ورأيت فيما يرى النائم ، أنني أعمل في تنظيف أحد شوارع حي نزال، وأتوقف عن العمل قليلاً لأشتري علبة حمص ورغيفين وخمس حبات فلافل، واقعد على طرف الرصيف، واتناول الطعام ، فاشعر بالامتلاء والشبع، وأعود إلى كنس الشارع، وأنا أردد بابتهاج ومرح أنغام أغنية "ليه يا بنفسج"!
وفي هذه الأثناء، أحسست بيد قوية تهزني من كتفي ، فاستيقظت بتثاقل. اليد القوية أمسكت بيدي ، ورفعتني عن السرير، فأحسست بقبضة غريبة لرجل غريب، فسألته عمن يكون، فقال بلغة عربية فصيحة، ذات لكنة أجنبية، إنه لا وقت للتعارف الآن، وإنه يجب علي أن أنهض وأشعل النور. فنهضت وأشعلت النور، وإذ بي- وجها لوجه- أمام رجل أعرفه، فدلكت عيني وأنا أتساءل عما إذا كان هذا الرجل مطربا أم مذيعاً أو وزيراً أم ناطقاً باسم القوات المتحالفة أم أميناً عاماً للأمم المتحدة. يا الله!
غير معقول ! هذا شيء لا يصدق ! جورج بوش في بيتي ؟ لا . لا. هذا لا يدخل المخ.
وتمالكت أمر نفسي، وابتسمت قائلاً له:
أتعرف يا أخي أنك تشبه جورج بوش؟
فرفع الرجل نظارته فوق أرنبة أنفه وقال بثقة جورج بوش نفسه، واردف قائلاً لي:
- اسمع . أنا جئت إليك لأقول لك، إنك كنت غير واقعي أثناء أزمة الخليج. فلم تترك مسيرة إلا وشاركت فيها، ولم تترك مهرجانا خطابيا إلا حضرته، ولم تسمع عن أفراد يتجمهرون أمام سفارتنا ويهتفون ضدنا ألا تجمهرت معهم وهتفت ضدنا. اسمع . أريد أن أسألك ، وعليك أن تجيب بأمانة: هل ما يزال قلبك وعقلك مع العراق بعد هذا النصر الكاسح الذي حققته قوات التحالف، وبعد تحرير الكويت، وبعد تطبيق الشرعية الدولية؟
- نعم . ما يزال قلبي وعقلي مع العراق، وما فعلتموه لا يختلف عما فعلته أنت هذه الليلة حين دخلت بيتي من النافذة!
وفجأة رنت على وجهي صفعة ثقيلة، جعلتني أرى الدنيا تتطاير شرراً ملونا مثل ألوان قوس قزح، ثم عاد وسألني:
- اسمع . أنت مشغول هذه الأيام بالبحث عن وظيفة، وكنت تحلم بذلك قبل قليل.
أنت تستحق وظيفة أهم من وظيفة عامل نفايات. أنت تستحق أن تكون مديراً أو أميناً عاماً ، لكن عليك أن تحسن سلوكك.
- سلوكي حسن.
ورنت على وجهي صفعة أخرى، جعلت سائلا ساخناً ينقط من أنفي، ثم عاد وسألني:
- ما رأيك بالنظام الدولي الجديد؟
- انه ضد الشعوب ولصالح الإمبريالية!
- هذا مفهوم، ولكن هل أنت معه أم ضده؟
- أنا ضدكم جميعاً. حلوا عنا أنتم ونظامكم الدولي الجديد!
وأوعز جورج بوش لثلاثة رجال أشداء ، كانوا واقفين بالباب، وانهالوا علي ضربا، ثم علقوا رجلي الاثنتين فوق كرسي، وراحوا يضربونني (فلقة) ، ثم فكوا وثاقي واجلسوني في مكاني السابق، وعاد الأخ جورج بوش يسألني:
- مارأيك بما حققناه من نصر في العراق؟
- هائل! عظيم ! مدهش!
- مارأيك بالنظام الدولي الجديد؟
- يا سلام. ليس بالإمكان ابدع مما كان.
- منذ اليوم، سيوفقك الله، وسوف تعثر على وظيفة!
وقبل ان يخرج أخي جورج بوش سألته قائلاً:
- ولكنكم تتحدثون عن الديمقراطية. فهل هذه هي الديمقراطية؟
فاقترب من وجهي وقال هامساً:
- هذا سؤال بارد. الديمقراطية مظهر جميل ، لكن ما تريده مصالحنا يجب أن يتحقق ، أفهم هذا وأجعله كالحلق في أذنيك!
ولم انم حتى الصباح، وحين سعيت من أجل وظيفة، وجدت كل الأبواب ما تزال موصدة. وعدت في المساء مهدودا، لكن شبح جورج بوش كان يلاحقني، حتى ظننته يأوي تحت مخدتي!