|
أسماء الله ليست محصورة وبيان التسعة والتسعين اسما
أسماء الله ليست محصورة وبيان التسعة والتسعين اسما |
س : ما المقصود بأسماء الله الحسنى ؟ وهل هي محصورة في التسعة والتسعين اسما ؟ وما أفضل الطرق لتعيين الأسماء التسعة والتسعين حتى نتمكن من إحصائها ونحصل على الأجر المترتب على ذلك وهو دخول الجنة ؟
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه. وبعد، فمعرفة الله سبحانه وتعالى، ودعائه، وسلوك طريق عبادته من أعظم مقاصد العباد، ومنتهى ثمرات العلوم، وأسماء الله تعالى من أعظم مفاتيح معرفته، ومن أكبر أبواب إجابة الدعاء وسلوك طريق العبادة لله رب العالمين، يقول مالك بن دينار رحمه الله :«خرج أهل الدنيا من الدنيا، ولم يذوقوا أطيب ما فيها، قالوا : وما هو يا أبا يحيى ؟ قال : معرفة الله عز وجل»(1).
وفصل القول في حقيقة أسماء الله تعالى، وإزالة شبهات قد أثيرت، مصلحة عظيمة، حيث تيسر على المهتمين بهذا المبحث معرفة المنهج القويم الذي ينبغي أن تكون عليه الأفهام، وللإلمام بالموضوع إلمامًا جيِّدًا علينا أولا أن نعلم، معنى أسماء الله الحسنى.
معنى الأسماء الحسنى لغة:
الأسماء الحسنى مركَّب لفظي، يتوقف فهمه على فهم شِقَّيه، فالشق الأول : الأسماء. والشق الثاني : الحسنى. والأسماء : جمع اسم، وهو العلامة توضع على الشيء يعرف بها، واختلفوا في اشتقاقه، فقد ذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من (الوسم) وهو العلامة، وذهب البصريون إلى أنه مشتق من (السمو) وهو العلو (2). فأصل الاسم على رأي الكوفيين (وسم) حذفت فاؤه التي هي الواو، وعوض عنها بالهمزة (3)، وإنما سمي اسما؛ لأنه سمة توضع على الشيء يعرف بها (4). وأصله على رأي البصريين (سمو) على وزن (حمل) أو (سمو) على وزن (قفل)، ثم حذفت لامه التي هي الواو، وعوض عنها الهمزة في أوله (5).
والحسنى : على وزن فعلى، مؤنث الأحسن، أو مصدر كذكرى، ووصف به، والأحسن من الحسن، وهو الجمال، إلا أن الحسن في الأصل للصورة، ثم استعمل في الأفعال والأخلاق، والجمال في الأصل للأفعال، والأخلاق، والأحوال الظاهرة، ثم استعمل في الصورة.
المقصود بأسماء الله الحسنى:
المقصود بأسماء الله الحسنى، أن الله سبحانه وتعالى جعل ألفاظًا تدل على ذاته وتشير إليها، وهي أسماؤه، وكل لفظ من هذه الألفاظ يراد منه المعنى الأحسن والأكمل في حقه سبحانه وتعالى؛ فكانت الحسنى من هذه الجهة. ووجه الحسن في أسماء الله كذلك أنها دالة على مسمى الله، فكانت حسنى لدلالتها على أحسن، وأعظم، وأقدس مُسَمَّى، وهو الله عز وجل.
وقد وصف الله سبحانه وتعالى أسماءه بالحسنى في أربعة مواضع في القرآن الكريم، وهي قوله تعالى : {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف : 180]. وقوله سبحانه : {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء : 110]. وقوله تعالى :{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه : 8]. وقوله سبحانه وتعالى : {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر :24].
هل أسماء الله محصورة في تسعة وتسعين اسمًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة»(6). وفي رواية «من حفظها دخل الجنة، وإن الله وتر يحب الوتر»(7).
فهل يشير هذا الحديث إلى حصر أسماء الله في هذا العدد ؟
ما ذهب إليه جماهير العلماء أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد الوارد في الحديث، وإنما هي أكثر من ذلك، وإن خالف بعض العلماء في ذلك كابن حزم الظاهري، حيث عد ذلك خطأ منهم.
قال الإمام النووي رحمه الله : «واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه : أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر : «أسألك بكل اسم سَمَّيت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال : لله تعالى ألف اسم، قال ابن العربي : وهذا قليل فيها. والله أعلم»(8).
وقد تابع ابن تيمية الإمام النووي على ذلك، وصرح بأنه الصواب، في جواب لسؤال عن أن أسماء الله تعالى هل هي محصورة في هذا العدد ؟ فقال : «هذا القول، وإن كان قد قاله طائفة من المتأخرين، كأبي محمد بن حزم، وغيره؛ فإن جمهور العلماء على خلافه، وعلى ذلك مضى سلف الأمة وأئمتها، وهو الصواب»(9).
وإذا كانت أسماء الله سبحانه وتعالى غير محصورة في التسعة والتسعين اسمًا، وهو الصحيح، فما طريق معرفة أن هذه اللفظة اسمًا لله سبحانه وتعالى من كونها ليست باسم له؟ فالراجح أن السبيل لمعرفة أسماء الله سبحانه وتعالى هو الشرع، فأسماء الله توقيفية، يقول الرازي : «أن مذهبنا أن أسماء الله تعالى توقيفية لا قياسية، فقوله أولاً : {اذْكُرُوا اللَّهَ} أمر بالذكر، وقوله ثانيًا : {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} أمر لنا بأن نذكره سبحانه بالأسماء والصفات التي بينها لنا وأمرنا أن نذكره بها، لا بالأسماء التي نذكرها بحسب الرأي والقياس»(10).
قال النيسابوري : «اختلفوا في أسماء الله تعالى توقيفية أم لا؟ فمال بعضهم إلى التوقيف؛ لأنا نصف الله تعالى بكونه عالِمًا، ولا نصفه بكونه طبيبًا، وفقيهًا، ومستيقنًا، فلولا أن أسماءه توقيفية لوصف بمثلها، وإن كان على سبيل التجوز.
القائلون بعدم التوقيف احتجوا بأن أسماء الله تعالى وصفاته مذكورة بالفارسية والتركية، وأن شيئًا منها لم يرد في القرآن ولا في الأخبار، مع أن المسلمين أجمعوا على جواز إطلاقها.
والجواب: أن عدم التوقيف في غير اللغة العربية لا يوجب عدمه في العربية، وبأن الله تعالى قال : {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف : 180] وكل اسم دل على صفات الكمال ونعوت الجلال كان حسنًا ويجوز إطلاقه.
والجواب: أنه يجوز ولكن بعد التوقيف، لم قلتم إنه ليس كذلك؟
والغزالي فرق بين اسم الذات وبين أسماء الصفات فمنع الأول، وجوَّز الثاني.
واعلم أنه قد ورد في القرآن ألفاظ دالة على معانٍ لا يمكن إثباتها بالحقيقة في حق الله تعالى منها : الاستهزاء {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة : 15] والاستهزاء مذموم لكونه جهلاً {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة : 67] . ومنها المكر {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران : 54] ومنها الغضب {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الفتح : 6] ومنها التعجب {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] ...»(11).
فأسماء الله سبحانه وتعالى غير محصورة في التسعة والتسعين اسمًا، وهي توقيفية وليست قياسية، وذلك لصيانة الأدب مع الله، وعدم الوقوع فيما يستشكل ويعترض عليه كما مرَّ.
الحاجة إلى تعيين التسعة والتسعين اسما:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : «في قوله : «من أحصاها» أربعة أقوال : أحدها : من حفظها. فسره به البخاري في صحيحه، وتقدمت الرواية الصريحة به، وأنها عند مسلم. ثانيها : من عرف معانيها، وآمن بها. ثالثها : من أطاقها بحسن الرعاية لها، وتخلق بما يمكنه من العمل بمعانيها. رابعها : أن يقرأ القرآن حتى يختمه؛ فإنه يستوفي هذه الأسماء في أضعاف التلاوة، وذهب إلى هذا أبو عبد الله الزبيري. وقال النووي : الأول هو المعتمد، قلت : ويحتمل أن يراد من تتبعها من القرآن، ولعله مراد الزبيري»(12).
وأيا كان المعنى المقصود ففي الحديث حث على الإحصاء، فهو مطلوب شرعًا وإن كان على جهة الندب، ويلزم منه القدرة عليه، فالقدرة مناط التكليف قال تعالى : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة :286]، وحتى يكون ذلك مقدورًا لابد أن تكون تلك الأسماء معينة، أو ممكنة التعيين، وميسورة الإحصاء والحفظ.
قال الشيخ سليمان بن خلف الباجي : «وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة» وهذا يقتضي أنها مما يمكن أن يحصى ويعلم، وهو الأظهر، والله أعلم وأحكم»(13).
وعليه فإننا في حاجة إلى تعيين هذه الأسماء؛ لإحصائها، وتحصيل الأجر الذي حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فتعيين أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين يحقق الثمرة المرادة من الحديث، ولتحقيق هذه الفائدة العملية علينا أن نتبع أحد هذه المسالك :
1- اعتماد حديث الترمذي المشتهر في هذا الباب، ونصه : «إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا، مائة غير واحدة، من أحصاها دخل الجنة، هو الله، الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور»(14).
وعلق عليه الترمذي بقوله : «هذا حديث غريب، حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث. وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم، ولا نعلم في كثير شيء من الروايات له إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث. وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح» (15).
قال الحافظ ابن حجر بعد أن تكلم عن الروايات التي عينت التسعة والتسعين اسما، مشيرًا إلى رواية الترمذي : «وأما رواية الوليد عن شعيب، وهي أقرب الطرق إلى الصحة، وعليها عول غالب من شرح الأسماء الحسنى»(16).
وقد نقل ابن حجر عن الغزالي أنه كأنه استغرب من أحد العلماء عدم اعتماد الأسماء الواردة في حديث الترمذي، فقال : «وقال الغزالي : لم أعرف أحدًا من العلماء اعتنى بطلب الأسماء وجمعها من الكتاب سوى رجل من حفاظ أهل المغرب يقال له : علي بن حزم، فإنه قال : صح عندي قريب من ثمانين اسمًا، اشتمل عليها الكتاب؛ قال : فليتطلب الباقي من الصحاح من الأخبار. قال الغزالي : وأظنه لم يبلغه الحديث الذي في عدد الأسماء، أو بلغه واستضعف إسناده، انتهى»(17).
2- اعتماد المتفق عليه في حديث الترمذي من الأسماء المذكورة فيه التي جاءت في القرآن وصحيح السنة، ومحاولة تغيير بعض الأسماء التي لم ترد أو وردت بأحاديث ضعيفة على اعتبار أن حديث الترمذي مدرج كما ذهب أغلب المحققين، كابن حجر العسقلاني وغيره، أو ترك حديث الترمذي، ومحاولة استخراج جميع الأسماء من القرآن الكريم، وكلا الأمرين ذكرهما ابن حجر كذلك الأول نقله عن القرطبي، والثاني : نسبه لنفسه، وقال: إنه لم يسبق إليه.
قال ابن حجر : «وقال القرطبي في شرح الأسماء الحسنى له : العجب من ابن حزم ذكر من الأسماء الحسنى نيفًا وثمانين فقط، والله يقول : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ثم ساق ما ذكره ابن حزم :«وهو الله، الرحمن، الرحيم، العليم، الحكيم، الكريم، العظيم، الحليم، القيوم، الأكرم، السلام، التوَّاب، الرب، الوهاب، الإله، القريب، المجيب، السميع، الواسع، العزيز، الشاكر، القاهر، الآخر، الظاهر، الكبير، الخبير، القدير، البصير، الغفور، الشكور، الغفار، القهار، الجبار، المتكبر، المصور، البر، المقتدر، البارئ، العلي، الولي، القوي، المحيي، الغني، المجيد، الحميد، الودود، الصمد، الأحد، الواحد، الأول، الأعلى، المتعال، الخالق، الخلاق، الرزاق، الحق، اللطيف، الرءوف، العفو، الفتاح، المبين، المتين، المؤمن، المهيمن، الباطن، القدوس، الملك، المليك، الأكبر، الأعز، السيد، السبوح، الوتر، المحسن، الجميل، الرفيق، المعز، القابض، الباسط، الباقي، المعطي، المقدم، المؤخر، الدهر». فهذه أحد وثمانون اسمًا. قال القرطبي : وفاته «الصادق، المستعان، المحيط، الحافظ، الفعال، الكافي، النور، الفاطر، البديع، الفالق، الرافع، المخرج».
قلت : وقد عاودت تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حررتها منه تسعة وتسعين اسمًا. ولا أعلم من سبقني إلى تحرير ذلك، فإن الذي ذكره ابن حزم لم يقتصر فيه على ما في القرآن، بل ذكر ما اتفق له العثور عليه منه، وهو سبعة وستون اسمًا متوالية، كما نقلته عنه آخرها: الملك، وما بعد ذلك النقطة من الأحاديث. فمما لم يذكره وهو في القرآن : " المولى، النصير، الشهيد، الشديد، الحفي، الكفيل، الوكيل، الحسيب، الجامع، الرقيب، النور، البديع، الوارث، السريع، المقيت، الحفيظ، المحيط، القادر، الغافر، الغالب، الفاطر، العالم، القائم، المالك، الحافظ، المنتقم، المستعان، الحكم، الرفيع، الهادي، الكافي، ذو الجلال والإكرام» . فهذه اثنان وثلاثون اسمًا جميعها واضحة في القرآن إلا «الحفي» فإنه في سورة مريم، فهذه تسعة وتسعون اسمًا منتزعة من القرآن، منطبقة على قوله عليه الصلاة والسلام : إن لله تسعة وتسعين اسما، موافقة لقوله تعالى : {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}. فلله الحمد على جزيل عطائه، وجليل نعمائه. وقد رتبتها على هذا الوجه ليدعى بها:
الإله الرب الواحد، الله الرب الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الحي، القيوم، العلي، العظيم، التواب، الحليم، الواسع، الحكيم، الشاكر، العليم، الغني، الكريم، العفو، القدير، اللطيف، الخبير، السميع، البصير، المولى، النصير، القريب، المجيب الرقيب، الحسيب، القوي، الشهيد، الحميد، المجيد، المحيط، الحفيظ، الحق، المبين، الغفار، القهار، الخلاق، الفتاح، الودود، الغفور، الرءوف، الشكور، الكبير، المتعال، المقيت، المستعان، الوهاب، الحفي، الوارث، الولي، القائم، القادر، الغالب، القاهر، البر، الحافظ، الأحد، الصمد، المليك، المقتدر، الوكيل، الهادي، الكفيل، الكافي، الأكرم، الأعلى، الرزاق، ذو القوة المتين، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذو الطول، رفيع الدرجات، سريع الحساب، فاطر السموات والأرض، بديع السموات والأرض، نور السموات والأرض، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام»(18).
وعلى هذا فيمكن للمؤمن اتباع أي السبل المذكورة، فله متابعة ما ذكره ابن حجر، أو القرطبي، أو حتى ما استخرجه بعض المعاصرين كالشيخ عبد الله بن الصديق، أو الشيخ ابن العثيمين في تعيين هذه الأسماء التسعة والتسعين؛ لتحصيل الأجر، وإن كنا نرجح اعتماد ما ورد في حديث الترمذي؛ لأنها الرواية المشتهرة في أسماء الله الحسنى؛ ولأن أكابر العلماء عولوا عليها في شرح أسماء الله الحسنى كأبي حامد الغزالي في كتابه «المقصد الأسنى» وغيره من العلماء، وقد مر في كلام ابن حجر العسقلاني السابق ذكره.
فإن هذه المحاولات من العلماء في تعيين التسعة والتسعين اسما، كلها اجتهادات مقبولة، ويجوز للمسلم تقليد إحداها، ولا ينبغي أن يعلن أحدهم أنه اكتشف خطأ الأمة في اختيارها حديث الترمذي، وأقصى ما يكون له أن يساهم بمساهمته كما فعل ابن حجر، والقرطبي، وغيرهما، فهو بذلك وقع في إلغاء ما عول عليه العلماء، وهو كارثة أن يعمد المجتهد -إن كان مجتهدًا- لإلغاء ما قبله من أقوال، كما أنه ليس له أن يصور للناس أنه جاء بجديد، فقد سلك قبله ابن حجر والقرطبي وغيرهما هذا المسلك، فنسأل الله أن يرزقنا الفهم.
وبما مر يتضح معنى الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى، ويتأكد لنا أنها غير محصورة في التسعة والتسعين اسمًا الواردة في الحديث، وأن هناك سبلا لتعيين هذا العدد لا ينكر على من اتبع أي هذه الطرق.
والله تعالى أعلى وأعلم.
قائمة المصادر والمراجع:
---------------------------
1- شرح صحيح مسلم، يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث - القاهرة
2- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير - دمشق
3- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار إحياء التراث العربي- القاهرة
4- تفسير الرازي، فخر الرازي، دار الفكر – بيروت
5- حلية الأولياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، دار الكتاب العربي - بيروت
6- الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف، الحافظ ابن عبد البر، مطبوعة ضمن الرسائل المنيرية، طبعة 1343 هـ.
7- مجموع الفتاوى، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، مجمع الملك فهد – الرياض
8- التلخيص الحبير، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مؤسسة قرطبة – الرياض
9- المنتقى شرح الموطأ، سليمان بن خلف الباجي، دار الكتاب الإسلامي - القاهرة
10- سنن الترمذي، محمد بن عيسى السلمي الترمذي، دار إحياء التراث - القاهرة
11- فتح الباري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار المعرفة - بيروت
الهوامش:
---------------------------
(1) رواه أبو نعيم في الحلية 2/358.
(2) الصاحبي في فقه اللغة ـ لابن فارس ـ : 88، الأمالي الشجرية ـ لأبي السعادات ابن الشجري ـ 2 / 66 ـ 67، شرح المفصل ـ لابن يعيش ـ 1 / 23، الإنصاف في مسائل الخلاف 1 ـ 6 .
(3) المصباح المنير ـ للفيومي ـ مادة ( سما )، الإنصاف ـ لابن الأنباري ـ 1 / 6 .
(4) الإنصاف ـ لابن الأنباري ـ 1 / 6 .
(5) المرتجل ـ لابن الخشاب ـ : 6، الإنصاف ـ لابن الأنباري ـ 1 / 7 ـ 8 .
(6) أخرجه البخاري في صحيحه 2/981، ومسلم في صحيحه 4/2063.
(7) أخرجه مسلم في صحيحه 4/2062.
(8) شرح مسلم للإمام النووي 9/39.
(9) مجموع الفتاوى، لابن تيمية 22/482.
(10) تفسير الرازي، 3/195.
(11) تفسير النيسابوري، 1/14.
(12) تلخيص الحبير، لابن حجر، 4/ 321.
(13) المنتقى شرح الموطأ، لسليمان بن خلف الباجي 7/272.
(14) سنن الترمذي 5/530.
(15) سنن الترمذي 5/530.
(16) فتح الباري، لابن حجر العسقلاني 11/216.
(17) تلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني 4/319.
(18) تلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني 4/318 : 321.
|
|