بتـــــاريخ : 11/5/2008 6:40:38 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1038 0


    في الطريق إلى الاسلام

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د. جيفري لائغ | المصدر : www.balagh.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الطريق الاسلام

    لقد أصبح الصيف فصلي المفضّل بشمسه ودفئه وأيامه الطوال ونزهاته الممتعة التي أقوم بها بعد العصر. ولكنني عندما كنت في الثانية عشر من عمري كان فصلي المفضل هو بلا شك الشتاء، بعواصفه وكراته الثلجية التي كنا نتقاذفها وكرة قدم الجليد والزلاّجات ولعبة الهوكي، وغيرها. وكنت أحب الشتاء لأني كنت أمضي فيه بضع ساعات مع والدي كل يوم بين الفينة والأخرى، لأنه في باقي فصول السنة كان يعمل اثنتي عشرة ساعة في اليوم في مصلحة التكييف والتبريد. وفي بعض أيام الآحاد كنا نأخذ كلبنا معنا للتنزه قرب الشاطئ. وكان أبي يفضّل من أجل ذلك الأيام الأسوأ طقساً: العاصفة، والرمادية الضبابية، والقارسة البرودة، تلك التي تذكرني الآن بأيام كان فيها صغيراً يأخذ الصور ويرسم اللوحات لمثل تلك المواسم من أجل كسب الجوائز.وفي أحد تلك الأيام، كنا على وشك العودة إلى البيت عندما نظرت إليه وسألته: (هل تؤمن بالسماء والجنة يا أبتي؟) عرفت أنني سوف أحصل على جواب صريح وليس جواباً ملطفاً غير مباشر لفكرة سيئة. فلو كانت الإجابة لأمي على مثل هذا السؤال لفكَّرتْ طويلاً في التأثير الذي قد يسببه جوابها عليّ قبل أن تدلي به، ولكن استجابة أبي لأي سؤال كانت واحدة بغض النظر عن طبيعة السؤال. ولكنه لم يكن ليجيب دون تفكير طبعاً، وبالنسبة إلى ذلك السؤال دون عاطفة، بل كان يفكر بكل موضوع كنت أسأله عنه ملياً، وكأنما الموضوع يهمه جداً وبشكل شخصي.
    وعندما سألته ذلك السؤال عن الجنة، لم يظهر لي أي ردود فعل مباشرة بل تابع المسير. تابعنا طريقنا في الرياح الباردة الرطبة المتلاطمة التي كانت تدفع شعره الرمادي الكثيف إلى الخلف بينما كانت تلسع وجهي. بدأت أتساءل في نفسي إن كان سمع سؤالي أم لا، ذلك أننا كنا قد مشينا لأكثر من نصف ميل منذ أن طرحت عليه ذلك السؤال. ثم تباطأت خطاه ليقف ووجهه متجه نحو الشاطئ. لقد كان نظره بعيداً عندما قال لي وكأنما يخاطب نفسه: (أستطيع أن أؤمن بالجحيم بسهولة، لأن على الأرض أماكن كثيرة كالجحيم، وأما الجنّة…) توقف لبضع ثوان ثم هزّ رأسه وقال: (… أما الجنة، فلا أستطيع تصورها).
    لم أندهش كثيراً برغم صغر سني عند ذلك الوقت. كان والدي حسّاساً للغاية، وكنت أعرف لتوي أن الحياة قد سلبته آماله وأحلامه. فكل ليلة كان يأتي فيها من العمل كنا نشعر به وهو يحاول أن يكظم غيظه، ولكن في معظم الأحيان كان ينفجر غضباً بسبب مشاعره المحبطة. إن السخط مُعْدٍ، وسرعان ما تأثرنا جميعاً بنظرته السوداوية والساخرة والحانقة على الحياة - في النهاية كنّا جميعاً أطفالاً وكنا عاجزين عن الدفاع عن عواطفنا. فعندما كانت مشاعر الإحباط تصيب العديد من أبناء جيلي بسبب مقتل كينيدي، أو بسبب حرب فيتنام، أو بسبب قضية واترغيت، لم يكن كل ذلك ليثيرني ألبتة – فقد كان جميع ذلك توكيداً لما كنت قد تعلمته للتو.
    إن الأنماط المتدينة من البشر كانت تنتقد والدي لأنه كما يقولون فتح الباب للشكوك الدينية، ولكن الباب لم يكن موصداً قط، وإلا لما كنت طرحت سؤالي عليه. كنت أسير في تلك الأثناء بخطى ثابتة نحو الإلحاد، ولكن ما خفف من سرعة تقدمي نحو ذلك هو جواب والدي لي؛ ذلك أنه لم يكن غير متدين أصلاً. وأما حقيقة أنه كان لديه شكوك فقد بدا ذلك أنه أمر طبيعي تماماً – إذ كيف يمكن لرجل عاقل ومنطقي وعقلاني ألاّ تكون لديه شكوك؟ – ولكن أبي، مهما يكن، كان مؤمناً، ولابد أنه كانت لديه أسبابه للإيمان بالله، ولكنني لم أحاول قط أن أكتشف تلك الأسباب.
    تتابعت مشكلاتي مع الجنّة، لأنني كنت كلما تخيلت أن الله بقدرته هو الذي خلق هذا العالم، كنت أتساءل عن سبب خلقه له؟ بمعنى آخر، كنت أتساءل: لماذا لم يدعنا في الجنة وللأبد من البداية، ولماذا جعل فينا عيوباً كي يعاقبنا بها بآلامنا على هذه الأرض؟ وكنت أسأل نفسي: لماذا لم يجعل منّا ملائكة أو مخلوقات أفضل؟ طبعاً كنت قد أُسمعت كل الأحاديث عن قدرة الله اللامحدودة في العدالة، ولكن أين العدالة وأنا لم أختر طبيعتي، وأنا لم أخلق الغواية والإغراء، وأنا لم أطلب منه أن يخلقني أصلاً، وأنا لم آكل من الشجرة الملعونة! وهل خطر ببال أحد أن ‘قاب الله لنا يفوق بكثير حجم جريمتنا؟
    كنت أرى أن تلك العدالة لا تنسجم حتى ولو بشكل مجازي مع (الحب) و(الرحمة).
    ثم بدأت أكره كلمات العدالة والرحمة والمحبة هذه كرهاً مقيتاً. كنت أعتقد أن حياتنا على الأرض لا معنى أو فائدة لها، وأنه إن كان علينا أن نذهب إلى الجنة فإن تضحيتنا ونحن الأبرياء يجب أن تكون جسيمة، وأنه لابد لنا من أن نقبل بتناقضات صارخة. وأما البقية الباقية من البشر ممن لم يكن لديهم من الحظ ما يكفي كي يولدوا في العقيدة الصحيحة أو يتبعوها، أو ممن لم يقدروا على تعليق تفكيرهم وتعليل أسباب الحياة والانقياد خلف عواطفهم، فإن اللعنة الأبدية سوف تحل عليهم.
    كنت أتساءل في نفسي: ألم يكن من الأفضل لو أننا لم نخلق أصلاً ما دام الشر كامناً فينا؟ وأما ماج عل العقيدة عندي كريهة فهو هذا المظهر البراق الذي كانت تقدم إلينا به، وقد اعتدت أن أخفي عدم مبالاتي بها – على الأقل كمظهر خارجي – متذرعاً بأني لست عاطفياً، وخاصة عندما كنت أستمع للخطب والتوكيدات عن الحب المقدس، تماماً مثلما تحاول أن تجامل أحداً ما فقد عقله عن طريق مداعبته وإضحاكه. وعندما تبين أنه لا أمل يرتجى مني كنّا من وقت لآخر نعود إلى الموضوع الحقيقي وهو الوعيد الإلهي، فقد كان يقال لي: (ولكن ماذا لو كنتَ على خطأ؟) كما لو أنهم يريدونك أن تؤمن على أساس حسي وليس عقلانياً، أي احتياطاً لنفسك من ألا تكون هذه الرؤية الوحشية الهمجية حقيقة واقعة. ولكنني كنت أجيب: (وأما إن كنتُ على خطأ فلابد أن أكون على صواب، لأنني ارفض الاستسلام لمطالب لا عقلانية من طغيان لا محدود، وأرفض توريط نفسي في نرجسية لا تنطفئ تتغذى على تألم بائس، وأرفض أن أقبل بالمسؤولية وأن أتوب عن خطأ جسيم لم أرتكبه أصلاً. وفي النهاية سوف أكون الضحية الأبدية لأعظم ظلم في الكون، وبهذه الطريقة فسوف أكون وللأبد مثلاً من الحق أعلى من الذي جاء بنا إلى هذا الوجود. إن ذلك قد لا يخفف من ألمي في غرفة التعذيب أو الجحيم، ولكن على الأقل سوف يعطي لذلك معنى).
    (إذن كيف، بحق الله، أصبحت مسلماً؟).
    ليس الهدف هنا أن أشرح كيف أصبحت مسلماً، بل على القارئ أن يستنتج السبب المنطقي العقلاني الذي دفع بي إلى الاسلام. وقد يكون السبب عاطفياً وقد يكون سيكولوجياً (نفسياً)، وقد يكون روحانياً أيضاً، وقد يكون جميع ذلك. وبصراحة فأنا شخصياً لا أدري كيف حدث كل ذلك بالضبط، بل إن معظم ذلك حدث خارج إرادتي، ولكنه تم تبعاً لبعض القرارات الرئيسة التي كنت قد اتخذتها تمهيداً لذلك. وأما الفضوليون، فنهم يجب أن يعلموا أنه كي يصبح المرء مسلماً، يتوجب عليه التزام آنيٌّ بثلاثة مبادئ متداخلة غير منفصلة، الأول: لا إله، الثاني: إلا الله، الثالث: محمد رسول الله. وما قد قلته للتو في الصفحات الماضية يمثل كيف وصلت إلى الجزء الأول فقط من هذه المبادئ الثلاثة.
    ولكنني كتبت هذه الكلمات لدوافع أخرى: فقد كتبتها، كما كتبت ما قبلها، لأولادي، آملاً أن يعينهم صراعي في البحث عن معنىً للحياة. أريدهم أن يفهموا من أين جئت، وأن هذا الموضوع لم يكن بالنسبة إلي فضولاً أكاديمياً قط، بل تمريناً في فكرة عقلانية، وأن علاقتي به هي أكثر من مجرد اهتمام وأنه جزء من ماضيّ وحاضري ومستقبلي، وأنه جزء من بحثي وآلامي ورغباتي. إن السؤال الذي سألته لوالدي احترق في داخلي، كما احترق أيضاً ما قد تعلمته من ذلك السؤال، ولكنني لا أستطيع إلا أن أشاركهم ذلك السؤال وهذا الجواب. ومع ذلك فإني أكره أن أرى بحث أولادي منتهياً حيث انتهيت، بل إن أملي الكبير هو أن يبدأوا من حيث أنتهي؛ وذلك لأنه ليس ثمة جواب نهائي وكامل لأي انسان. إنه لخطأ جسيم أن يركن الانسان إلى تبصراته القديمة؛ لأن معرفتنا تنمو مع الزمن، ومن الخطأ الجسيم أيضاً أن نجعل من تلك التبصرات عقيدة لأنفسنا. إن هذا يعني أننا يجب أن نتوقف عن التقدم نحو الحقيقة وأن نركن إلى الركود وعدم التجديد وبالتالي إلى الضمور والاهتراء.

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الطريق الاسلام

    تعليقات الزوار ()