الأول: أن السائل فهم أن بين الآية الكريمة التي أُثْبِتَتْ، وبين قول بولس في رسالته تناقضًا؛ وليس الأمر على ما فهم السائل، فالآية الكريمة لا تُخَالف قول بولس؛ لأن المسلمين مؤمنون بالرَّب، فإنهم يؤمنون بكل أنبياء الله، وعلى رأسهما نبي الله موسى وعيسى، عليهما السلام، فمقصود بولس يأمرهن بأن لا يتزوجن من الكُفَّار، أو ممن لا يؤمنون بدين، أما المسلمون فإنهم يؤمنون بكل رسل الله. وبهذا الفهم لا يكون المقصود تحريم الزواج بالمسلم كما فهم السائل.
وبمحض هذا النص الذي أثبته السائل لا تَخَالف بين القرآن الكريم وبين قول بولس، وتمام النص كما ورد في رسالة بولس: "المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حيًّا ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد في الرب فقط" [كورنثوس أول 7: 39]
ويمكن أن يفهم من هذا النص أن الكتاب المقدس لا يعتبر من الزواج إلا ما يكون بتوثيق من الكنيسة، أي: أنه لا يعتبر الزواج المدني، ولهذا فهناك ما يعرف بِسِرِّ الزيجة، وهو أحد الأسرار السبعة للكنيسة.
والثاني: يقول فيه السائل إن الآية الكريمة تمثل إعلانا باحترام الإيمان المسيحي، وليس في هذا نزاع فالمسلمون يحترمون كل خلق الله ويحترمون على وجه الخصوص من كان يؤمن بالله، والعيب كل العيب في من لا يحترم من يؤمن بالله ولا يُصَدِّق بجميع رسل الله، وبخاتم رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم. غاية الأمر أن المسلمين يختلفون في إيمانهم عن الإيمان الذي تراه بعض العقائد الأخرى في نبي الله عيسى عليه السلام، فالمسلمون يعتقدون أن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، وان اختلفوا في اعتقادهم مع من يعتقد في المسيح أكثر من ذلك، وهذا لا يُخِلُّ بالاحترام الذي يبادله المسلمون سائر الخلق، فالمسلمون ينطلقون من القدر المشترك بينهم وبين سائر الناس، قال الله تعالي: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [العنكبوت 46]
ويسير المسلم في تعامله مع الناس على قاعدتين متكاملتين متوازيتين، الأولى: تمسكه بعقائده وتعاليمه، والثانية: احترام الإنسان من حيث هو إنسان.
|