاييس القيم، وموازين الأخلاق في أكثر من مجال، فكان من نتائج ذلك ما نشاهده اليوم من ظلم وتحلل، واعتداء على حقوق الإنسان في أكثر من مكان وعندما تبتعد الحضارات عن القيم والأخلاق، وتعتمد على ماديتها وبريقها، وقوتها ووأنانيتها، سرعان ما تصير الى ما صارت إليه الحضارات المادية المعاصرة اليوم، وفيما نرى ونسمع ونشاهد، شاهد حي على ما نقول، وما أحسن ما قاله شوقي أمير البيان في هذا المجال:
    وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
    المصدر مجله التقوى


     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()