لنتعرف اولاص على أسباب هذا التعب. ربما يكون الاخفاق في أداء الواجب المنشود واحداً من أكبر أسباب الاجهاد العصبي في حياة الانسان.
فليس هناك ما يوهن العزيمة أكثر من القصور عن النجاح والتخلف حيال جدار يسد الطريق ويحول التقدم فينتهي الامر بالدوران في حلقة مفرغة: الفشل يولد التعب والتعب يبعث على استصعاب العمل وبالتالي يفضي الى الاخفاق.
ويعاني المرء وطأة التعب في مجالين رئيسيين: تعب البداية, وتعب الأداء. ففي الحال الأولى, يستمر المرء في تأجيل الشروع في عمل هو ملزم على نحو ما بإنجازه, وذلك إما بسبب طبيعة العمل المملة وإما بسبب صعوبته, فيميل الى التهرب منه. وكلما طالت مدة التأجيل تزايد شعور المرء بالتعب.
تعب البداية: إنه تعب حقيقي بالفعل, وإن لم يكن في الواقع تعباً بدنياً ينتاب العضلات ويرهق العظام. ولهذا النوع من التعب, تعب البداية, علاج جلي واضح, على الرغم من أنه ليس سهل التطبيق, عنيت به ممارسة الارادة.
وأفضل علاج لتعب البداية, هو التصدي له. فعندما تشعر بأنك تتأبى القيام بعمل معين, وتحاول أن تتنصل منه, فتدسه تحت كومة من الملفات الاخرى وكأنك تريد إبعاده عن ناظرك, فإن أفضل طريقة هو أن تستنجد بلحظة إرادة, وتقوم بإخلاء مكتبك من كل الملفات إلا الملف الذي تريد إبعاده عنك, وتتصدى لإنجازه قبل سواه على الاطلاق.
فإذا أردت أن تتجنب تعب البداية فعليك أن تتصدى لأصعب المهمات.
إنك قد تشعر بالتعب لأن هناك مهمة ما لا بد من أدائها تضغط على أعصابك, والحل هنا أن تؤديها, وتريح أعصابك. هذا عن تعب البداية.
وماذا عن تعب الأداء؟
إن ذلك أصعب من تعب البداية, لأن الانسان في هذه الحالة لا يتقاعس عن الشروع في العمل, وإنما يبدو قاصراً عن إنجاز المهمة التي يقوم بها لاسباب نفسية بحتة..
إنك حينما تواجه مشكلة ما, وتشعر بأنك غير قادر على التغلب عليها فلا ينفعك التفكير المباشر فيها, بل لا بد حينئذ من أن تريح عقلك المباشر, لتستنجد بعقلك الباطني..
فكما أنك لو ضيعت شيئاً, ثم لم تفلح جهودك في العثور عليه, فلا بد من أن تترك البحث فترة, لتجد كيف ان عقلك الباطني يدلك عليه, كذلك الامر بالنسبة الى المشاكل التي تعترضك فتسبب لك تعباً يمنعك من المواصلة..
إن في كل واحد منا طالقات ضخمة قد يمنع تدفقها سد نفسي عابر, فإذا أرحنا عقلنا بعض الوقت, فإن هذا السد سوف ينهار لتبعث فينا الحيوية والنشاط وتطلق تلك الطاقات..
وإذا ساورتك المشاكل المستعصية فعلاً فهنالك طريقة يمكنك تجربتها لإثارة العقل الباطني, وهي أن تكتب على الورق جميع الأساب التي تجعل المشكلة أمراً غير قابل للحل فعلاً, ثم حاول أن تحاصر نفسك فعلاً, على غرار ما يفعله بعض السحرة حين يضع نفسه داخل صندوق محكم بحيث لا يبدو أمامك أي منفذ ممكن, وفي هذا الوضع فقط يمكنك الخروج من الحصار, حيث يفسح المجال لعقلك الباطني كي يعينك على حل المشكلة, وتأكد أن العقل الباطني لن يخذلك في تسع حالات من عشر, ويوحي اليك بايجاد الحل.
ومن هنا فانه كثيراً ما يكون العائق الذي نصطدم به عائقاً شخصياً محضاً. فنحن نترك أنفسنا نهباً لبواعث التشتت الانسانية ونتيح للمشكلات الشخصية أن تثقل كواهلنا بما يؤدي بنا الى "التعب الفاشل" الذي يصد أمامنا سبل الانتاج في كل مجال.
إن أول خطوة ينبغي أن نخطوها هي أن نتخذ من التعب الذي يتعذر تعليله ولا يعود أمره الى سبب بدني نذيراً يحملنا على رد هذا التعب الى مصدره الحقيقي, فنجد في البحث عن الهزيمة التي نحاول سترها ولا نبغي الاعتراف بها. وعلينا بعد ذلك أن نشخص سبب هذا الفشل. وقد نجد في بعض الحالات النادرة ان المهمة في حقيقة الامر صعبة التحقيق وانما تتجاوز طاقتنا. فاذا كانت الامور كذلك, فما علينا الا ان نسلم بحقيقة الوضع ونعتذر عن المضي فيه. وقد تكون العقبة كامنة في تأبيناً مواجهة المشكلة, وهنا يكون الحل في معظم الحالات توجيه اهتمامنا بصبر ومثابرة الى العمل المطروح ومعالجته بكل ما نملك من مهارة وعزم, مع الاعتماد على إلهام عقلنا الباطني.
وأما الخطأ الاكبر فهو أن نعتبر التعب العقلي وكأنه تعب بدني. ففي حال التعب البدني, نستطيع أن نبرأ نتيح لأجسامنا فرصة الراحة, لكن التعب العقلي الناتج عن الفشل فلا يمكن التخلص منه بالاستسلام له واللجوء الى الراحة لأن ذلك يزيد المشكلة تعقيداً. وأياً تكن العقبة النوعية التي تعترض الطريق, فلا بد من إزالتها, وبسرعة, قبل أن يكتسحنا تعب الفشل.
وإنني أعتقد أنه لابد للإنسان من أن يحاول إحراز النجاح باعتبار أن هذا السعي أمر ضروري يستدعيه تكويننا الإحيائي,ويكفي القول إن النجاح ,من دون أن أتعرض هنا لتحديد فحواه,مرتبط بممارستنا المستمرة الرفيعة لقدراتنا,وبأداء المهمات وحل المشكلات فور ظهورها,فالنجاح هو مصدر تلك النشوة والبهجة و"التدفق" التي يجنيها الإنسان من ممارسته الطليقة لطلقاته,بل إن النجاح في اختصار يكمن في التفوق على التعب.
يقول "باب" في كتابه "أقطاب متنافرة": "ليست العبقرية إلا القدرة على بذل جهد مستمر,ولعل قليلاً من الجهد الإضافي يحيل ما بدا إخفاقاً ذريعاً الى نجاح باهر.
فلا إخفاق إلا في التوقف عن المحاولة ,ولاهزيمة إلا من داخلنا,ولاعقبة مستعصبة حقاً إلا ضعف العزيمة الكامن في النفس