لا نسلم أن ما ورد في الآيات الكريمات يتناقض مع التاريخ، فالسائل لم يذكر ما هي كتب التاريخ هذه التي ذكرت ما يدعيه، ولو سلَّمنا أن ذلك الذي يدعيه هو فِعْلا ما ذُكِرَ في كتب التاريخ، فنقول: إن كتب التاريخ فيما تذكره من وقائع ومرويات إنما هي في ذلك تجمع الصحيح والباطل والكامل والناقص، فما يرد في كتب التاريخ لا قدسية له بل هو خاضع للأخذ والرد والنقد.
وسيدنا نوح عليه السلام لم يتبعه أهله فقط –كما ذكر السائل- ولكن آمن به قليل من قومه، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} [هود:40] فالعطف في قوله (وَمَنْ آَمَنَ) على قوله (وَأَهْلَكَ) يدل على التغاير، فهذا يعني أنه قد آمن به بعض قومه، وهم غير أهله. ومعنى الأراذل في الآية: الفقراء، أو الذين لا حَسَب لهم، وهؤلاء لم يكونوا من أشراف الناس ولا كبرائهم.
أما قولهم إنه لم تبق ذرية على وجه الأرض بعد حادث السفينة غير ذرية نوح عليه السلام، فهو أمر صحيح لا خلاف فيه، لكن هذا لا يدل دلالة قاطعة على أنه لم ينج مع نوح غير أهله– كما ذكرنا-إذ يحتمل أن الله عز وجل قد قدَّر أنه لن يكون لأحد ممن نجا مع نوح من المؤمنين نسلاً ولا عقبًا، ولم يبق إلا نسله هو من أولاده الثلاثة سام، وحام، ويافث.
|