بتـــــاريخ : 6/7/2008 10:38:02 AM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1976 0


    نحـن والعولمــة: لامجـال لـ«الفهـلـوة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د.عبدالكريم بكار | المصدر : www.bab.com

    كلمات مفتاحية  :
    اقتصاد تحليل

    أبها (السعودية )- د.عبدالكريم بكار(جامعة الملك خالد)

    تمنح تقنيات الاتصالات وشبكات المعلومات المتوفرة الآن الأمم المختلفة فرصاً عظيمة لتبادل الخبرات وتجديد الوعي،وتحرير العقل والنفس من البرمجات الثقافية العليلة والمتأسّنة... ونحن المسلمين لا نخشى من الاتصال بالآخرين؛ فقد زجّ الإسلام بأبنائه في خضم الصراع العالمي، وخرجوا منتصرين عسكرياً، وشيدوا حضارة وطيدة الأركان شامخة البنيان، بل إنني أقول: إنه كان الأليق بالمسلمين أن يكونوا هم وراء ثورة الاتصالات، حتى يتواصلوا فيما بينهم عبر القارات، وحتى ينشروا النور الذي أكرمهم الله به، ولكن... من الذي يقود العولمة؟ لو كان المفكرون والعلماء هم الذين يقودون العولمة، لأمكن أن نعثر على فرص عظيمة للحوار والنقاش والتلاقح الثقافي... ولو أن الساسة كانوا هم الذين يقودونها؛ لأمكن عقد صفقات دولية كبرى، يعود نفعها على الجميع... نعم العولمة تستخدم منتجات العلم، وتتبدّى أحياناً في بعض صور النشاط السياسي- كما يظهر ذلك في سلوك أمريكا الدولي مثلاً- لكن لا الفكر ولا النظم السياسية هي التي تتحكم في الإخراج النهائي للعولمة. إن الذي يقود حركة «العولمة» هو «نظام التجارة» وهو نظام أعمى أصم، لا يعرف سوى الربح وتكديس الأموال. وهو نظام غلاّب بطبعه، ما نازل نظاماً آخر إلا غلبه، لكن بطشه مستمد من ضعفه، فهو أقل النظم الاجتماعية اهتماماً بالرمزيات الوطنية، وأقلها اكتراثاً بالقيود الأخلاقية، وأبعدها عن النزعة الإنسانية. المستفيدون من العولمة هم الذين يقومون بترسيخ وجودها، وهم صفوة الأثرياء، وأصحاب الشركات المتعددة الجنسية، حيث تتضاعف أرباح القلة على حساب شقاء الكثرة الكاثرة من البشر. وتذكر بعض الإحصائات أن «358» مليارديراً يملكون ثروة تضاهي مايملكه ملياران ونصف المليار من البشر، أي ما يقرب من نصف سكان المعمورة. وهذا الثراء المتزايد دائماً يتم بسبب تضخم «الاقتصادي» وتهميش «السياسي» والذي يدفع الثمن هم الفقراء الذين بدؤوا يفقدون حماية الدول لهم من مخالب اقتصاد السوق، ويعانون تراجع الخدمات الرخيصة التي تقدم إليهم، وذلك بسبب التهرب من الضرائب، وبسبب الإمكانات المتسعة لنقل الأموال والأعمال من بلد إلى آخر على ما تقتضيه مصلحة أصحابها وهكذا. ففي العالم اليوم تبخر مستمر للطبقة الوسطى حيث ينضم جمهورها الأعظم إلى طبقة الفقراء والعاطلين عن العمل، وتنضم فئة منها لا تزيد على 20% إلى صفوف الطبقة الثرية، ولا يناظرها في مسيرة التدهور المتصاعد سوى «البيئة الطبيعية» التي يتم تدميرها بشكل منتظم من أجل تحقيق الأرباح، ولو أدى ذلك إلى وجود خراب لا يمكن إصلاحه. تفكيك الثقافات المحلية: يدور حول الأرض اليوم أكثر من خمسمائة قمر صناعي، تبث في كل اتجاه الصور والأفكار والنماذج والنظم.. لكثير من جوانب الحياة التي يعيشها العالم الصناعي المتمكن. وهذا الفيض الهائل من رموز الحداثة أربك «الوعي» لدى السواد الأعظم من أبناء الشعوب النامية، فمن خلال الدعاية المكثفة صار للناس أحلام جديدة، توجه سلوكاتهم، وتصوغ تطلعاتهم على نحو تعجز إمكاناتهم عن تحقيقها، كما أن «العولمة» أدت إلى تسريع التحولات الهيكلية في أسواق العمل، مما جعل الكثير من الشباب يجد نفسه دون تأهيل مناسب لمتطلبات التنمية الحديثة. وبهذا وذاك يتم الآن تفكيك الثقافات المحلية، وضرب الجذور لكثير من المفاهيم والتقاليد الوطنية، وزج مئات الملايين من الناس في وسط هلامي زاهد في القديم، وعاجز عن التعامل مع الجديد! مدخل العولمة: يصور لنا المستفيدون من الأوضاع الجديدة أن العولمة أشبه ما تكون بمصير كوني جاءت به تطورات منطقية محتومة، ولذا فليس أمامنا سوى الاستسلام ومحاولة الحصول على جزء من كعكة العولمة. ويتضايق كثير من مثقفينا حين يسمعون غير ذلك، ويغضُّون الطرف عن بعض الحقائق الصارخة التي تشير بأصبع الاتهام إلى حركة العولمة برمتها!. إن من الواضح أن العولمة ماهي سوى استثمار مكثف لكل أشكال التفوق الغربي، وهذا الاستثمار مجرد من أي معنى إنساني، وهو يستخدم مداخل غير أخلاقية وغير عقلانية أو علمية في حصد المزيد من المكاسب للغرب الظافر، حيث يتم «تنميط العالم» من خلال تدمير «التنوع الثقافي» العالمي بنية تسهيل السيطرة، وإزالة كل الحواجز التي تقف في سبيل هيمنة الشركات الكبرى على توجهات الناس وسلوكاتهم. والوسائل لذلك شهوانية استهلاكية في المقام الأول في «هوليود» وأشباهها فتحت كل أبواب غرف نوم الغرب، وكل أبواب مو اخيره، وكل أبواب مباذله ولهوه، وسوّقت كل الرموز والصور التي يوحيها ذلك باعتباره جزءاً من مجهود ضخم لصياغة كونية جديدة، يُهمش فيها الفقراء والضعفاء، ويقادون من خلال رغباتهم إلى الوضعيات التي تخدم صنّاع العولمة. أما أسرار التقنية- ولاسيما في مستوياتها العليا- فهي مخزونة وراء سبعة أبواب، لأنها ليست مما يعرض للبيع أو التصدير!. هل لنا من موقف؟ كانت الشعوب الضعيفة تحمي ثقافاتها من بطش الثقافة الغالبة بالعزلة والتقوقع، أما اليوم فإن هذا أضحى غير ممكن، فثورة الاتصالات وضعت الناس فيما يشبه الخلاطة الكبيرة، و جعلت الكل يراقب الجميع. لكننا نعتقد أن كل أزمة تمنح فرصة، وليست هناك وضعية يمكن أن نعدها شراً خالصاً. العيش على هامش العصر، لا يختلف في السوء عن الاندماج في ثقافة أجنبية منحرفة، فكلاهما مصدر للتحلل الذاتي. وأود القول: أن أي تحسين لمستوى تعاملنا مع آثار العولمة وتحدياتها، والاستفادة من فرصها، لا بد أن ينطلق من تحسين«ذواتنا» إذ لا هامش هناك لـ«الفهلوة» والمناورة. إن «العولمة» ظاهرة شديدة التعقيد والتداخل، وإن التعامل معها ينبغي أن يرتكز على مجموعة من «الحلول المركبة» وأعتقد أننا بحاجة إلى أن نوزع جهودنا في هذا الشأن على ثلاثة محاور أساسية، هي: 1- المزيد من الالتزام: إن العولمة تحمل- على نحو عام- روحاً علمانية مادية، وهي بالإضافة إلى كونها تؤسس لنفسية استهلاكية دنيوية، تهوّن من شأن المحرّمات الثقافية، وتنزع الاعتبار عن كثير من القيم والمعايير الأخلاقية... وهذا يوجب علينا أن نهتم بتحسين مستوى الالتزام لدى أشبالنا وشبابنا، كي نساعدهم على البقاء داخل الأطر الإسلامية السمحة، وحتى نحميهم من تيار الشهوات الجارف الذي تغذيه العولمة، وتمكن له في كل الأرجاء، وعلى كل المستويات. لا يعني الالتزام ترك المحرمات، والقيام بأداء الواجبات فحسب، وإنما يعني إلى جانب ذلك إنعاش القيم التي يفرضها العيش في عصر العولمة، مثل قيمة الشورى والحرية والانفتاح والحوار والتعاون والتضامن الأهلي والنزاهة.... حيث إن هذه القيم هي التي تجعل ثقافة أكثر جاذبية من ثقافة أخرى، وهي التي تساعد على الصمود في وجه الثقافة الغربية الغازية. إذا لم نفعل ذلك فسيكون من غير المستغرب أن نرى مجتمعاتنا تذوب بين أيدينا ونحن مشدوهون دون أن نفعل أي شيء!. 2- المزيد من التفوق: إنه ما التقى ضعيف بقويّ إلا كان اللقاء- غالباً- في مصلحة القويّ، وإذا أخذنا اتفاقية «الجات» نموذجاً للعلاقات التي تؤسس لها العولمة أيقنا أن العالم كله يتجه إلى الاستغناء عن خدمات الضعفاء والعاديين، فـ«الأتمة» الآخذة بالتوسع، وخطط ضغط النفقات- من أجل القدرة على المنافسة- وإعادة تنظيم الأعمال الكبيرة... كل ذلك سيجعل أرباب العمل يستغنون عن معظم الأعمال التي يقوم بها أشخاص عاديون، وستقتصر الحاجة على نحو من 30% من طاقات العمل المتوفرة، هذا بالإضافة إلى أن سد الفجوة الحضارية القائمة بيننا وبين الغرب، ليس له من سبيل سوى التفوق في المجال العلمي والتقني من خلال تعليم أفضل، وتدريب أرفع مستوى وأكثر انتشاراً، وبحث علمي أكثر رصانة، ومن خلال تربية أسرية واجتماعية، يتعود فيها الفرد لدينا التفكير المعقد والعمل الشاق، وطول النفس في الإنجاز والبناء. 3- التحول من التأثر إلى التأثير: إن ثورة الاتصالات- التي مازالت في بدايتها- أتاحت لمن عنده شيء يود أن يقدمه أن ينشره على أوسع مدى، ونحن أمة لها رسالة عالمية، وخصوصية ثقافية وحضارية وطموحات نحو قيادة العالم وتوجيهه، ولايليق بنا أن نتجاهل كل ذلك لننشغل ببعض الإنجازات الصغيرة أو التطلعات المحدودة، وإن أي مواجهة صحيحة لآثار العولمة، يجب أن تعتمد- فيما تعتمده- على التحول من الاهتمام بالشأن الخاص إلى الاهتمام بالشأن العام، ومن الصلاح إلى الإصلاح، ومن الخطاب المحلي إلى الخطاب العالمي، إذ إن أفضل وسيلة لحماية حدودنا الثقافية أن نبني خطوطاً متقدمة في ثقافة الآخرين، نبلّغ من خلالها رسالتنا، ونضفي على أنفسنا مسحة التألق واللياقة الحضارية. وإن على مثقفينا أن يوضحوا للناس ما عليهم أن يفعلوه في هذه السبيل، فذاك هو جوهر الريادة الاجتماعية، وهو استحقاقها. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (48) بتاريخ (ربيع الأول 1420هـ -يونيو/يوليو 1999م)

    كلمات مفتاحية  :
    اقتصاد تحليل

    تعليقات الزوار ()