الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد[1].
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتاً لا شك فيه، الإذن في نكاح المتعة، ثم تحريمه تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة، وحكي إجماع من سوى الشيعة على ذلك، وما يشبه الإجماع من أئمة العلم، نذكر منهم من يلي:
1- أبو عبيد: قال: (المسلمون اليوم مجمعون على أن متعة النساء قد نسخت بالتحريم، نسخها الكتاب والسنة، وهذا قول أهل العلم جميعاً؛ من أهل الحجاز والشام والعراق من أصحاب الأثر والرأي، وأنه لا رخصة فيها لمضطر، ولا لغيره)[2].
2- الإمام / أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المعروف: بأبي جعفر النحّاس، نص في كتابه الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ص: 105، على اجتماع من تقوم به الحجة، على أن المتعة حرام بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الخلفاء الراشدين المهديين.
وتوقيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس، وقوله: (إنك رجل تائه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم المتعة)[3]، قال: (ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصحة طريقه وروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم المتعة)، وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه.
ثم قال في ص: 106: " قرأ عليَّ أحمد بن محمد الأزدي، عن إبراهيم بن داود قال: حدثنا عبد الله بن محمد أسماء قال: حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري، أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما، أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس: (إنك رجل تائه - يعني: مائل - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة). قال أبو جعفر: ولهذا الحديث طرق، اخترنا هذا؛ لصحته ولجلالة جويرية؛ ولأن ابن عباس لما خاطبه علي رضي الله عنه بهذا لم يحاججه، فصار تحريم المتعة إجماعاً؛ لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن عباس" ا هـ.
3- الطحاوي قال في (شرح معاني الآثار) ج3، ص: 27، بعد روايته نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن متعة النساء، قال: (فهذا عمر رضى الله عنه قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليه منهم منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك دليل على نسخها وحجة). اهـ.
4- البغوي قال في (شرح السنة) ج9، ص: 100: " اتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة، وهو كالإجماع بين المسلمين، وروي عن ابن عباس شيء من الرخصة للمضطر إليه بطول الغربة، ثم رجع عنه حيث بلغه النهي". ا هـ.
5- الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي، قال في (الناسخ والمنسوخ من الآثار) ص: 138: بعد ما روى من طريق الشافعي أنه قال: أنبأنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، قال: سمعت ابن مسعود يقول: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فأردنا أن نختصي، فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء)[4]، قال بعد أن رواه، وقال: " هذا طريق حسن صحيح. وهذا الحكم كان مباحاً مشروعاً في صدر الإسلام، وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ للسببب الذي ذكره ابن مسعود، وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم، ولهذا نهاهم عنه غير مرة، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة، حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا تأقيت، فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة، إلا شيئاً ذهب إليه بعض الشيعة، ويروى - أيضاً - عن ابن جريج جوازه" ا هـ.
6- الإمام محمد بن علي الشوكاني قال في كتابه (السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار): " اعلم أن النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة، هو النكاح الذي يعقده الأولياء للنساء، وقد بالغ الشارع في ذلك، حتى حكم بأن النكاح الواقع بغير ولي باطل، وكرر ثلاثاً، ثم النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة هو النكاح الذي أوجب الشارع، فيه إشهاد الشهود؛ لما ثبت ذلك بالأحاديث، ثم النكاح الذي شرعه الشارع هو النكاح الذي يحصل به التوارث، ويثبت به النسب، ويترتب عليه الطلاق والعدة.
وإذا عرفت هذا، فالمتعة ليست بنكاح شرعي، وإنما هي رخصة للمسافر مع الضرورة، ولا خلاف في هذا، ثم لا خلاف في ثبوت الحديث المتضمن للنهي عنها إلى يوم القيامة، وليس بعد هذا شيء، ولا تصلح معارضته بشيء مما زعموه.
وما ذكروه من أنه استمتع بعض الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم فليس هذا ببدع، فقد يخفى الحكم على بعض الصحابة؛ ولهذا صرح عمر بالنهي عن ذلك، وأسنده إلى نهيه صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن بعض الصحابة تمتع، فالحجة إنما هي فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا فيما فعله فرد أو أفراد من الصحابة.
وأما المراوغة بأن التحليل قطعي، والتحريم ظني فذلك مدفوع بأن استمرار ذلك القطعي ظني بلا خلاف، والنسخ إنما هو للاستمرار، لا لنفي ما قد وقع، فإنه لا يقول عاقل بأنه ينسخ ما قد فرغ من فعله، ثم قد أجمع المسلمون على التحريم، ولم يبق على الجواز إلا الرافضة، وليسوا ممن يحتاج إلى دفع أقوالهم، ولا هم ممن يقدح في الإجماع، فإنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال ابن المنذر: (أجمع العلماء على تحريمها إلا الروافض)، وقال ابن بطال: (وأجمعوا الآن على أنه متى وقع – يعني المتعة – أُبطل، سواء كان قبل الدخول أو بعده)،وقال الخطابي: (تحريم المتعة كالإجماع، إلا عند بعض الشيعة) اهـ [5].
وعبارات أئمة العلم التي تنحو هذا المنحى - في حكاية إجماع من سوى الشيعة، أو ما يشبه الإجماع - كثيرة، لكن بعد إعطائنا الموضوع ما يستحق من الدراسة، وجدنا مع المجيزين لمتعة النساء من الأمور ما لابد من عرضه، والإجابة عليه، فنقول، وبالله التوفيق:
تعلق المجيزون لمتعة النساء بما يلي:
1- قول الله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً[6]؛ لما ورد عن بعض السلف من يفسره بنكاح المتعة، ولقراءة طائفة من السلف: ((فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)).
2- اختلاف الروايات الواردة في بيان أول وقت لتحريم المتعة، حيث ذكر مسلم من رواية سلمة بن الأكوع إباحتها يوم وطاس[7]، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح، وتحريمها فيه[8]، ومن حديث علي تحريمها يوم خيبر، وهو قبل الفتح[9]، وذكر غير مسلم من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك))[10]، وروى أبو داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع[11]، وقال أبو داود: (وهذا أصح ما روي في ذلك)، وروي عن سبرة - أيضاً -: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها في حجة الوداع، ثم نهى عنها حينئذ إلى يوم القيامة))[12]، وجاء عن الحسن البصري أنه قال: (ما حلّتْ قط إلا في عمرة القضاء)[13].
قال المتعلقون بهذا الاختلاف: إن هذا الاختلاف يعتبر قادحاً في كل رواية من روايات التحريم؛ لذلك نرى البقاء على الإباحة.
3- ما ثبت من حديث همام عن قتادة، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في متعة النساء، ومتعة الحج: (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما, وأعاقب عليهما: متعة النساء، ومتعة الحج)[14].
وما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث)[15].
قال المتعلقون بهاتين الروايتين: إنهما دالتان على أن عمر هو الذي حرم نكاح المتعة.
4- ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من إباحة نكاح المتعة في روايات بعضها مطلق، وبعضها مقيد بالضرورة.
5- ما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي، فنهانا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[16]).
6- ما ذكره ابن حزم في (المحلى)، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في ج9 من (فتح الباري) ص: 174، حيث قال: (ثبت على إباحتها – متعة النساء – بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر وعمرو بن حريث، ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، قال: ومن التابعين: طاووس وسعيد بن جبير وعطاء، وسائر فقهاء مكة).
هذا ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، وبعد مراجعة (المحلى) وجدنا فيه ابن حزم قد ذكر أسماء بنت أبي بكر، ضمن أولئك الصحابة الذين ادعى ابن حزم أنهم ثبتوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإباحة، كما ذكر أن هناك رواية أخرى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه إنما أنكر متعة النساء إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وإباحتها بشهادة عدلين.
7- ما عزي إلى عطاء وابن جريج ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وابن جرير، من إباحة متعة النساء؛ فقد جاء في المنتقى شرح الموطأ: أن عطاء كان يقول بإباحتها، وقال الخطابي: يحكى عن ابن جريج جوازها، وحكى بعض الحنفية عن مالك إباحتها، وحاول بعض أهل العلم نقل رواية عن الشافعي بمثل مذهب ابن عباس فيها، ورويت عن الإمام أحمد بن حنبل رواية ظاهرها الكراهة دون التحريم، فقد سأله ابن منصور عن متعة النساء، فقال: " يجتنبها أحب إلي"، وورد في نيل الأوطار للشوكاني ما نصه: يروى عن ابن جرير جوازه – نكاح المتعة – ".
لهذا نلتزم الإجابة عن جميع هذه الأمور، ونضيف إلى ذلك تعريف المتعة، وهل يترتب الحدّ على ارتكابها بعد إعلان تحريمها؟
فنقول وبالله التوفيق:
أما الاستدلال بقول الله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً[17] الآية، على إباحة نكاح المتعة , فقد أجيب عنها بأمور:
أحدها: ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الثاني من (منهاج السنة) ص: 155، 156, ونصه: " أما متعة النساء المتنازع فيها، فليس في الآية نص صريح بحلها – المتعة – فإنه قال تعالى: وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ... [18] الآية، فقوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ متناول لكل من دخل بها، أما من لم يدخل بها فإنها لا تستحق إلا نصفه، وهذا كقوله تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا[19]، فجعل الإفضاء مع العقد موجب لاستقرار الصداق، فبين ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى، بل إعطاء الصداق كاملاً في المؤبد أولى، فلابد أن تدل الآية على المؤبد؛ إما بطريق التخصيص، وإما بطريق العموم، يدل على ذلك أنه ذكر بعد هذا نكاح: الإماء، فعلم أن ما ذكر في نكاح الحرائر مطلقاً.
قال: فإن قيل: ففي قراءة طائفة من السلف: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) [20] قيل: أولاً: ليست هذه القراءة متواترة، وغايتها أن تكون كأخبار الآحاد[21]، ونَحْنُ لا ننكر أن المتعة أحلت في أول الإسلام، لكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك.
الثاني: أن يقال: إن كان هذا الحرف نزل، فلا ريب أنه ليس ثابتاً من القراءة المشهورة، فيكون منسوخاً، ويكون لما كانت المتعة مباحة، فلما حرمت نسخ هذا الحرف. أو يكون الأمر بالإيتاء في الوقت؛ تنبيهاً على الإيتاء في النكاح المطلق.
وغاية ما يقال: أنهما قراءتان، وكلاهما حق، والأمر بالإيتاء في الاستمتاع إلى أجل واجب إذا كان ذلك حلالاً، وإنما يكون ذلك إذا كان الاستمتاع إلى أجل مسمى حلالاً، وهذا كان في أول الإسلام، فليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع بها إلى أجل مسمى حلال؛ فإنه لم يقل وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمى، بل قال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع - سواء كان حلالاً أم وطئ شبهة -؛ ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق، والمستمتع إذا اعتقد حل المتعة وفعلها فعليه المهر، وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الآية، فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنا، ولا مهر فيه، وإن كانت مستكرهة ففيه نزاع مشهور" اهـ.
وهذا الجواب الذي أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية هنا؛ من عدم دلالة آية: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ على إباحة متعة النساء، رواه الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره (جامع البيان عن تأويل القرآن) عن ابن عباس والحسن ومجاهد وابن زيد، وجزم بأنه الأولى بالصواب.
قال ابن جرير: "حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً يقول: إذا تزوج الرجل منكم المرأة ثم نكحها مرة واحدة، فقد وجب صداقها كله، والاستمتاع هو النكاح، وهو قوله: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ: النكاح.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، قال: النكاح أراد.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً الآية، قال: هذا النكاح، وما في القرآن إلا نكاح إذا أخذتها واستمتعت بها فأعطها أجرها الصداق، فإن وضعت لك منه شيئاً فهو لك سائغ. فرض الله عليها العدة، وفرض لها الميراث. قال: والاستمتاع هو النكاح هاهنا إذا دخل بها.
ثم ذكر ابن جرير القول: بأن المراد بالآية متعة النساء، وتعقبه بقوله: (وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوله: فما نكحتموه منهن فجامعتموه فآتوهن أجورهن؛ لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح، أو الملك الصحيح على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ثم قال ابن جرير: " حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: حدثني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استمتعوا من هذه النساء))، والاستمتاع عندئذ يومئذ: التزويج)[22].
وقد دلنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام من غير هذا الموضع، من كتبنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأضاف ابن جرير إلى ذلك رواية ما روي عن أُبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما من قراءتها: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) وعلق عليه بقوله: أما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتها: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)، فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئاً لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه. اهـ.
كما ذكر ابن جرير ضمن أقوال المفسرين في قول الله تعالى: وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، ذكر قول السدي: معناها: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى، إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهن في الفراق، أن يزدنكم في الأجل وتزيدوا من الأجر، والفريضة قبل أن يستبرئن أرحامهن.
وتعقبه بقوله: (فأما الذي قاله السّدي، فقوله لا معنى له؛ لفساد القول بإحلال جماع امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين)، واختار ابن جرير قول من قال في معنى الآية: (ولا حرج عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم من بعد إعطائهن أجورهن على النكاح الذي جرى بينكم وبينهن؛ من حط ما وجب لهن عليكم، أو إبراء أو تأخير أو وضع)، وقال: وذلك نظير قوله جل ثناؤه: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا[23] اهـ.
وممن أيد القول بأن آية: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ لا دلالة فيها على إباحة متعة النساء من أئمة التفسير: أبو جعفر النحاس، وأبو بكر القصاص، وابن خويز منداد، وابن العربي، وابن الجوزي، وفيما يلي نصوصهم:
قال أبو جعفر النحاس في (الناسخ والمنسوخ من القرآن) ص: 105،106: " قال قوم – أي في الكلام على الآية المذكورة -: هو - أي الاستمتاع - النكاح بعينه، وما أحل الله المتعة قط في كتابه، فممن قال هذا من العلماء: الحسن ومجاهد، كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا الفريابي عن ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، قال: النكاح.
وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الحسن: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ، قال: النكاح.
قال أبو جعفر: وكذا يروى عن ابن عباس، وسنذكره بإسناده وشرحه، ووفى بهذا الوعد في ص: 106، 107، حيث قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: وقوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، يقول: إذا تزوج الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة، وجب لها الصداق كله. والاستمتاع: النكاح، قال: وهو قوله عز وجل: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً.
قال أبو جعفر: فبيّن ابن عباس أن الاستمتاع هو النكاح بأحسن بيان، والتقدير في العربية:
فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ. و (ما) بمعنى: من، وقيل: فما استمتعتم به من دخول بالمرأة فلها الصداق كاملاً، أو النصف إن لم يدخل بها، وقال أبو جعفر: قد روى الربيع بن سبرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه حرم المتعة يوم الفتح.
وقد صح من الكتاب والسنة التحريم، ولم يصح التحليل من الكتاب، بما ذكر من قول من قال: إن الاستمتاع النكاح، على أن الربيع بن سبرة قد روى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ((استمتعوا من هذه النساء)). قال: والاستمتاع عندنا يومئذ: التزويج. اهـ.
وقال أبو بكر الجصاص في الباب الذي عقده في أحكام القرآن لمتعة النساء ج2 ص: 148، 149، قال: " من فحوى الآية - أي قول الله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً - من الدلالة على أن المراد: النكاح دون المتعة، ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه عطف على إباحة النكاح في قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ وذلك إباحة لنكاح من عدا المحرمات لا محالة؛ لأنهم لا يختلفون أن النكاح مراد بذلك، فوجب أن يكون ذكر الاستمتاع بياناً لحكم المدخول بها بالنكاح، في استحقاقها لجميع الصداق.
الثاني: قوله تعالى: مُّحْصِنِينَ والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح؛ لأن الواطئ بالمتعة لا يكون محصناً ولا يتناوله هذا الاسم؛ فعلمنا أنه أراد النكاح.
الثالث: قوله تعالى:غَيْرَ مُسَافِحِينَ، فسمى الزنا سفاحاً؛ لانتفاء أحكام النكاح عنه؛ من ثبوت النسب، ووجوب العدة، وبقاء الفراش، إلى أن يحدث له قطعاً، ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معنى الزنا، ويشبه أن يكون من سماها سفاحاً ذهب إلى هذا المعنى، إذ كان الزاني إنما سُمِّي مسافحاً؛ لأنه لم يحصل له من وطئها فيما يتعلق بحكمه إلا على سفح الماء باطلاً من غير استلحاق نسب، فمن حيث نفى الله تعالى بما أحل من ذلك، وأثبت به الإحصان، فاسم السفاح وجب ألا يكون المراد به الاستمتاع هو المتعة إذ كانت في معنى السفاح، بل المراد به: النكاح، وقوله تعالى:غَيْرَ مُسَافِحِينَ شرط في الإباحة المذكورة، وفي ذلك دليل على النهي عن المتعة، إذا كانت المتعة في معنى السفاح من الوجه الذي ذكرنا ". اهـ.
وأجاب الجصاص عن القراءة المنسوبة إلى أُبي (إلى أجل مسمى)، بأنه لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين بها؛ لعدم ثبوت تلك القراءة، وبأنه لو كان في الآية إلى أجل مسمى، لما دل أيضاً على متعة النساء؛ لأن الأجل يجوز أن يكون داخلاً على المهر، فيكون تقديره: فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى، فأتوهن مهورهن عند حلول الأجل.
وقال ابن خويز منداد المالكي: لا يجوز أن تحمل الآية - أي: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً - على جواز المتعة - أي متعة النساء -؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نهى عن نكاح المتعة وحرمها))؛ ولأن الله تعالى قال: فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك"، نقل ذلك عن ابن خويز منداد، الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) ص: 129، 130.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: " فيه - أي قول الله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ الآية - قولان:
أحدهما: أنه أراد استمتاع النكاح المطلق، قاله جماعة منهم: الحسن ومجاهد، وإحدى روايتي ابن عباس.
الثاني: أنه متعة النساء بنكاحهن إلى أجل.
روي عن ابن عباس أنه سئل عن المتعة فقرأ: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)، قال ابن عباس: (والله لأنزلها الله كذلك)، وروي عن حبيب بن ثابت قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً وقال: هذه قراءة أُبي، وفيه مثل ما تقدم - أي إلى أجل مسمى - ولم يصح ذلك عنهما، فلا تلتفتوا إليه. وقول الله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ يعني: النكاح الصحيح ". ا هـ.
وقال ابن الجوزي في (زاد المسير في علم التفسير) ج2 ص: 53، 54 المكتب الإسلامي: قد تكلف قوم من مفسري القراء، فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء.
وهذا تكلف لا يحتاج إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ثم منع منها، فكان قوله منسوخاً بقوله، وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة؛ لأنه تعالى قال فيها: أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فدل ذلك على النكاح الصحيح، قال الزجاج: ومعنى قوله: (فما استمتعتم به منهن): فما نكحتم وهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ؛ أي عاقدين التزويج: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي مهورهن، ومن ذهب في الآية إلى غير هذا فقد أخطا، وجهل اللغة ". اهـ.
وبما بيناه يتبين أن ما نقله القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) عن أبي بكر الطرطوشي، وهو أنه قال - بعد أن ذكر من يدعي أنه قد رُخِّص في نكاح المتعة -: " وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالح، على أن هذه الآية - أي: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ- منسوخة، وأن المتعة حرام " غير مسلم بالنسبة إلى الدعوى في الآية.
الثاني: مما أجيب به عن الاستدلال بقول الله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الآية، لجواز متعة النساء، ما ذكره شيخ الإسلام في ج2 من (منهاج السنة) حيث قال - بعد ذكر الجواب المتقدم -: " وأيضاً فإن الله تعالى إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين، والمستمتع بها ليست واحدة منهما، فإنها لو كانت زوجة لتوارثا، ولوجب عليها عدة الوفاة، وللحقها الطلاق الثلاث، فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله تعالى فلما انتفى عنها لوازم النكاح، دل على انتفاء النكاح؛ لأن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، والله تعالى إنما أباح في كتابه الزواج وملك اليمين، وحرم ما زاد على ذلك بقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ[24]، والمُتمتَّع بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين، فتكون حراماً بنص القرآن.
أما كونها ليست مملوكة فظاهر، وأما كونها ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح فيها، فإن من لوازم النكاح: كونه سبباً للتوارث، وثبوت عدة الوفاة فيه، والطلاق الثلاث، وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول، وغير ذلك من اللوازم.
قال: فإن قيل: فقد تكون زوجة لا ترث؛ كالذمية والأمة، قيل: عندهم نكاح الذمية لا يجوز، ونكاح الأمة إنما يجوز عند الضرورة، وهم يبيحون المتعة مطلقاً.
ثم يقال: نكاح الذمية والأمة سبب للتوارث، ولكن المانع قائم، وهو الكفر والرّقّ، كما أن النسب سبب للتوارث، إلا إذا كان الولد رقيقاً أو كافراً، فالمانع قائم؛ ولهذا إذا أعتق الولد أو أسلم ورث أباه، وكذلك الزوجة إذا أسلمت في حياة زوجها، ورثته باتفاق المسلمين، وكذلك إذا أُعتقت في حياته واختارت بقاء النكاح، ورثته باتفاق المسلمين.
بخلاف المستمتع بها، فإن نفس نكاحها لا يكون سبباً للإرث، فلا يثبت التوارث فيه بحال، فصار هذا النكاح كولد الزنا الذي ولد على فراش زوج، فإن هذا لا يلحق بالزاني بحال، فلا يكون ابناً يستحق الإرث.
قال: فإن قيل: النسب قد تُبَعَّض أحكامه فكذلك النكاح، قيل: هذا فيه نزاع، والجمهور يسلمونه. ولكن ليس في هذا حجة لهم؛ فإن جميع أحكام الزوجة منتفية في المستمتع بها، لم يثبت فيها شيء من خصائص النكاح الحلال؛ فعلم انتفاء كونها زوجة، وما ثبت فيها من الأحكام؛ من لحوق النسب، ووجوب الاستبراء، ودرء الحدود، ووجوب المهر، ونحو ذلك، فهذا يثبت في نكاح الشبهة؛ فعلم أن وطء المستمتع بها ليس وطئاً لزوجة، لكنه - مع اعتقاد الحل - مثل الوطء بشبهة، وأما كون الوطء حلالاً، فهذا مورد النزاع؛ فلا يحتج به أحد المتنازعين، وإنما يحتج على الآخر بموارد النص والإجماع ". ا هـ.
وممن سبق شيخ الإسلام إلى هذا الجواب: أبو بكر الجصاص في (أحكام القرآن): ج2 ص: 149، قال: " الدليل على تحريمها قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ[25]، فقصر إباحة الوطء على أحد هذين الوجهين، وحظر ماعداهما بقوله: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، والمتعة خارجة عنها؛ فهي إذن محرمة.
فإن قيل: ما أنكرت أن تكون المرأة المستمتع بها زوجة، وأن المتعة غير خارجة عن هذين الوجهين الذين قصر الإباحة عليهما؟ قيل له: هذا غلط؛ لأن اسم الزوجة إنما يقع عليها ويتناولها إذا كانت منكوحة بعقد نكاح، وإذا لم تكن المتعة نكاحا لم تكن هذه زوجة.
فإن قيل: ما الدليل على أن المتعة ليست بنكاح؟ قيل له: الدليل على ذلك أن النكاح اسم يقع على أحد معنيين: الوطء والعقد، وقد بينا فيما سلف أنه حقيقة في الوطء، مجاز في العقد، وإذا كان الاسم مقصوراً في إطلاقه على أحد هذين المعنيين، وكان إطلاقه في العقد مجازا على ما ذكرنا، ووجدناهم أطلقوا الاسم على عقد تزويج مطلق، أنه نكاح، ولم نجدهم أطلقوا اسم النكاح على المتعة، فلا يقولون: إن فلانا تزوج فلانة، إذا شرط التمتع بها، لم يجز لنا إطلاق اسم النكاح على المتعة؛ إذ المجاز لا يجوز إطلاقه إلا أن يكون مسموعا من العرب، أو يرد به الشرع. فلما عدمنا إطلاق اسم النكاح على المتعة في الشرع واللغة جميعا، وجب أن تكون المتعة ما عدا ما أباحه الله، وأن يكون فاعله عادياً ظالماً لنفسه، مرتكبا لما حرمه الله.
وأيضاً، فإن النكاح له شرائط قد اختص بها، متى فقدت لم يكن نكاحا، ومنها: أن مضي الوقت لايؤثر في عقد النكاح، ولا يوجب رفعه، والمتعة - عند القائلين بها - توجب رفع النكاح بمضي المدة، ومنها: أن النكاح فراش يثبت به النسب من غير دعوة، ولا ينتفي الولد المولود على فراش النكاح إلا باللعان، والقائلون بالمتعة لا يثبتون النسب منه؛ فعلمنا أنها ليست بنكاح ولا فراش، ومنها: أن الدخول بها على النكاح يوجب العدة عند الفرقة، والموت يوجب العدة - دخل بها أو لم يدخل - قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا[26]، والمتعة لاتوجب عدة الوفاة، قال تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ[27]. ولاتوارث عندهم في المتعة.