بلغني أيها الملك السعيد، أن رجلاً من عامة الناس، يقال له مسكين بن صدقة. نشأ يتيماً وعاش فقيراً بائساً، مغلوباً على أمره.. لا أهل له ولا أقارب، وليس له زوج أو ولد.
ولأنه بسيط وساذج، كان يتحاشى الناس الذين جعلوا منه تسليتهم وموضع تعليقاتهم وسخريتهم.
ولما لم يكفّوا عن مضايقته والنيل من كرامته، وقد بلغ من العمر عتيا، فابيضّ شعره واسودّت الدنيا في نظره، قرّر أن يرفع الأمر إلى القضاء، علّه يرد عنه البلاء.
وعندما مثل بين يدي القاضي، قال له مستجيراً:
-سيدي.. أنصفني..
سأله القاضي: ممن..؟ من خصمك يا مسكين؟
قال: كثيرون يا سيدي..
تلفت حوله وأضاف: كلهم.. وأولهم كاتبك هذا، فكلما رآني أو ذُكر اسمي أمامه، يقول.. طز. حتى شاع خبري بين الناس، وضاعت هيبتي، فلم أسلم من كبير أو صغير، ولم يعتقني شيخ جليل أو صعلوك حقير.
ابتسم القاضي ومال برأسه إلى كاتبه. تبادلا الحديث فيما بينهما همساً. ثم قلّب أوراق كتاب أمامه، وقال بنبرة حاول أن تكون جادّة جازمة:
-اسمع يا مسكين.. حيث إنه لا جرم بلا نص قانوني، وحيث إنني لم أجد في قانون العقوبات ما يدين قائل هذه الكلمة، أرد إليك دعواك، وأحمّلك المصاريف والرسوم.
قال مسكين مستغرباً: كيف؟! ولماذا؟!
أجاب القاضي: اسمع يا مسكين وافهم ما أقول لك.. طز كلمة أعجمية، معناها ملح. ولمّا كانت الضرائب مفروضة على القمح دون الملح. كان الفلاحون حين يعترضهم جابي الضرائب يقولون: طز يا بيك. فيتركهم وشأنهم.
قال مسكين مخذولاً: هكذا إذاً؟
-نعم.
-طز.. مجرّد كلمة.. ليست شتيمة، ولا يعاقب قائلها؟!
-أكيد.. وهذا هو القانون.
لوى مسكين عنقه وأطرق برأسه إلى الأرض. ثمّ نظر إلى الكاتب وقال:
-ما دام الأمر كذلك.. طز عليك أيها الكاتب.
ضحك القاضي حتى كاد ينقلب على قفاه.
سكتت شهرزاد، فسألها شهريار: هل انتهت الحكاية
قالت: لا يا مولاي، بل أخشى أن تسيء فهمي إذا قلت ما قاله مسكين.
-لا.. لا تخافي.
همست مترددة: قال مسكين... وطز عليك أنت أيضاً.. قفز شهريار كوحش هائج وصرخ بأعلى صوته: يا سيّاف..
قالت شهرزاد: اهدأ يا مولاي. ودعني أكمل..
-هيا.. قولي ما عندك، قبل أن يفصل السيّاف رأسك عن جسدك.
قالت شهرزاد: لماذا يا مولاي؟ أنت لم تسمع بقية العبارة.
ثم استطردت: قال مسكين.. وطز عليك أنت أيضاً، أيها القاضي. فسرت في القاعة همهمات وضحكات مكتومة، كبعيق الماعز.
جفل القاضي الذي لم يتوقع هذا الرد، فقطّب جبينه، ودقّ بمطرقته محاولاً استرجاع هيبته. ولم يستطع الحاضرون كتمان ضحكاتهم وسخريتهم. فأشار إليهم مسكين وهو يغادر القاعة قائلاً:
و.. طز عليكم جميعاً.. والسلام عليكم