بتـــــاريخ : 11/12/2008 5:45:35 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1185 0


    تداعيات في ليلٍ بحري

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : هزوان الوز | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة تداعيات ليلٍ بحري

     

     

     

    زورق.. مؤن.. هروب نحو الحرية، هذه المعادلة يجب أن تحقق نتائجها بسرعة، حرية الإنسان أغلى بكثير من أن تضيع نتيجة لخبث إنسان آخر، كما أن مستقبله أثمن من أن يكون لعبة لمؤامرة خبيثة دبرت ضده..‏

     

     

    زورق.. مؤن.. هروب، وفي النهاية ماذا سيحدث؟ سيرسو الزورق على شاطىء بعيد ليعيش الهارب بقلق وخوف، سيعيش ويزرع حول بيته الصغير الورود. ولن ينسى أن يضم إلى بيته بعض الحيوانات الأليفة، ولكن في النهاية لا شيء سوى الموت، فمهما استمر الهروب يبقى الموت كالصياد يترقب اللحظة المناسبة للانقضاض.‏

     

     

    لقد بدأ الشتاء. وها هي الغيوم تحتل السماء، والطيور لن تلبث حتى ترحل مهاجرة نحو مناطق الدفء، ما أسعد هذه الطيور، ترحل متى تشاء، وتعود عندما ترغب، لا تصاريح عبور ولا جوازات سفر، إرادتها حرة دائماً، أما الإنسان فمهما بلغ قدره وشأنه فإن أموراً تافهة تقف في وجه مسيرته، وتحد من تطلعاته وآماله.‏

     

     

    في أعماق هذا البحر الجميل التهمت الأسماك أعداداً كبيرة من الجثث، وأعتقد أن الأسماك ستصلها وجبات دسمة عما قريب، فهناك بعض الشبان لعبوا بالنار، معتقدين أنهم سيمسكون بزمام الأمور، وبدأوا بتوزيع المنشورات، ألقي القبض على معظمهم، وكل منهم يحمل أوارق حكمه منتظراً تنفيذ قرار المحكمة، والسلطات تبحث لهم عن أمكنة مناسبة لأنهم أقوياء وبحاجة إلى عناية خاصة، لهذا كان لابد من عمليات التصفية في بعض السجون.‏

     

     

    ما زلت أذكر كلمات الضابط الذي استقبلني لدى وصولي السجن: هذه القلعة تعني النسيان التام لماضي الإنسان الذي يدخلها، ولا يجب على أحد من نزلائها التفكير بالعودة إلى هذا الماضي.. لأنه عندئذ يفكر في طريقة تقوده إلى الموت. واختراق سور هذا السجن هو أكبر من المستحيل، فعليك الاستسلام، والذين سبقوك إلى هنا خلال أسبوع واحد انقلبوا قططاً مطيعة خائفة.. ذلك من خلال أساليب لا أنصحك أبداً بتجريبها، فجسمك لا يوحي أنك قادر على احتمالها، ويجب أن يختلف تفكيرك اليوم عما كان عليه قبل دخولك هذا المكان، ويجب ألا يتجاوز أسوار هذه القلعة، لدينا كلاب متوحشة جائعة، ويكفي اطلاقها نحو كتلة لحمية تفوح منها رائحة عفونة السجن لتفتك بها دون أية شفقة.‏

     

     

    لقد بدأوا فعلاً، بينما كان السجناء يتجولون في باحة القلعة أثناء وقت التنفس، فجأة ظهر مدير السجن ونائبه من شرفه مكتبه، فساد الصمت، أشار المدير إلى نائبه الذي بدأ الكلام: قرر السيد المدير مشكوراً أن تقام لكم جولات ترفيه دورية، لذلك قررنا أن نرسل كل يوم عدداً منكم إلى الشاطىء لتلهوا وتسبحوا.. ولكن (قاطعه بعض السجناء وفي فورة الحماس بموجة تصفيق حاد).‏

     

     

    وتابع نائب المدير قائلاً: دعوني أنهي حديثي.. ولكن إذا حاول أحدكم الفرار فسنقبض عليه ونضعه على الدولاب.. هنا في هذه الباحة أمام الجميع، فلا يحاول أحدكم الهرب.‏

     

     

    وذكر أسماء عشرة سجناء، كانوا الدفعة الأولى، ورافقهم عشرة حراس، لكل سجين حارس، وبعد ساعة سمع صوت إطلاق عيارات نارية، كانت الرصاصات صادرة من بنادق الحراس، وفي اليوم التالي تحدث نائب المدير إلى السجناء أثناء وقت التنفس قائلاً: حاول زملاؤكم الهروب عن طريق البحر فكان جزاؤهم القتل، وها هم رفاقكم يبرهنون مثل كل مرة أنكم أوغاد، ولا تستحقون أية معاملة حسنة.‏

     

     

    وقع علي الاختيار ضمن عناصر الدفعة الثانية التي سترسل في رحلة ترفيهية إلى الشاطيء، ولحسن الحظ أن شجاراً وقع بين بعض الحراس، لا أدري إن كان الشجار مفتعلاً وبتخطيط مسبق من قبل البعض أم أن وقوعه في تلك اللحظة محض مصادفة.‏

     

     

    تدخلت العصي، اشتبكت الأجساد في عراك، اللعنات، الصفعات واللكمات، اشتبكوا في عراك، عطفوا على بعضهم البعض بما جاد به الله من فنون الركل والعض والنطح، دخلوا في عجينة واحدة، تسلق بعضهم بعضاً، طار آخرون إلى الفضاء ثم سقطوا.‏

     

     

    لم يلبث الشجار أن تطور إلى مرحلة استخدام السلاح، وامتزج الصراخ والصياح بأزيز الرصاص، فتسللت برشاقة قط، واختفيت بين مجموعة من الأشجار الكثيفة.‏

     

     

    ها هي الرياح تعول بصفير لا ينقطع.. كأنها تدق أجراس قدوم العاصفة، وها هي الأمواج ترتفع، صارت كالجبال، تكاد تلمس السماء بزبدها المرتعش، ثم تنكسر ذليلة بكل جبروتها، كأنها عملاق أصابته نوبة.‏

     

     

    الطبيعة كإنسان مريض يهدأ ويثور، تتحول من ساكنة وديعة إلى أخرى متوحشة، من حسناء فاتنة إلى عجوز شمطاء.‏

     

     

    ***‏

     

     

    يضيء البرق السماء، وبعد لحظات يزمجر الرعد، ثم يسمع صوت هطول الأمطار، فيلف جسده جيداً بالسترة التي يرتديها.‏

     

     

    ***‏

     

     

    ستغسل الأمطار وجه الأرض، وتتغلغل إلى جوفها، فتنتعش بعد ظمأ طويل.. لتنمو بعدئذ الأزهار، وتكبر الأشجار مخضوضرة مع قدوم الربيع.‏

     

     

    لا تقترب من قلبي أيها المطر، فلا اريد أن تنبت فيه المزيد من الأشواك الدامية التي ما تلبث تمزق أعماقي.‏

     

     

    ***‏

     

     

    يشعل شمعة، وينظر إلى لهبها الذي يتراقص على نغمات الطبيعة الثائرة، وسيمفونية الغضب تعزف في صدر السماء، يتمدد على السرير ويغطي نفسه جيداً بالبطانيات، لكن هذه الحالة لا تستمر إلا لعدة ثوان، وفجأة يرمي البطانيات جانباً، ويرفع رأسه مذعوراً عن الوسادة، ويستوي في جلسته كما في السابق.‏

     

     

    ***‏

     

     

    لم أعد أشعر بالأمان، كل ما يحيط بي هو عالم من الألاعيب التي تثير الرعب، هل أنا وحدي حقاً.. أم أن الجميع متواجدون في زوايا سرية ينتظرون النتيجة؟.‏

     

     

    كان رجل عملاق يتجه نحوي، يمشي بطريقة تحمل معاني الاستهتار، له وجه ثعلب، رأسه أصلع، شاربه ضخم، شفاهه تفح منها الشهوة، كان واضحاً أنه يحمل تاريخاً مليئاً بالقذارات، يدق الأرض برجليه الضخمتين، وقف واعترض طريقي، حاولت يائساً زحزحته وابعاده قليلاً لأفلت منه، أطبق بكفه القوية على رقبتي، وبالكف الثانية كتم أنفاسي، ورحت أحس به يضغط ويضغط على عنقي التي كانت عظامها تطقطق تحت قبضته، وأحس بعيني تجحظان ولساني يتدلى، أعرف بوجه قاتلي ألف وجه من الأحباء.. الأصدقاء..‏

     

     

    أحس برقبتي تنخلع، قلبي يتمزق، أفقد قوتي وأهوي صريعاً.‏

     

     

    هل وقعت في مصيدة؟ كنت أضحك في سري عندما يتحدث أحدهم بأنه رأى الشيطان، أو زارته روح ما، وأكثر ما كان يثير عجبي هو حديث جارتنا أم سالم عن زيارات إبنها سالم لها ليلاً، رغم أن يدي هاتين هما اللتان أودعتاه التراب بعد أن استلمناه من مكتب الشهداء.‏

     

     

    أيكون هذا الشيطان هو المدرس برهان؟ أم المحقق، أو أحد ضباط السجن وحراسه؟ كيف يتحول الإنسان إلى شيطان؟ هل يصدق قول جدتي بأن الله خلق قلب الإنسان وقسمه نصفين، في نصف جلس الموت، ونصف جلس فيه الشيطان، ونشب الصراع في قلب الإنسان ذاته، وماهي إلا لحظات حتى كان الشيطان يتربع على عرش القلب ملكاً.‏

     

     

    بعد أن اختفى الرجل العملاق، ألفيت نفسي وحيداً أسير وسط درب معتم، وقد تملكني شعور حاد بأن جذوري قد اقتلعت، فحاولت أن أبحث عن مستقر جديد لأرسي عليه مركبي..‏

     

     

    الظلمة تتسلل إلى داخلي، أشعر بالدوار وبالدم ينتفض في عروقي، وبالأثقال تتوالى علي، كأنني أحمل العالم كله فوق رأسي، يتفصد العرق من جبيني، وتأخذ أطرافي بالاختلاج.‏

     

     

    كم هو عفريت هذا المدرس برهان؟! نفذ تهديده بأبشع صورة، وقطع رزقي في ذلك البلد، من المؤكد أنه هو الذي تبرع بالنقود وأرسل الوثيقة إلى السلطات هنا، أوف.. زمن ابن كلب، قطع رؤوس.. وجريان دم.. وحطام جماجم، وتصارع غيلان ومردة وتنانين، وعفاريت تسكن أجسام بشر، ويتزاوج أنس وجان.. دنيا ملعونة.. وحظي يفلق الصخر، تغربت لمدة عام بعيداً عن عائلتي، استطعت جمع خمسة آلاف دولار، كنت أنوي قضاء عام آخر، ثم يصبح بمقدوري شراء البيت، ولكن علي أن أدفع حصاد العام بأكمله مقابل تهريبي بأحد الزوارق، هكذا نص الاتفاق، سيدفع صديق أخي المبلغ بعد أن أخابره هاتفياً من الشاطىء الآخر.‏

     

     

    وعدوا باخفاء اضبارتي نهائياً مقابل خمسة آلاف أخرى..‏

     

     

    وضعوني في هذه الغرفة، وقالوا: عندما تصبح الظروف مناسبة في الأيام القادمة سيكون الزورق جاهزاً عند مطلع الفجر.‏

     

     

    الشمعة ستنتهي، سأحرق البطانيات خوفاً من أن يفاجئني المدرس برهان أو المحقق أو أحد ضباط السجن وحراسه، والفجر لن يطلع بسرعة، إنه ينتظر مائة عام على الباب، ينتظر ويضحك في سره، ويتركني للظلمة المثيرة للريبة، وأنا أنتظر مفتوح العينين، وأرى الظلال تتلاعب أمامي كالقطط، وصفيحة البول تتسكع في الغرفة على هواها، وينبت لظل معطفي رأس وقدمان، والسقف يزدحم بالمارة، وأسمع قلبي يدق مثل زمور سيارة الاطفاء، شفتاي متيبستان، لأبللهما بقليل من اللعاب.‏

     

     

    [ كانت والدتي لا تكشف وجهها أثناء الليل أو تخرج أحد أطرافها من اللحاف، وعندما سألتها عن السبب، أجابت: حتى لا يعبث بها عفريت من العفاريت الكثيرة، والتي إذا أوت الشمس إلى كهفها، والناس إلى مضاجعهم، وأطفئت الأنوار، وهدأت الأصوات، صعدت من تحت الأرض، وملأت الفضاء حركة واضطراباً وصياحاً ].‏

     

     

    سأحاول النموم... سأحاول النوم‏

     

     

    ***‏

     

     

    يتمدد بجسده على السرير، يغطي نفسه جيداً بالبطانيات، ولكن بعد عدة دقائق يرمي البطانيات جانباً، ويرفع رأسه مذعوراً ليستوي في جلسته على السرير، ثم يتلفت يمنة ويسرة.‏

     

     

    ***‏

     

     

    الذئاب والثعالب والأشباح تعترض طريقي، يضمرون لي الهول ويسرون لي البغض، ريقهم يتحلب إلى لحمي وعظامي، وفي جوفهم غلة لا يرويها إلا دمي.‏

     

     

    أوف.. سامحك الله يا أمي، عن أية عفاريت تصعد من تحت الأرض تتحدثين؟ عفاريت اليوم تتجول في الشوارع نهاراً، وفي الليل تأخذ أماكنها في الكازينوهات والملاهي، حياتنا مجموعة من الكذب والرجاء الفارغ والوعود الجوفاء والكلمات، واللقمة تلجم الحمير أمثالي للهجرة والعمل هنا وهناك، كم عشت من شتاء بلا دفء ولا راحة بال وأنا أتردد بين السفارات، أبحث في إعلاناتها، حتى أتت ليلة القدر وأعلنت احداها عن حاجتها لمدرسي لغة عربية، تم اختياري ضمن المقبولين للعمل، وهناك لم أتأخر دقيقة واحدة عن دروسي، وفي الصف لم أخرج عن موضوع الدرس قيد شعرة، كنت أراقب كل تصرفاتي وكلماتي بعد التهديد الذي وصلني من المدرس، برهان، وهو أستاذ من دولة أخرى، لكنه عفريت، واستطاع أن ينصب لي فخاً محكماً، رغم أني لم أسيء إليه، ماهو ذنبي إذاً أخطأ في درس الاعراب؟ اعترضني الطلاب عدة مرات في الممرات وسألوني عن إعراب بعض الكلمات والجمل، وبعد أن أجيبهم يطلعونني على دفاترهم وما تلقوه من الأستاذ برهان في قاعة الدرس، هذا سبب له الكثير من الاحراج، وقلص عدد الطلاب الذين يأخذون عنده دروساً خصوصية، وبلغ غضبه مني ذروته عندما امتنعت عن مشاركته في وضع أسئلة الامتحان، وافقت ادارة المدرسة على طلبي، وكلفتني بشكل منفرد بهذا الأمر، وبالتالي لم يتمكن من أن يفي بعهده لطلبته الخصوصيين، حيث كان يعدهم طيلة العام أنه سيزودهم بأسئلة الامتحان، ولا يتوانى عن تناول الوجبات الفاخرة في بيوتهم، وملء جيوبه بدراهم أوليائهم.‏

     

     

    المدرس برهان.. حقاً شيطان، يحسب الأمور بطريقته الخاصة وبفلسفة غريبة، اعترضني ذات يوم في الطريق وقال: لا تعتقد بأنك فهيم وذكي، منذ عشرين عاماً وأنا أعمل في التدريس، وأستطيع تعليم أمثالك كيفية إعراب المفردات والجمل.‏

     

     

    قلت: لست بحاجة إلى خبراتك وإمكانياتك، الأفضل أن تقدمها لطلابك في قاعة الدرس.‏

     

     

    قال: أيها الغبي إذا علمتهم الآن بشكل صحيح فخلال عدة سنوات ستتكون لديهم كوادر متمكنة وذات كفاءة، وبالتالي سيستغنون عن خدمات أمثالنا، وينقطع رزقنا، هل فهمت أيها الأحمق.. يجب أن تفكر بالمستقبل.‏

     

     

    أجبته ساخراً: لست بحاجة إلى هذا الرزق إذا كان بهذه الطريقة... ومن هذا الدرب.‏

     

     

    فقال محتداً ومتوعداً: إذن.. اعتبر أن رزقك في هذه البلاد مقطوع في العام القادم.‏

     

     

    لكني لم أستطع التعامل مع حساباته الخاصة وفلسفته الغريبة، فوجه لي ضربة قاضية، عند عودتي في العطلة الصيفية اقتادوني من المطار بسيارة مغلقة وأنا لا أفهم شيئاً، وفي الطريق استفسرت عن السبب، أجابني أحدهم: هناك تستطيع معرفة ماذا فعلت.‏

     

     

    وأنى للمحقق العبقري أن يفهم عدم علاقتي بوثيقة التبرع التي وضعها أمام وجهي، نعم إنها تحمل اسمي، ولكن هل يعقل لجائع ومنتوف مثلي ترك أسرته وسافر لجمع بعض النقود لكي يشتري بيتاً متواضعاً في أطراف المدينة وينتهي من الخلافات اليومية بين زوجته وأمه أن يتبرع بربع مرتبه السنوي لبناء مصنع عسكري في دولة أخرى؟!.‏

     

     

    كان المحقق يطلب تفسيراً لوجود اسمي على وثيقة التبرع، وكنت أجيبه أنه سيحصل على ذلك فيما إذا أخبرني عن كيفية وصول الوثيقة إليهم.‏

     

     

    ولكن دون جدوى، فهذا الزمن زمن الشياطين والعباقرة، واقتادوني إلى القلعة..‏

     

     

    ***‏

     

     

    ينهض من السرير، يحيط لهب الشمعة بكفيه، ثم تسافر نظراته عبر النافذة.‏

     

     

    ***‏

     

     

    لا أريد أن أكون وجبة دسمة مثل الذين سبقوني إلى القلعة، هل يجدونني مجرد لحم بشري معلب بطريقة إنسانية؟ أم مجرد جثة في العراء؟.‏

     

     

    يا إلهي.. خرجت من البحر أفعى كبيرة بشعة، يتمثل الشر في ملامحها، الشر يتقادح من عينيها، ومن فمها تندلع خراطيم من لهيب مستعر، لقد اجتازت الأفعى الشاطىء، إنها تزحف نحو الرابية بعد أن أحالت كل شيء لمسته إلى هشيم، خشيشها يطن في رأسي، وفحيحها يهاجمني كأصوات مفزعة، يا إلهي.. وراء الأفعى يمشي ثعلب عجوز وغراب مطاطىء الرأس، وبوم مكروهة الحركات، وقرد غبي الملامح، وغوريلا زري الخلقة...‏

     

     

    ***‏

     

     

    يجلس بسرعة على السرير، يشد البطانية على جسده، ثم تنتقل نظراته في أنحاء الغرفة.‏

     

     

    ***‏

     

     

    روحي تجوب قفاراً تكسوها الثلوج، ويهب عليها زمهرير قاتل، لم أعد أشعر بأطرافي من تأثير البرد، ومن بعيد يصلني نباح كلاب وجري ثعالب وذئاب جائعة، يتملكني شعور مشحون بالفزع، سأهرول باتجاه معاكس.. مولياً ظهري لهذه الضواري.‏

     

     

    ***‏

     

     

    بسرعة يلقي رأسه على الوسادة، يغطي جسده كاملاً بالبطانيات، ثم لا يلبث أن ينهض مذعوراً بعد سماعه وقع أقدام.‏

     

     

    ***‏

     

     

    لا أدري ما سبب هذا الفراغ المخيف الذي أصابني بغتة، وملأ أعماقي رعشة ورعباً، صورة تشكلت في ذهني، تفرض نفسها علي، لا أستطيع مسحها من ذاكرتي.‏

     

     

    أتصور نفسي أصارع البحر وسط الأمواج العنيفة، السماء تزخر بالرعود والأمطار، وأنا وحدي وسط البحر، لا صديق.. لا معين، حيوانات البحر المفترسة القادمة من أعماق الماء تدور حول قدمي، ها هي تأخذ وضعاً مناسباً للهجوم، أشعر بأنني أجرف إلى القاع، القاع الذي لا يقف عند حدود النهاية، وطيور جارحة من بعيد تقترب بسرعة، تشق السماء بقوة رهيبة، ووسط كل هذا فإنني أذوب في المياه كقطعة من السكر أو قليل من الملح.. أذوب.. أذوب..‏

     

     

    ***‏

     

     

    تابع الضابط المناوب والحارسان سيرهم في ممرات القلعة منفذين جولتهم التفقدية.‏

    هامش: استفدت في المقطع الذي بين قوسين [ ] من كتاب (الأيام) لعميد الأدب العربي طه حسين

    كلمات مفتاحية  :
    قصة تداعيات ليلٍ بحري

    تعليقات الزوار ()