بتـــــاريخ : 11/22/2008 8:04:23 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1125 0


    عاشقة العصافير

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : علي عبد الأمير صالح | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    الشمس فوق رأسها تماماً كرة من نار والهواء الساخن يصفع وجهها الجميل. كانت تقفز فوق الصخور وتتطلع إلى النهر بينما كانت ضفيرتها تتأرجح مغمورةً بين كتفيها وظهرها وقد شدتْ بشريط أخضر.‏

    مسحتْ حبات العرق المتلألئة فوق جبينها وصدغيها ثم مررت أصابعها فوق ثوبها البنفسجي. تنفستْ رائحة الجرف الآسن ثم توقفتْ قرب طفل رفع ثوبه إلى الركبتين. صاحت بصوت رقيق: "هل تصطاد السمك؟" كانت عيناه بلون اللوز وشعره أسود فاحماً. التفت إليها وابتسم ببرود. "الأسماك الصغيرة" أوغلت في الماء وصعدت إلى الصخرة حتى أصبحتْ لصقة. سحب (الشبكة) إليه فلمحتْ الأسماك الصغيرة تقفز وتتلوى بعد أن وقعت في الشرك.‏

    "إنها صغيرة جداً، ماذا تصنع بها؟" سألته فيما كانت تنظر بلهفة إلى الأسماك. "أضعها في الماء وفي علبة زجاجية قرب سريري وأظل أحدق فيها حتى أغفو". وقفز إلى الجرف ثم أفرغ الأسماك في علبة معدنية علاها الصدأ.‏

    وسألته:‏

    -هل تعرف السباحة؟‏

    -نعم.‏

    -هل يغرق الأطفال في الصيف؟‏

    -نعم. والدتي تقول بأن ثمة سعلاة ترتدي ثوباً أسود تظهر في الصيف وتلتقط الأطفال وتعود ثانية إلى الماء!!‏

    في الضفة الأخرى ظهرت مخلوقات سود ثم بدأت تدخل الماء- حمل العلبة وسار فوق الرمل فيما سارت هي إلى جنبه. سألها:‏

    -أين بيتكم؟‏

    -بيت خالتي في الزقاق الثاني!‏

    كانت عيونهما تجول فوق الرمل وقد لمحا عصفوراً ميتاً ممدداً على ظهره وقد سال الدم أحمر قانياً فوق صدره. حملته بين أصابعها وأرسلت آهةً مخنوقة.‏

    -آه، لقد مات!‏

    حملقتْ في عينيه وقد بدتْ مغتمةً ومطعونةً من الداخل.‏

    -هل ترى؟ إنه ما زال صغيراً.‏

    -نعم. ربما قتل لأول مرة يجرب فيها الطيران.‏

    أمسكتْ جنحيه، وحركته في الهواء.‏

    -كان يطير هكذا.. هكذا..‏

    -ربما لو تأخرنا قليلاً لكان القط قد انقض عليه والتهمه.‏

    كان العصفور بين أصابعها صامتاً حزيناً.‏

    -ربما لو لم يمتْ لكان قد بنى عشه فوق أغصان سدرتنا.‏

    -في منزلكم توجد سدرة؟‏

    -في بيت خالتي.. خالتي حبلى وتقول إنها ستنجب طفلاً جميلاً.‏

    -هل تمسكين بالعصافير فوق السدرة؟‏

    -لا، إنها تطير، تطير... لكنني أحبها.. أحبها.. وأتأملها وهي تشرب الماء من الحوض الأسمنتي في وسط المنزل.‏

    سارا معاً في الزقاق، لاحتْ أجساد ملفعة بالسواد تحمل فوق أكتافها سلالاً من الخوص. وقبل أن يدخل الدار قال لها:‏

    -يبدو أنك تحبين العصافير.‏

    -نعم.‏

    امتدت نظراتها إلى قطة صغيرة يجرها طفل حليق الرأس.‏

    -لكن هذا العصفور ميت تماماً فما هو نفعه؟‏

    -أحبه.‏

    -لكنه لا يقدر على الطيران.‏

    -العصافير جميلة. سيلعب مع دميتي الصغيرة.‏

    **‏

    فركت عينيها ومدت ذراعها بحركة آلية، لم يكن العصفور موجوداً.. كانت الدمية ما زالتْ جالسةً فوق البساط الصغير الملون وقد أسبلت أجفانها وفوق شفتيها ارتسمتْ ابتسامة عذبة. انتابها حزن مفاجئ فنهضت الطفلة وقالت للدمية:‏

    -أين العصفور؟ لقد تركته في حجرك ليلاً.‏

    كانت الطفلة الدمية صامتة. صاحت بحدة:‏

    -لماذا لا تجيبين؟ أين العصفور أيتها الملعونة؟ لمن أعطيتيه؟‏

    هزت الطفلة الدمية من كتفيها فتأرجحت واضطجعت على ظهرها فيما ظلت ساقاها معلقتين في الهواء.‏

    -هاه، تتظاهرين بالنوم؟ قولي لي من أخذه منك؟ قلتِ لي ليلاً بأنك تحبين العصفور وسوف تلعبين معه غداً في الصباح.‏

    مدت أصابعها تحت ثوب الدمية وصرختْ من جديد:‏

    -هل أخفيتيه تحت ثيابك؟ أوه غير موجود. حدثيني، هل أخذه القط؟‏

    كانت الدمية مازالت صامتة بينما كانت هي حانقة غاضبة.‏

    **‏

    جلستْ فوق الأريكة قرب خالتها.‏

    -هل دخل القط غرفتي ليلاً؟‏

    -لا أعلم.‏

    -بالأمس كان العصفور في غرفتي واليوم عندما أفقتُ من النوم لم يكن موجوداً.‏

    قالت الخالة:‏

    -يا بنت! العصفور طار.. هرب من النافذة.‏

    قالت:‏

    -لكنه لا يستطيع الطيران.‏

    -كيف؟‏

    -كان ميتاً، عثرت عليه قرب النهر.‏

    -وهل حملتيه إلى المنزل؟‏

    -نعم، في الليل كان في حضن الدمية. كان يزقزق بصوت شجي فيما قامت الدمية وجعلتْ ترقص بفرح..‏

    - يا بنت! العصافير لا تزقزق ليلاً.. إنه ميت.. ميت تماماً.‏

    - لكنني والله سمعته.. والدمية نفسها كانت ترقص بثوبها الوردي.‏

    - صاحت الخالة بحنق:‏

    - كفى.. كفى!‏

    **‏

    مدت رأسها تحت سرير النوم، وأخذت تتلمس البلاط. رائحة التراب بدأت تنفذ إلى أنفها وأوشكت أن تختنق.‏

    -آه.. لماذا تحب أن تمازحني.. لماذا تختفي يا عزيزي؟!‏

    لامست أصابعها ريشات جسده الناعمة فخرجت من السرير واصطدم رأسها بحافته. نظرت إلى الريشات الرقيقة وأوشكت أن تبكي. خرجت إلى الحديقة... كان الوقت عصراً والعصافير تزقزق فوق أغصان السدرة.. نفخت الريشات الخفيفة فطارت في الهواء متأرجحة كالورق وسرعان ما أصبحت عصافير جميلة عندئذ أشرق الفرح في عينيها وتمنت لو أنها ترتدي ثوباً مزيناً بالدانتيلا البيضاء وتطير معها.‏

    مرت الأيام وهي تجلس كثيراً تحت شجرة السدر فتسمع زقزقة العصافير العذبة. وخلالها أنجبت خالتها طفلةً عيناها خضراوان. لكنها أسمتْ ابنة أختها في سرها: "عاشقة العصافير

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()