الرياض: كمال عبدالرحمن
عالميا أصبح الاستثمار في الصناعات الغذائية من الأنشطة الاقتصادية التي تحقق مردود ربحي عالي، فمع تصاعد معدلات الاستهلاك العالمية تصاعد الطلب على المنتجات الغذائية بنسبة 3.2 بالمائة عما كان عليه في نهاية العام 1999 . ووفقا لإحصاءات صادرة عن معهد الصناعات الغذائية في الولايات المتحدة الأمريكية فإن الزيادة في الطلب أدت بدورها إلى ارتفاع في أسعار المنتجات الغذائية بنسبة 0.5 بالمائة، كما ارتفعت مبيعات المصانع بنسبة 8 بالمائة.
وفي الكثير من الدول العربية فإن ما ينفق على استيراد المواد الغذائية يفوق الكثير من السلع الأخرى، فالأردن مثلا وعلى صفر مساحتها الجغرافية وقلة عدد سكانه تستورد موادا غذائية بما يعادل أكثر من 500 مليون دولار سنويا. وبالرغم مما يزخر به العالم العربي من موارد أولية تصلح لبناء قاعدة إنتاج صناعي غذائي كبيرة، إلا أن أرفف متاجر الأغذية تمتلئ عن آخرها بالمنتجات الغذائية التي تحمل علامات أجنبية، مما يشير إلى الضعف الواضح في مجال الصناعات الغذائية في العالم العربي.
والسؤال الذي يبرز نفسه بوضوح هو: لماذا هذا الضعف؟ وما السبل الكفيلة بإصلاح حال الاستثمار في مجال الإنتاج الغذائي...
الاستفادة من تكنولوجيا التصنيع:
الشركات الصناعية مطالبة بتبني طرق ووسائل أكثر تناغما مع المستجدات والتطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم حاليا، فضعف الإنتاج يعزيه الكثير من المختصين إلى عدم التفاعل الكامل مع تكنولوجيا التصنيع الحديثة، فالكثير من المنتجات الغذائية العربية لا ترقى لمستوى المنتجات الأوربية أو الأمريكية سواء من حيث الجودة أو المذاق، بالرغم من أن معظم تلك المنتجات أستخدم فيها مواد خام زراعية عربية الأصل، مما يدلل على عدم مقدرة الكثير من الصناعات الغذائية العربية على التواؤم مع التكنولوجيا والاستفادة منها في تطوير المنتجات الغذائية. كما أنها مطالبة أيضا بتبني خطط استثمارية تطويرية ذات جدوى اقتصادية فاعلة، والتطوير في حد ذاته عنصر هام في العملية الاستثمارية، فكل الطفرات التي حققتها الشركات العالمية في السنوات الأخيرة قامت على أسس علمية وموضوعية بعيدا عن أسس المغامرة التي كانت تحكم نمو الاستثمارات في السابق.
مراحل التطوير:
تمر عملية تطوير المنتجات الغذائية الجديدة بالعديد من الخطوات أو المراحل المتسلسلة والمرتبة و تحدد نتائج النشاطات المرتبطة بكل خطوة أسلوب وآلية الانتقال إلى الخطوة اللاحقة أو عدم الاستمرارية، وتتضمن هذه الخطوات ما يلي:
1- التخطيط ووضع الأهداف وجمع الأفكار وتصنيفها
2- تصنيع النماذج الأولية للمنتج الغذائي في المعمل
3- تصنيع الصيغ المثالية على مستوى المصنع التجريبي
4- تصنيع الصيغ المثالية على مستوى التصنيع التجاري
5- متابعة دورة حياة المنتج الجديد في السوق
إن تسلسل الخطوات الأساسية لتطوير المنتجات الغذائية الجديدة قد لا يكون موحداً لدى الكثير من الشركات والمصانع الغذائية ولكن أسس هذه الخطوات من تخطيط وإدارة اقتصادية وفنية وبحوث تسويقية وفنية تتشابه إلى حد كبير، فلكل شركة أو مصنع طريقة معينة تسمى عادةً «السرية في التصنيع» تخص الشركة وحدها. قد لا تتوفر لدى الشركات الصغيرة أو بعض المتوسطة التجهيزات اللازمة والخبرة الفنية المتخصصة فتلجأ إلى التعاقد مع شركات متخصصة في مجال البحث والتطوير.
التخطيط ووضع الأهداف
تبدأ الإدارة العليا في تقدير المصادر الداخلية والنزعات الخارجية قبل وضع الأهداف حيث تقوم جميع المستويات الإدارية في قسم البحث والتطوير بإعداد قائمة جرد تتضمن
الأيدي العاملة، المهارات الفنية الخاصة، التقنية الفريدة والميزانية المتاحة. ثم يقوم المخططون بوضع أهداف مشتركة لتوظيف الإمكانات المتاحة توظيفاً سليماً. إن الفهم الواضح للأهداف يساعد على استمرارية سير عملية التطوير. فالأقسام الوظيفية في الشركة لابد أن تفهم أهدافها الانفرادية كما أن التفاعل الجيد بين هذه الأقسام لتنفيذ أهداف الشركة يعتبر مفتاح المنتجات الجديدة الناجحة. وتشمل أهداف عملية التطوير والبحث ما يلي:
1- زيادة الربح والتي لا تستطيع المنتجات الحالية تحقيقها
2- المحافظة على حجم المبيعات وزمن التقديم في السوق
3- التنويع في المنتجات لتلبية رغبات أكبر قاعدة ممكنة من المستهلكين
4- توسيع المبيعات إلى مناطق جغرافية جديدة أو الدخول في أسواق جديدة
5- الاستفادة من السعة الإنتاجية المعطلة
6- تمويل تقنية جديدة مستحدثة
تصنيع النماذج الأولية للمنتج الغذائي في المعمل
من الضروري أن تكون السلعة قد مرت بكافة الخطوات البحثية والفنية قبل إنزالها في الأسواق للمرة الأولى، فالانطباع الأول للمستهلك يكون الرأي النهائي له حول السلعة، فإذا كان ذلك الانطباع سيئا كانت تلك نهاية السلعة في الأسواق أما إذا كان انطباعا جيدا فإن السلعة ستجد رواجها المطلوب. عليه فإن عملية إعداد السلعة وإخراج النماذج الأولية منها تعتبر خطوة هامة وأساسية ولا يمكن الاستغناء عنها.
دراسة أوضاع المستهلكين:
أثبتت الكثير من الدراسات التي أجريت حول علاقة نجاح الاستثمارات وسلوك المستهلكين نحو السلعة المستثمرة أن سلوك المستهلكين يحدد بقدر كبير رواج السلع في الأسواق من عدمه، والسلوك العربي الإستهلاكي معروف بميله نحو كل ما هو أجنبي، وهذا يعكس أمرين هامين: الأول هو أهمية الإعلان في جذب أنظار الناس وتشويقهم لسلعة معينة، والملاحظ أن المستثمر العربي لا يعطي هذا الجانب القدر من الاهتمام اللازم وهذا ما يفسر إلى حد بعيد رواج السلع الأجنبية أكثر من نظيراتها من المنتجات العربية. أما الأمر الثاني فيتمثل في عدم ثقة المستهلك العربي بالمنتجات العربية إما لعدم جودتها أو بسبب غلاءها.
ومعالجة المعضلتين السابقتين تتطلب من المستثمرين في مجال الإنتاج الغذائي التركيز على الحملات الإعلانية الموضوعية والبعيدة عن الابتذال، مع مراعاة ثقافة وسلوك المستهلك العربي. كما أن هنالك أهمية قصوى لمراجعة أوضاع الكثير من المنتجات العربية من حيث جودتها ومكوناتها وطرق تغليفها وحفظها.
وفي استطلاع أجرته مؤسسة أمريكية متخصصة في دراسة توجهات المستهلكين وجد أن 54.6% ممن شملهم الاستطلاع يضعون في الإعتبار نوعية الماركة وصورة وسمعة السلعة قبل شراءها، ويهتم 14.4 % بمدى اتباع الشركة المنتجة لأخلاقيات العمل، وفيما قال 11.3 % أن العوامل الاقتصادية والمالية هي التي تحكم توجهاتهم الاستهلاكية، أجاب 7 % أن التأثيرات البيئية هي المتحكم الأول في توجهاتهم الاستهلاكية.
دراسة أوضاع السوق:
الملاحظ أن معظم المنتجات الغذائية العربية ينتهي مصيرها إما في مستنقع الكساد الناتج عن إغراق الأسواق، أو مستنقع الندرة الشديدة الناتجة عن قلة الإنتاج في بعض السلع.
والسوق العربي بشكل عام سوق متقبل للمنتجات الغذائية التي تتميز بالقدرة التنافسية، وهذا أمر مشجع للمستثمرين إذا ما تبنوا الخطوات اللازمة لوضع منتجاتهم في موضع تنافسي مريح.
متابعة دورة حياة المنتج الجديد في السوق
من أجل ضمان نجاح المنتج فلا بد من اتخاذ الخطوات التسويقية اللازمة والتي تضمن استمرارية المنتج ومنافسته في الأسواق، ونجاح تلك الخطوات يستوجب إجراء البحوث في أوساط المستهلكين ومعرفة آراءهم حول ما يجب أن يتم من تغييرات لتطوير المنتج.
الاستفادة من الفائض الغذائي:
تعتبر عملية هدر الموارد الغذائية من أخطر العمليات الاقتصادية على الإطلاق، وتتمثل الخطورة في أن الطاقات والإمكانات التي تستخدم في إنتاج الغذاء المهدر هي طاقات وإمكانات يجب الاستفادة من كافة مخرجاتها بالشكل الذي يتماشى مع العملية الاقتصادية في مجملها.
وفي المنطقة العربية وحدها تشير دراسات المنظمة العربية للتنمية الزراعية إلى أن قيمة الفواقد في المنتجات الزراعية والغذائية تصل إلى أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي. إن بالإمكان تقليل هذه الفواقد باستخدام الطرائق المناسبة في الحفظ والنقل والتداول والتخزين، غير أن الطرائق التقليدية في الحفظ، وخصوصاً بعد التوسع الهائل في استخدام المواد الكيميائية في مراحل الإنتاج والتصنيع وحتى وصول المنتج الغذائي إلى مائدة المستهلك، أصبحت معرضة للشكوك والتساؤلات حول علاقة هذه المواد بصحة الإنسان، وأوجدت الحاجة إلى طرائق بديلة من أهمها تقنية التشعيع بهدف الحفظ كطريقة واعدة بدأت كفكرة منذ أكثر من ستين عاماً، ومرت بتجارب بحثية ودراسات مستفيضة لم تحظ بها أي طريقة من طرائق الحفظ، حتى أصبحت في الوقت الحاضر مستخدمة في أكثر من أربعين بلداً في العالم، بل ودخلت المجال التجاري في حوالي 28 بلداً، ولكنها ما زالت رغم ذلك غير مطبقة في الدول العربية باستثناء سوريا ومصر لأسباب عديدة، أهمها: نقص الوعي والمعرفة، وعدم مواكبة المستجدات حيال تقنية تشعيع الأغذية بهدف الحفظ سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات الحكومية والخاصة.