بتـــــاريخ : 11/19/2008 8:26:34 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1268 0


    في المحطة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مصطفى فاسي | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة المحطة مصطفى فاسي

    الأول:‏

    كان المساء.. وكانت الحركة قوية في الشارع وفي المدينة.. الجو رائق وجميل.. تعج المحطة بالمنتظرين.. تزداد ازدحاماً. ثم تفرغ قليلاً قليلاً، ويتقدم الليل.. العالم كله يتحرك ويجري الا هما.. كان ينتظرها في المحطة أو بالأحرى على بعد خطوات منها، تأتي في الوقت بالضبط، يقدم لها وجهه فتقبله قبلتين رائعتين على الخدين، كانت لهفة اللقاء في أعينهما واضحة، يمسك بيدها وينسيان العالم والمحطة وكل شيء ويسافران بعيداً.. بعيداً وهما يتحركان في خطوات متزنة في شارع صغير من شوارع المدينة، حديثهما كلمات قليلة وصمت كثير.. يغيبان بعيداً في الشارع ثم يعودان إلى المحطة.. يقتربان منها ويتركانها في اتجاه شارع آخر..‏

    الوقت يمضي والمحطة تكتظ بالمنتظرين.. بالحديث.. بالصخب.. ثم تفرغ من جديد ويتقدم الليل، وتقل الحركة، ويقل عدد المنتظرين، ويعودان في هدوئهما الاعتيادي، وفي صمتهما، كل منهما يمسك بيد الآخر.. بعيدان عن العالم كله. ويقتربان من المحطة لينتظرا الحافلة الأخيرة..‏

    تقف الحافلة بعد قليل وقبل أن تركبها تقبله قبلتين رائعتين على الخدين، ثم تصعد بعد أن يظل محتضناً بين يديه يديها الاثنتين لحظات، ثم تسحبهما في لطف كبير، وتصعد لتشير إليه مودعة من وراء الزجاج ويظل هو واقفاً يتابعها بنظرات ولهى بينما تقلع الحافلة في الشارع الكبير بين أنوار المصابيح المزدهرة مخلفة وراءها فراغاً في المحطة وشخصاً واحداً يقف في مكانه كالمتعبد يتابعها في لهفة كبيرة إلى أن تغيب في المنعطف التالي.‏

    المنظر الثاني:‏

    المحطة نفسها، والمنتظرون أيضاً، وكذلك المدينة والشوارع.. وهما.. هما يقفان هناك على بعد أمتار، هو يستند بظهره إلى عمود من أعمدة الكهرباء ويبدو مضطرباً وينظر في الفراغ، يحتضن في يده اليمنى يدها اليمنى أيضاً بينما هي تضع رأسها على صدره وتبكي في حرقة وألم شديدين.. لم يكن يقول شيئاً وكذلك هي كانت تبكي في صمت وكان يمسد على شعرها الأسود الجميل بيده اليسرى..‏

    حركة الشارع الكبير صاخبة.. السيارات المجنونة تجري في الاتجاهين، والمارة يمضون في صخبهم وفي صمتهم، والمحطة تكتظ بالمنتظرين ثم تفرغ، وتكتظ ثم تفرغ، وينقص كثيراً عدد المنتظرين ثم تأتي الحافلة الأخيرة لتكنس المحطة تماماً من بقاياها، وتمضي مثقلة بهمومها عبر الشارع الكبير: الليل يمضي، ويصير عدد المارة في الشارع قليلاً للغاية، وينقص عدد السيارات التي تزداد سرعتها وكأنما تخشى أن يدركها الصباح.. وهما ما يزالان في مكانهما يمسك كل منهما بيد الآخر وهو يسند ظهره إلى عمود الكهرباء وهي تضع رأسها فوق صدره.. ما زالا يقتاتان بالصمت، ومن حين لآخر تخرق هي هذا الصمت بموجة هستيرية من البكاء، وأخيراً يتنبه هو عندما ينظر إلى الساعة فيشير إلى سيارة تاكسي.. يقودها إلى السيارة.. يحاول أن يودعها.. وعندما تعود لتلتصق به يركبان معاً وتتحرك السيارة في الاتجاه نفسه الذي ذهبت منه الحافلة.‏

    المنظر الثالث:‏

    كل شيء عادي، المحطة والمنتظرون والشارع الصاخب، وهو.. هو هنالك على عدة أمتار من المحطة ينقل في صمت خطواته البطيئة بين المارة والأشجار وأعمدة الكهرباء، كان يبدو هذه المرة أن ظهره مقوس أكثر من اللازم، وإن ذهنه مستغرق في تأمل عميق.. كان يمشي وهو ينظر إلى الأرض تماما أمام رجليه، يحرق السيجارة بعد الأخرى..‏

    المحطة تكتظ ثم تفرغ، والحركة في الشارع تقوى ثم تبدأ في التناقص.. وتأتي الحافلة الأخيرة.. فتفرغ المحطة تماماً.. ويأتي هو.. يقترب من المحطة.. يقف فيها لحظات ينظر في الفراغ.. الحركة في الشارع تكون قد تحولت إلى صمت كامل تقريباً.. وتهب موجة باردة من هواء منتصف الليل لتحرك أغصان الأشجار العالية والمصابيح، وتكنس المحطة والشارع من قطع الأوراق المتناثرة.. ويأتي كلبان صغيران، يمران في تكاسل واضح، ثم يتجهان إلى بعض أكياس القمامة في الجهة الأخرى من الشارع ليفتشا عن بقايا طعام..‏

    يشعل سيجارة أخرى ويمضي في خطواته الهادئة في الاتجاه المعاكس لاتجاه الحافلة إلى أن يغيب في الشارع الآخر

    كلمات مفتاحية  :
    قصة المحطة مصطفى فاسي

    تعليقات الزوار ()