بتـــــاريخ : 11/9/2008 2:04:37 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1712 0


    هل استشار الله تعالى الملائكة ثم اعترضوا هم على مراد الله؟

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :

    الشبهة

    جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 30 ]
    فلماذا يستشير الله الملائكة وهو غنيٌّ عن أن يشير عليه أحد؟ وهل يعقل أن الملائكة الأبرار يعصون ويعارضون رغبات الله ، ويدَّعون العلم بالغيب بغير حق ، ويطعنون في آدم من قبل خلقه ، ويزكون أنفسهم بألسنتهم .
     

     
    الرد عليها
    مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
        هذه الشبهة ليست جديدة وإنما لها أصول قديمة في عقائد بعض الفرق التي سميت بـ" الحشوية " (1) وأنكرت هذه الفرقة عصمة الملائكة التي هي محل اتفاق عند المسلمين .
        ومبنى هذه الشبهة أن المشتبه قد ظنَّ أن الآية تخبر أن الله تعالى قد استشار الملائكة ، ولكن الآية ليست في معنى الاستشارة وإنما هي إخبار من الله للملائكة ؛ ليسوقهم إلى معرفة فضل الجنس الإنساني على وجه يزيل ما علم الله أنه في نفوسهم من سوء الظن بهذا الجنس ، وجاء هذا الإخبار في صورة استشارة لهم تكريماً لهم فيكون تعليمًا في قالب تكريم ، مثل إلقاء المعلم فائدة للتلميذ في صورة سؤال وجواب ، ومن حكم ذلك أيضًا أن يسنَّ الله تعالى الاستشارة في الأمور، وأن ينبه الملائكة على ما دق وخفي من حكمة خلق آدم (2)
         أما فهم الآية على أن جواب الملائكة كان اعتراضًا على الله عز وجل ، فليس صحيحًا ؛ بل المقصود باستفهام الملائكة هو التعجب من أن تتعلق قدرة الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين بخلق هذا المخلوق الذي يخرج من صلبه من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، وهذا بعلمهم الذي علمهم الله عز وجل ، فلما بين الله لهم أن هناك حكمة أرادها سبحانه من ذلك الاستخلاف وأظهر لهم الحكمة قالوا على الفور : { سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [ البقرة 32]. وليس في هذا كله معنى الاعتراض على الله عز وجل كما توهم المتوهمون.
        ولذلك يقول الإمام الرازي رحمه الله : "قولهم إنهم اعترضوا على الله تعالى وهذا من أعظم الذنوب فنقول إنه ليس غرضهم من ذلك السؤال تنبيه الله على شئ كان غافلا عنه فإن من اعتقد ذلك في الله فهو كافر، ولا الإنكار على الله تعالى في فعل فعله ، بل المقصود من ذلك السؤال أمور : أحدها : أن الإنسان إذا كان قاطعاً بحكمة غيره ، ثم رأى أن ذلك الغير يفعل فعلا لا يقف على وجه الحكمة فيه ، فيقول له : أتفعل هذا ؟ ! كأنه يتعجب من كمال حكمته وعلمه .  ويقول : إعطاء هذه النعم لمن يفسد من الأمور التي لا تهتدي العقول فيها إلى وجه الحكمة فإذا كنت تفعلها، وأعلم أنك لا تفعلها إلا لوجه دقيق وسر غامض أنت مطلع عليه فما أعظم حكمتك وأجل علمك ،  فالحاصل أن قوله : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } كأنه تعجب من كمال علم الله تعالى وإحاطة حكمته بما خفي على كل العقلاء .
        وثانيها : أن إيراد السؤال طلبا للجواب غير محذور" (3)
         أما فهم السائل أن الملائكة ادعوا العلم بالغيب بغير حق فليس صحيحًا أيضًا ؛ لأن من شأن القرآن الكريم أن يختصر الكلام ويأتي بالمقصود الأهم ، فالله عز وجل هو الذي أخبر الملائكة بذلك وهذا القول مروي عن ابن مسعود وكثير من الصحابة.(4)
        كما أنه لم يسبق لأحد من عامة البشر أن اطلع على خلق الملائكة ولا كيفية تكوينهم وفهمهم وإدراكهم ، ولكن الإيمان بالملائكة وصفاتهم من العقائد المقررة التي اتفق عليها المسلمون ، ومن صفات الملائكة أنهم عباد صالحون ، ولا يستبعد على من هذا شأنه أن يدرك صفات بعض المخلوقين بمجرد مشاهدتهم.
        لذلك يقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله : " ومجرد مشاهدة الملائكة لهذا المخلوق العجيب المراد جعله خليفة في الأرض كافٍ في إحاطتهم بما يشتمل عليه من عجائب الصفات على نحو ما سيظهر منها في الخارج ؛ لأن مداركهم غاية في السمو لسلامتها من كدرات المادة، وإذا كان أفراد البشر يتفاوتون في الشعور بالخفيات ، وفى توجه نورانية النفوس إلى المعلومات، وفى التوسم والتفرس في الذوات بمقدار تفاوتهم في صفات النفس جبلية واكتسابية ولدنية التي أعلاها النبوة ، فما ظنك بالنفوس الملكية البحتة ". (5)
     
    وبهذا الذي قررناه يندفع أيضًا الظن بأن الملائكة طعنوا في آدم من قبل خلقه.
        أما فهم السائل أن الملائكة زكوا أنفسهم ، مع القدح في آدم وذريته، فهذا أيضاً خطأ ؛ لأن ما قالوه إنما هو إخبار عن علم حصل لهم من الله عز وجل . وذكر محاسن النفس ليس مذموماً على كل حال بل يكون ممدوحاً عند التحدث بنعمة الله عز وجل، قال الله تعالى : {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [ الضحى : 11] . ويمكن أن يكون المراد ليس مدح النفس وإنما إظهار كامل الخضوع لله عز وجل بذكر هذه العبارة .

     
     
     
     
    الهوامش:
    ----------------------------
    (1) الحشوية مجموعة من أحبار اليهود ورهبان النصارى والمجوس أظه
    روا الإسلام ثم أخذوا يبثون ما عندهم من الأساطير بين من تروج عليهم ممن لم يهذبوا العلم من أعراب الرواة وبسطاء مواليهم ومنهم حشوية الحديث و حشوية الشيعة، نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام صـ285 وما بعدها، وقد أفاض الإمام الرازي رحمه الله تعالى في الرد على هذه الشبهة وبيان وجه الزيف فيها.
    (2) التحرير والتنوير 1 / 400.
    (3) مفاتيح الغيب 2 / 168
    (4) مفاتيح الغيب 2 / 170 
    (5) التحرير والتنوير 1 / 403

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()