بتـــــاريخ : 11/19/2008 7:59:19 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1030 0


    الضبع والشاب

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : أحمد زياد محبّك | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    في قرية صغيرة، كان لإحدى الأمهات ستة أولاد ذكور، ولم يكن عندها بنت، وكانت دائماً تتمنى أن ترزق ببنت، لتكون إلى قربها تأنس بها.‏

    وذات يوم دعت ربها أن ترزق ببنت، ولو كانت ضبعاً، فاستجيب دعاؤها، فحملت ووضعت بنتاً، وإذا هي ضبع.‏

    ومع ذلك فرحت الأم وعنيت بها، وربتها أحسن تربية حتى كبرت وأصبحت شابة.‏

    وذات يوم لاحظت الأم أن الأغنام في الزريبة قد بدأت تنقص يوماً فيوماً، فطلبت من ولدها الكبير أن يسهر ليلته في الزريبة، ليرى من يسرق الغنم.‏

    وسهر الولد الأول معظم الليل، ولكن النوم غلبه، فنام، وفي الصباح استيقظ، فوجد الغنم قد نقص، ولم يعرف السارق.‏

    وهكذا كان شأن الولد الثاني، فالثالث فالرابع فالخامس، كل منهم يغلبه النعاس، فينام، وفي الصباح يستيقظ فيجد الغنم ناقصاً، من غير أن يعرف السارق.‏

    ولما كان دور الولد السادس، عمد إلى إصبعه فجرحها، ورش عليها الملح وثقب إبريقاً، وعلقه فوق فراشه، وملأه بالماء. وأمضى الليل ساهراً والماء ينقط فوق رأسه، والجرح يؤلمه، ولم يغمض له جفن.‏

    وقبيل الفجر أحسّ دبيب حركة، ثم رأى أخته تتسلل إلى الزريبة، وتنقض على خروف، وتنتحي به جانباً، لتلتهمه كاملاً، ثم تخرج دون أن يشعر بها أحد.‏

    وفي الصباح أخبر الولد أمه وإخوته بما رأى، فلم يصدقوه، فما كان منه إلا أن جمع حاجاته، وركب حصانه، وودع أمه وإخوته، وارتحل، مؤكداً لهم أنه لايريد أن يعرّض حياته للخطر.‏

    واستقر للولد المقام في إحدى القرى، حيث اشترى بيتاً، وعاش فيه، ثم اصطاد شبلين وأخذ يربيهم بنفسه، ويعنى بهما، وقد سمّاهما "عنتر ورباب"، وكان يلاعبهما ويداعبهما، ويطعمهما بيده، حتى ألفاه.‏

    ولما كبرا، وصارا سَبُعَين، وتأكد أنهما قد أصبحا قادرين على الافتراس، أودعهما عند سيدة عجوز، ثم أعطاها خاتماً سحرياً، وطلب منها أن تطلق السبعين، عندما تحسّ بأن الخاتم قد ضاقت به إصبعها، وأصبح يؤلمها، ثم ركب حصانه، وانطلق إلى قرية أمه وإخوته.‏

    ولما وصل إلى القرية، وجدها خاوية، لا أحد فيها سوى أخته الضبع، فدخل عليها، فرحبت به، وسألته كيف وصل إلى القرية، فأخبرها أنه جاء راكباً حصانه، فما كان منها إلا أن خرجت إلى الحصان، إذ كانت شديدة الجوع، فقد هرب الناس كلهم من القرية ولم يبق شيء تأكله، ولذلك التهمت قائمة حصان أخيها، ثم رجعت إليه لتسأله إن كان لحصانه أربع قوائم أو ثلاث، فأدرك أنها قد التهمت إحدى قوائمه، فأجابها أن لحصانه ثلاث قوائم، وخرجت ثانية إلى الحصان فالتهمت قائمة أخرى، ورجعت إلى أخيها لتسأله إن كان لحصانه ثلاث قوائم أو قائمتان فعرف أنها التهمت قائمته الأخرى، فأجابها بأن لحصانه قائمتين، فرجعت إلى الحصان فالتهمته كله، ثم رجعت لتسأل أخاها إن كان قد جاء راكباً أو ماشياً فأجابها بأنه قد جاء ماشياً. وكانت الرغبة في الإلتهام لدى الأخت الضبع أقوى من حبها لأخيها، فما كان منها إلا أن قالت له صراحة "جاء دورك"، وهمت بالتهامه فطلب منها شربة ماء قبل أن تلتهمه، فخرجت إلى البئر لتحضر الماء، فصعد إلى سطح الدار، ونادى بأعلى صوته "عنتر ورباب" ثم قفز من السطح إلى خارج الدار، وأخذ يعدو راكضاً، وأحسّت به أخته الضبع فتركت دلو الماء، وأخذت تعدو في إثره، وهو يركض يحاول النجاة.‏

    وفي تلك الأثناء بدأ إصبع العجوز يضيق بالخاتم الذي كان قد أعطاها إياه فذكرت وصيته لها، فأسرعت إلى السبعين، فأطلقتهما، وجرى الرجل الذي كان قد رباهما، ولما شاهدا الضبع تعدو في إثره تريد أن تلتهمه، انقضا على الضبع، وافترساها.‏

    ثم أخذ يبحث عن أمه وإخوته في القرى المجاورة، حتى وجدهم فأعادهم إلى قريته.‏

    كما عاد أهل القرية كلهم إليها، وعاشوا جميعاً بأمن وسلام.‏

    تعليق:‏

    تدل الحكاية على نزعة غريزية لدى الإنسان وهي رغبته في أن يمتلك ما ليس لديه، ولو كان عنده الكثير الكثير، ولا سيما المال والولد.‏

    وقد تطغى هذه النزعة، فتظهر في شكلها الحيواني المنحط والخطير، وهي لا تلحق الأذى بصاحبها وحده، بل بكل من حوله، من أسرة ومجتمع.‏

    لقد طغت هذه النزعة عند الأم التي تملك ستة ذكور، فتمنت بنتاً ولو ضبعاً، أي أنها انحدرت من المستوى الإنساني إلى المستوى الحيواني، لاشيء إلا لتحقيق رغبتها، وضررها لم يلحق بالممتلكات كالغنم فقط، إنما لحق الأسرة والقرية كلها.‏

    وما تلبث الحكاية أن تحدّ من طغيان تلك النزعة لابموت الأخت الضبع أو قتلها، وإنما بطريقة أخرى أكثر ذكاء وأكثر تأكيداً لإنسانية الإنسان وسموه عن النزعة الحيوانية.‏

    إنّ الولد السادس لايقدّم على قتل أخته، بل يترفع عن ذلك وإنما يلجأ إلى تربية سبعين، ليقدما على افتراس الضبع، وبذلك يواجه الحيوان بالحيوان ولا يواجه الحيوان بالإنسان ويحقق الخلاص لأسرته وقريته ويعيد إليهما معاً الحياة.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()