بتـــــاريخ : 11/8/2008 3:35:19 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1133 0


    عدم الإتيان بجواب " لمَّا "

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : د / عبد العظيم المطعني | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :
    الدفاع الاسلام شبهات حول القرآن

    الشبهة

    منشأ هذه الشبهة :
    هو قوله تعالى ( فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) (1).
    وموطن الشاهد عندهم هو قوله جل شأنه : ( فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه . . ) .
    بحثوا عن جواب " لما " فلم يجدوه ، فرموا القرآن بالخطأ ؛ لأنه لم يذكر جواب " لما " ثم قالوا :
    " فأين جواب لما ؟ ولو حذفت الواو التى قبل لما لاستقام المعنى " .

     
    الرد عليها
    أ. د / عبد العظيم المطعني

         قلنا إن هذه الشبهة تتعلق بفن الحذف ، وهو مبحث بلاغى أكثر منه نحويًّا.
        إن كل محذوف عندهم غلط شنيع ، وكل حذف خلط فظيع ، والناس ـ كما قيل فى المثل ـ أعداء ما جهلوا.
        يقول الإمام عبد القاهر الجرجان  - شيخ البلاغيين - فى وصف الحذف البلاغى ، وروائع ثماره ، وبديع آثاره :
    " هو بحث دقيق المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر ، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تُبن " (2).
        هذه هى منزلة الحذف فى البيان العربى ، السارى فى أعطاف الكلام سريان النسيم فى الرياض الفيحاء ، وقد شاع شيوعاً لا حصر له فى القرآن الكريم ، إذ لم تكد تخلو منه سورة من سوره ، ولا آية من آياته والمعانى التى يدل عليها الحذف فى القرآن تكاد تعادل ربع معانى القرآن كله. وهو منهج واسع وحكيم من مناهج اللغة العربية لا مثيل له .
        ولذلك نجد العلامة اللغوى العظيم ابن جنى ، يسميه فى كتابه "الخصائص" اسمًا طريفًا ، هو: شجاعة العربية ".
        وينتمى الحذف البلاغى إلى فن بلاغى حصر بعض العلماء البلاغة فيه ، وهو " فن الإيجاز " أى قلة الألفاظ مع كثرة المعانى .
    وله مقامات يتألق فيها ، ومقتضيات يوفى بأغراضها .
        ومن مقاماته الحذف الوارد فى آية سورة " يوسف " التى رآها من عشا بصره ، وغلظ قفاه ، وضل عقله خطأ ينبغى أن يصوَّب ، ولحنًا يجب أن يقوَّم .
        إن حذف جواب " لما " هنا المراد منه تهويل وتفظيع ما حدث من إخوة يوسف ليوسف ، بعد أن أذن لهم أبوهم بالذهاب به إلى الصحراء ، وقد روى عنهم أنهم أخذوا يؤذونه بالقول والفعل وهم فى الطريق إلى المكان الذى قصدوه ، حتى كادوا يقتلونه ، والدليل على هذا قوله تعالى حكاية عن أحد إخوته :
        ( قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب يخلُ لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين ) (3) .
        فالنهى عن القتل لا يكون إلا عند العزم عليه ومباشرة أسبابه .
        لذلك حذف جواب " لما " لتذهب النفس فى تصوره كل مذهب ، وحذف هذا الجواب فيه دلالة على طول ما حدث منهم ، وعلى غرابته وبشاعته ، لذلك قدره الإمام الزمخشرى فقال :
        " فعلوا به ما فعلوا من الأذى.. وأظهروا له العداوة وأخذوا يهينونه ويضربونه ، وإذا استغاث بواحد منهم لم يغثه إلا بالإهانة والضرب . . " (4) . وسار على هذا النهج الإمام البيضاوى (5) .
    وذهب غيرهما فى تقدير الجواب مذاهب أخرى ، والذى أتاح لهم هذا الاختلاف فى تقدير الجواب المحذوف هو الحذف نفسه (6) .
        أما اقتراح مثيرى الشبهة أن يحذف " الواو " فى " وأوحينا " ليستقيم المعنى فخطأ جسيم ؛ لأن " أوحينا " ليس هو جواب " لما " وإنما هو معطوف على الجواب المقدر لأن جواب " لمَّا " هو ما حدث ليوسف من إخوته بمجرد خروجهم به من عند أبيهم وبعدهم عنه قليلاً .
         ودليل ذلك هو العطف بالفاء فى " فلما " لأنها تفيد الفورية والترتيب .

     

     

    الهوامش:
    --------------------------
    (1) يوسف: 15.
    (2) دلائل الإعجاز (146) تحقيق الشيخ محمد محمد شاكر.
    (3) يوسف: 9.
    (4) الكشاف (3/306-307).
    (5) أنوار التنزيل (1/387).
    (6) الدر المصون (6/453).

    كلمات مفتاحية  :
    الدفاع الاسلام شبهات حول القرآن

    تعليقات الزوار ()