بتـــــاريخ : 11/12/2008 6:03:32 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 942 0


    الـمعركـــة..

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبد الفتاح عبد الولي | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الـمعركـــة

     

     

    انذار مبكر...‏

     

    عندما يأتي المساء‏

     

    تنطفئ عوسجة الدّم‏

     

    وتذبل نجمة الأعصاب‏

     

    عندما يحل الليل‏

     

    يستيقظ (الطّاهش)‏

     

    في شوارع المدن الهرمة‏

     

    -1-‏

     

    في يوم مطير خرج عبد الحبيب يقتفي آثار حبيبته التي غادرت المنزل منذ زمن بعيد لشراء فستان الزفاف ولم تعد. كانت الشوارعُ موحلةً والطين الزجُ من عسل الحديد. المطر يهطل عنيفاً وعبد الحبيب لم يتمكن من انتزاع قدميه من شراك مصيدة الطين.‏

     

    -2-‏

     

    إنها إبرة الأرق توشمُ المرأة التي فقدت صوابها يوم عاد زوجُها من عمله الليلي، حين اصطادت عينيها شعرة شقراء كانت ملتصقة بمعطف الزوج.‏

     

    في غرفة النوم اندلعت أشرسُ معركة استخدمت فيها مختلف اسحلة الدّمار. رصاص اللسان -شرار نار- يحرق الأخضر واليابس. سهام الأظفار السَّامة ومناشير الأسنان القاطعة. ضحك الزوج في وقتٍ لاحق، عندما أخبرهُ الطبيب عن احتمال إصابته بالسُّعار.‏

     

    الشاهد الوحيد الذي سمع كل شيء دار وقت المعركة كانت دُرَّة، وهي ببغاء فصيحة، كان الزوج قد أهداها لزوجة المصون في مناسبةٍ جد عزيزة.‏

     

    -"أنت طالق". عبارة منغصة ترددها الببغاءُ ثلاث مراتٍ في اليوم، منذ أن هجر الزوج عشهُ رامياً بالثلاث الأثافي.‏

     

    ذات ليلة، بينما كانت درة تردد "أنت طالق.. أنت.. أنت.." غامت الدنيا امام عيني الزوجة. لطمت خديها وشدت شعرها، ثم صبت صواعق غضبها على الطائر حتى كادت تقصم رقبته، فانقذهُ فاعل خير أرمل، تدخل في الوقت المناسب واقنع المرأة الغاضبة أن تبيعهُ الببغاء حتى تتخلص من ذلاقة لسانها.‏

     

    المرأة المطلَّقةُ لم يغمض لها جَفْن منذ أن ترك زوجها المنزلُ. تجلسُ الآن أمام مرآتها، تعضُّ على بنان الأسف بنواجذها، لأنها تأكدت اليوم فقط أن الشعرة الشقراء التي رأتها على كتف معطف زوجها تنتمي أصلاً إلى فصيل شعرها المستعار الذي لبستهُ في اليوم الذي سبق معركة الغيرة.‏

     

    -3-‏

     

    يتقشر طلاء الجدران. يعلو الغبارُ صدور السرر الخالية. المنافضُ تطفحُ بأعقاب السجائر ورمادها القديم. ستائر النوافذ. مهترئة فقدت الوانها. جذعُ شجرة الطَّنِب في وسط الصالةِ تيبَّسَ من البرد. الأزهار خَرَّت ساجدة في الأصص والأقفالُ صَدئَت. متى يعود أهل الدار؟!. كل الطائرات التي تمر في السماء والسفن التي ترسو في الموانئ والسياراتُ التي تمرقُ من أمام الباب، فارغة.. فارغة. الملابسُ في الدَّواليب تتوقُ إلى روائح من غادروا. فقط، هناك صورٌ لأهل الدَّار علقت على جدران صالة الإستقبال.. تبتسم.‏

     

    -4-‏

     

    ترجفُ شفاه الليل في الخارج والإضطرابُ الذي استشرى بين أسراب اليمام إثر تهدُّم جدار الحديقة، سكن بعد أن جفَّ ضرع السماء والإنعكاسات المائية استعادت شفافيتها فوق أقواس التراب.‏

     

    طائر الوروار يقفُ على عمود الكهرباء القائم قبالة صالون الحلاقة، يسمعُ همساً يأتي مع نسيم الجنوب.. "ماأجمل العيش بدون أسماء. بدون أرقام وبلاثياب.. يحترف الحُب التلوين وتشكيل الكون. ينكمش اللون ويمتد."‏

     

    نفض الطائر ريشهُ والتفت إلى مرايا صالون الحلاقة. شاهد جثةً تتخبط فوق الكرسي، كانت الجثة بدون رأس. نقل الطائر نظرهُ من المرايا إلى حيثُ يجلس زبون الحلاق فرأى الحقيقة ترتجف أمامهُ... "هناك رأس!!".‏

     

    سنَّ الحلاق موس الحلاقة بظهر الجلد الخشن ومسح يديهِ بالمنشفة. أخذ سلة الزِّبالة من داخلها أخرج رأساً لايزال ينبضُ ببقية حياة. صفَّرَ طويلاً ومن الزقاق المعتم أقبل كلب يجري ووقف أمام باب دكان الحلاقة يحركُ ذيلاً فرحاً. رمى الحلاق رأس زبونه للكلب وقال:‏

     

    -"خذهُ ياصديقي. لقد كان رأساً نووياً، أبطلنا مفعوله ..بصعوبه."‏

     

    -5-‏

     

    الطفل ينظر بسرور إلى طائرته الورقيه وهي تحلق في الفضاء. يوجهها حيث يشاء بواسطة الخيط الرفيع الملفوف على سبَّابته.الريح مواتيه..شرقيه،غربيه،معتدله السرعه ويحتمل ان تنشط بعد حين. هناك توقع أن تهبَّ عواصف رعدية مصحوبة بالزَّوابع.‏

     

    انقطع الإرسال فجأةً‏

     

    عزفت موسيقا حربية‏

     

    تلاها بيان هام عن احتمال قيام طائرات العدو باختراق المجال الجوي وشن غارة غادرة.‏

     

    أجهزة الرَّادار الوطنية تشير إلى وجود ذبذبات لجسم أو لأجسام غريبة تحوم في سماء الإمارة.‏

     

    قطع الطفل خيط طائرته الورقية واتَّجه ناحية حوض الماء ليلعب بزورقه الكرتوني.‏

     

    بعد برهةٍ من الوقت عادت الموسيقا العسكرية تصدح بعنف، تلاها بيانٌ أكثر عنفاً، أكَّد أن القوات الجوية الضّا ربة، أسقطت طائرةً مجهولة الهُويَّة شاهدها شهودُ عيانٍ تهوي خلف الحدود، بينما لاذت بقيةُ الطائرات المعادية بالفرار.‏

     

    قال الراديو: إن العدوَّ يغدرُ دائماً وأن أجهزة الرادار التقطت من جديد إشاراتٍ تُؤكِّد أن هناك بوارج حربية تقتربُ من المياه الاقليمية للبلاد وقد أُعلنت حالةُ الإستنفار القصوى في صفوف القوات البحرية للإمارة.‏

     

    ملَّ الطفلُ من اللَّعبِ. أغرق زورقهُ وذهب لينام. أثناء النوم حَلُمَ أن طائرتهُ الورقية تحولتْ إلى حمامةٍ بيضاءَ، وأن زورقهُ الكرتوني تحولَ إلى سمكةٍ من ذهب.‏

     

    -6-‏

     

    جلس أهلُ الحلَّ والعقد حول طاولة الإجتماعات يُناقشون القضايا الملتهبة في الساحة ويبحثون عن انجع الحلول لإخمادها. بدأوا في اسعتراض القرارات التي أقرها السلفُ الصالح، ثم دخلوا تواً في جدلٍ ضارٍ، انفقوا مليارات الكلمات. ديباجات. حيثيات. مُداخلات. معاصرات. اختلفوا وتشاتموا بأقذع الشتائم. أصر كل فارسٍ على وجهة نظره، حتى أدركهم عضروط الليل وانهالت مطارق الصداع تضرب الصلعات ضرب غرائب الإبل. نزلت نجمة الصباح من بيتها وحطت وجهها خلف زجاج النوافذ الملطخ برذاذ اللعاب وبقيتْ تنظر باندهاش إلى أفواه الصفوة التي استمرت تطبخ وجبة القرارات تحت طاولة الإجتماعات.‏

     

    هاجس متوتر.‏

     

    بنى عشاً من طين العين. السُلَّمُ العالي يتلوى تحت الأقدام الحافية. شمسُ الليل تشرق من اسفلت الشارع العرجوني. تخثر دم المدينة وجف حلق الريح. يبني العاشق قصر الأشواق في صحن اليد المقطوعة. في شرفة الخد ينمو عشب القات. من زجاج المرصد تنظر الجنيات إلى برج التبانة. وادي "الدُّور" يجري تحت رموش "غزال المقدشية". بليبل أخضر، نميم الصوت يغرد داخل مغارة الجوزاء. الطين لحم الكون والماءُ وريده. طائر الفَقَسَّ يحسو ملح البحر، ويغادر مدرج الحُلم بعد أن بعث من بين الرماد. جناحان ذهبيان يحضوان نار الرئة. سعدُ مطر وسعدُ الذابح يتناحران. سهيل يغتصب بنات نعش. رغوة الرغبة تندلق من حذاء القمر. يغرق حمام الزاجل في شهوة العاشق الذي ينفض سجادة قلبه ويطلق سهم المحبة والدهرُ هَبَّهْ.. بِهَبَّهْ.‏

     

    سبتمبر 89.‏

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الـمعركـــة

    تعليقات الزوار ()