بتـــــاريخ : 11/15/2008 8:15:57 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1404 0


    الـجدة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : محمد أبو خضور | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

    يلبس العم دشداشته البيضاء، ويضع حطته البيضاء، يركز العقال، يفرد شرابيته السوداء. ثم يضع عباءته مطوية على كتفه، ويتناول عصاه.‏

    تحط عيناه علي ويقول:

    - امش! ضروري أن تسلم على زوجة جدك!‏

    وهما يعبران الأزقة، كان يفكر في الأيام الماضية، وفي زوجة جده التي كانت تخيط له ولأخوته مجموعة الحجب المملوءة بأكياس صغيرة من الملح والبن والعدس والقمح والشعير والحمص.‏

    عندما وصلا كان الصمت ينشر أساه. تطلع إليها كومة ضئيلة من اللحم والعظم، تسحقها أعوام حياة مديدة شرسة. نقل نظره في باحة الدار، الفرن في الزاوية الشرقية، وعلى الجدار الحجري الطويل تتدلى أشراش الثوم والبصل الأحمر جانب خابية الماء.‏

    قالت له:‏

    - أجلس هنا! قريبا مني.‏

    ومدت يدها تتحسسه، وتمرر أصابع يدها على معالم وجهه.‏

    جلس قريباً منها، وقلبه مملوء بالأسئلة عن الحال والصحة. قبل يديها بكل ود، تقبل خديه، تسأله عن الأولاد، ولم لم يصحبهم معه في زيارته ثم تسأله عن زوجته، وهي تزم شفتيها وتعود إلى صمتها كي لا تفجر الأحزان للأيام الضائعة.‏

    قالت:‏

    - صليت لله أن يمن علي بالموت.. لقد راح الجميع وبقيت وحدي.‏

    وتمنى لها العمر الطويل، وتحدثت.. تحدثت ببطء، أحس بنفسه صغيراً، لقد صدمته بالسؤال عن موقفه من حصص أخواته البنات من الأرض. كان يعرف أن سداً عالياً بينه وبينها. وهو في قرارة نفسه كان يعرف أن ليس لديه تلك الجرأة ولا الرغبة في إعادة الحديث عن الأرض أو الدار الكبيرة، أو حتى عمن ماتوا. ودهش لتلك المبالاة التي أحس بها في داخل جوانحه.‏

    كان سيل من عواطف الشفقة قد بدأ يغمر روحه. وأحس من نظراتها أن أية محاولة سيبذلها سوف تصدها. وأدرك في قرارة نفسه أنها مصممة على ما تريد، حصص البنات وبناء سبيل ماء باسمها، وأنه لا بديل عن ذلك القرار.‏

    عبقت في الجو رائحة القهوة المرة. كان عمه يتذوق أول فنجان من القهوة عندما فاجأته بالسؤال:‏

    ماذا قررت‏

    تريث في الإجابة عليها، ولكنه وجد نفسه يجيب أخيراً:‏

    - أمرك يا جدتي.. الأمر أمرك.‏

    - الله يرضى عليك.. على بركة الله برضاي عليك جهز الأوراق غداً.‏

    قامت. قام معها، مد يده ليسندها، وهي تسير ببطء نحو صنبور المياه قرب الجرن الحجري الكبير، توضأت وصلت الظهر قعوداً.‏

    جاءت أخته. قبلت يد زوجة الجد. قالت هذه.‏

    - هل آن الأوان يا بنتي؟‏

    وردت أخته:‏

    - ما باليد حيلة يا جدتي!‏

    قال الجدة:‏

    - لا حول ولا قوة إلا بالله.‏

    وساد صمت قصير عادت الجدة تقول:‏

    - اقعدي يا بنتي يوماً آخر.‏

    أجابت الأخت:‏

    - ربما في السفر الآن خير يا جدتي..‏

    نقف طويلاً على الحدود.‏

    سألت الجدة العم:‏

    - هل جهزت لها زوادتها؟‏

    - كل شيء حاضر يا أمي.‏

    - لا يجوز أن تخرج البنت من بيت جدها فارغة اليد.‏

    بعد ساعة عاد وعمه نحو المصطبة الحجرية التي كانت الجدة قد تمددت عليها في ظل الجدار الحجري البازلتي..‏

    كانت أوراق الأرض جاهزة ومطوية بانتظار بصمة زوجة الجد. وعبرت دجاجة باحة الدار عندما اقترب من زوجة الجد وهمس:‏

    - جدتي! جدتي!‏

    ثم رفع صوته قليلاً.‏

    جدتي! جدتي! جدتي‏

    فلم ترد الجدة. ظل جامداً في مكانه ناظراً إلى الأمام لا يجرؤ أن يتطلع حوله. كان مهتاج المشاعر إلى أقصى حد، أحكم قبضته المعروقة على الورق الملفوف.. دعك الورق ثم رماه.. رماه بعيداً.. وفي المساء كان نعش الجدة على أكتاف الناس. وكانت المياه المتدفقة من صنبور المياه في الجرن الحجري تندلق على التراب فتشربها الأرض

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()