بتـــــاريخ : 11/22/2008 8:37:47 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 923 0


    تفاصيل

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : شذا برغوث | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة تفاصيل شذا برغوث

     

    بلور غرفتها المعتم لم يستطع إخفاء تفاصيل أنثى تمارس طقوسها الصباحية.‏

    تفاصيلها ألهته عن شرب قهوته التي صارت باردة.‏

    سكون الصباح الدمشقي المجدول بالياسمين، المولع بهديل حمامات الحي الرمادية أنساه برودة فنجانه، فاحتساه جذلان بتفاصيل الصباح والأنثى. جارة أخرى بثوب رقيق تعلق الغسيل على الحبل بحنان.‏

    مذياعه الصغير أعلن عن موعد نشرة الأخبار، استأذن صباحه والياسمين، والأنثى والجارة الرقيقة، وغرق في تفاصيل النشرة.‏

    الأرض المحتلة: انفجارات، تجاوزات، قمع.‏

    العالم: فيضانات، زلازل، جوع، إضراب، إيـدز.‏

    ويتصدر النشرة خبر موت (دودي الفحل العربي) بين ذراعي ديانا.‏

    تتمطى خلف البلور فتمتد مساحاتها وتضيق، ومذياعه ما زال يأتي بأخبار وأخبار، صباحكم سعيد أعزائي المستمعين مع البرنامج الاجتماعي الثقافي الطريف (منكم وإليكم) ويتضمن البرنامج مواداً يرفدنا بها المستمعون أنفسهم وللمصادفة فإن موادنا لهذا اليوم جاءتنا من مستمعات إناث أولاها لهذا اليوم وردتنا من الأخت (س.و) تقول فيها: دفنت رأسي في تلك الصحيفة الأدبية علها تخرجني مما أنا فيه، فلفت انتباهي اسم نسائي لشاعرة سمعت عنها ولم أقرأ لها شيئاً، فقرأت باهتمام القصيدة التي لم أعد أذكر منها حتى عنوانها، قرأت وقرأت فلاحظت أنها طالت حتى تعدت الصفحة الأولى إلى الثانية.‏

    استغربت ذلك فأعدت القراءة ثانية، فتبين لي أن القصيدة انتهت، ودخلت في قصيدة أخرى لشاعر آخر، وقد ظننت العنوان الجديد عنواناً لمقطع إذ لم أفهم شيئاً منذ البداية، ولم يكن هناك وزن ليلفت انتباهي تغيره، فبرزت لي من بين السطور (ربابة) وهي تصب الخل في الزيت ودجاجاتها العشر والديك الحسن الصوت ينقر هذه وينقر تلك ويعيد الكرة.‏

    شكراً لصديقة البرنامج وننتقل لمادة أُخرى من مستمعتنا الدائمة (م) ونحن نوردها لطرافتها.‏

    تقول الأخت (م) في الحافلة أثناء رحلتي الأخيرة إلى دمشق حدثت مفارقات عديدة حتى أن الوقت مر سراعاً لكثرتها، كان آخرها حين التفت زوجي إلى الراكب في الكرسي الذي يليه بانفعال شديد وإن حاول أن يتماسك، وقد كان الراكب قروياً ضخم الجسم عالي الصوت عانينا من حكاياته الكثير.‏

    قال له زوجي محتداً: (ما يجوز يا حجي هذا مو عمل) والظاهر أنه كان يشير له إلى شيء لم أره لأنني لم ألتفت، وكرر عدة مرات (لا... لا... ما إلك حق بالمرة يا حجي).‏

    فاعتذر الرجل عن خطئه إذ تبين أنه كان يرفع قدميه على قاعدة الكرسي من الخلف بحيث تدخل أصابعه من بين القاعدة ومسند الظهر في مكان ممنوع ومُحرجِ، انتفضت سريعاً ما أن عرفت وانفجرت ضاحكة إذ كانت قدمي في الموقع نفسه على كرسي الشاب الذي يجلس أمامي، والمسكين لم يجرؤ على الاعتراض أو التحرك لتنبيهي فحاولت بقية الرحلة ألا يرى وجهي وشكراً.‏

    شكراً للصديقة وننتقل لمادة الأخت (ع.ع) التي تهتم بالناحية الصحية للمجتمع، وتقول في مادتها:‏

    كان ذلك في الأسبوع الماضي يوم ذهبت مع جارتنا إلى المشفى لتلد هناك فتيقنت مما رأيت أننا في عصر للمساواة بين الأُمهات والأطفال والقطط، والحقيقة أنها كانت سياسة عمل جديدة ومجدية للتخلص من آثار الولادة و (الحبال السرية) والعلنية وسرعة العمل، فقد فتح الباب للقطط الضالة لتقوم بالمهمة رأفة ورحمة، وامتداداً لمشروع الرفق بالحيوان لبريجيت باردو إلا أنهم نسوا أن ينبهوا الأهالي إلى الانتباه، لأطفالهم المواليد كي لا تخطفهم القطط الضخمة لوجبة العشاء إذا ما شحت الولادات يوماً نتيجة لتحديد النسل، أما الأطباء فكانوا يتمتعون بروح إنسانية رياضية عالية بحيث تدخل القطط من بين أيديهم ومن خلفهم.‏

    وقد أباحوا لها الدخول لغرف العمليات. ومن يعلم فقد يحتاجونها يوماً لتلعق لهم المشارط والأدوات الطبية إذا نفدت المعقمات، كما تنفد اللوازم الطبية والدوائية دائماً، شكراً للصديقة.‏

    أما الأخت (م. م. م) فجاء في مادتها التي وضعت لها عنوان: (الجمل الطائر).‏

    وتقول فيها: حديثي هنا عن رحلة في الطائرة تورطت بها وذلك بقصد الراحة، واختصار الوقت، واللحاق بنزهة فوق الغيوم، كانت من ضمن مخطط الترفيه الذي وعدت به أولادي في الإجازة فحدث لنا ما حدث وإليكم القصة من لحظة ذهابنا إلى مطار دمشق، وخيبة آمالنا حين أدخلونا نحن (ركاب المحافظات) إلى صالة المطار القديم الخاصة بالبضائع والخالية من الكراسي، فعزّينا أنفسنا بأن انتظارنا لن يطول لركوب الريح فطردنا الغم جانباً وافتعلنا السعادة إلاّ أن الغمّ كان أكثر إصراراً إذ طال انتظارنا وقوفاً أكثر من ساعتين مع برد صباحي لاسع.‏

    بعدها أدخلونا صالة أخرى داخلية فحمدنا اللَّه على احتوائها المقاعد والتي لم نعد بحاجة لها لأن رحيلنا ما قد أزف، إلا أننا اضطررنا للجلوس لأن انتظارنا امتد ساعة أخرى واستمر.‏

    فتلهينا بالحديث والنظر للطائرات الواقفة وبعد دخول الموظفين وخروجهم مئات المرات ومداولاتهم أعلنوا لنا التوجه للطائرة، فنسينا الساعات الثلاث وتدافعنا كي (لا تفوتنا الطائرة)! وأظنكم لن تصدقوا أننا مكثنا ساعة أخرى داخل الطائرة على أرض المطار،‏

    فتحيّنت فرصة مرور المضيف وسألته وقد نفد صبري ما الحكاية، بالله عليك؟ فأجابني وقد أدهشتني غرابة الجواب بأنهم لم يعثروا على الطيار، فدمدمت بحنق دعهم يذيعون عن ضياعه في المساجد، فحملق مستغرباً ولم يعد يمر إلى جانبي إذ يستدير راجعاً قبل وصوله إلي، إلى أن جاء حضرة الطيار وأُغلقت أبواب الطائرة وأذاع المضيف عن ضرورة ربطنا الأحزمة وتمنى لنا رحلة سعيدة من دمشق إلى دير الزور، وتلك كانت وجهتنا، وقبل أن نتنفس الصعداء أكمل جملته (عن طريق القامشلي) ولولا أنه أدار محركات طائرته لتركتها غير آسفة، ولن أزيد في وصف شعورنا بالخيبة والتعاسة ونفاد الصبر.‏

    والمهم أننا قضينا أثناء رحلتنا تلك بين انتظارنا وطيراننا خمس ساعات ونصف الساعة لنصل من دمشق إلى دير الزور، ولم يكن باستطاعتي فعل أي شيء (لأفش خلقي) سوى أن قلت للمضيف الواقف لتوديعنا: شكراً لكم الحقيقة أن جملكم هذا في غاية الروعة فضحك وقال: احمدي الله على سلامة الوصول.‏

    نتمنى للصديقة رحلات قادمة موفقة وننتقل للمادة الأخيرة من الأخت الكوافيرة (ن.أ) والمادة تناسب اختصاصها. تقول الأخت: كان الصف المتأخر من الكراسي الذي أجلس فيه يتيح لي فرصة النظر إلى الرؤوس الكثيرة التي أمامي والتي حركت في خصلتي الرديئة في قراءة الشخصيات من طريقة لباسهم وأحذيتهم وتسريحاتهم، فكانت هذه المرة أنني سأقرأ الشخصيات من صلعاتهم، إذ كان الصف الأمامي وللمصادفة لمجموعة من الرجال الصلع، فكانت الأولى على شكل مثلث منفرج رأسه من الأسفل، والأخرى كأنما رسمت بفرجار على شكل دائرة، وإن حاول صاحبها تغطية القسم الأعلى منها بشعيرات استدانها من جنب رأسه الأيسر، أما الثالث فكانت صلعته كبيرة ومربكة بالنسبة له فهي تمتد من الخلف إلى الأمام فاعتمد المسكين خريطة صعبة التنفيذ لتغطيتها فجاء بخصلة من الجنب الأيمن السفلي ولفها إلى الخلف وألصقها بعناية، وخصلة أخرى من الجانب الأيسر العلوي وصعد بها إلى القمة مستديراً إلى يمين جبهته ليشكل منها غرة، وأيضاً الصقها بعناية، لكنه كان دائم القلق من أن يضعف التعرق مادتها اللاصقة فكان يمسدها بيده في تناوب بين الخصلة اليمنى الخلفية والخصلة اليسرى العلوية، فتساءلت هل يركز على المحاضرة أم على خريطة صلعته، وتذكرت (الصلعات البحرية) وهو اصطلاح أطلقته على السابحين في البحر من ذوي الصلعات إذ عجزت حيلهم في التلصيق والتدبيق أمام صراحة البحر فكانت الخصل الطويلة تترك صلعاتهم المملحة لامعة وتنزل إلى أكتافهم فتجعل أشكالهم كوميديّة، مما أوحى إلي بتأليف كتاب خاص بهم، ويتضمن نصائح وتسريحات تناسب وضعهم، ومحاولة إقناعهم بأن (الصدق أنجى) أو فليرجعوا إلى اللباس العربي أو التركي أو الباكستاني (ولا من شاف ولا من دري).‏

    فاتني أن أقول لكم: بأني سأسمي الكتاب (الصلَع حقيقة ووضوح) وستكون صورة الغلاف لامرأة تقبل صلعة زوجها اللامعة سعيدة به.‏

    هذه المرة لم تشكر المذيعة الأخت الكوافيرة!!‏

    لأن فنجان القهوة سقط من يدي فأفقت من شرودي، وخلت الغرفة من الميكروفونات والمهندسين، ووجدتني وحدي وأمامي أوراقي إذ كنت قد بدأت منذ ساعات بكتابة قصة فشطحت يميناً ويساراً وجنوباً وشمالاً.‏

    الشمس العالية والياسمين نائم، وعربة الغاز تملأ الدنيا ضجيجاً، والأنثى صاحبة التفاصيل قد فتحت نافذتها لتنفض عنها غبار الأيام، والحمامات ابتعدت وأنا يجب أن أترك أوراقي مبعثرة لأن الساعة تجاوزت الواحدة ظهراً، وعند حلول موعد الطعام لن يجدي تقبيل الصلعات ولا خلافه

    كلمات مفتاحية  :
    قصة تفاصيل شذا برغوث

    تعليقات الزوار ()