بتـــــاريخ : 10/23/2008 7:21:33 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1195 0


    النخبة مفهومها

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    نسمع كثيرا استعمال كلمة النخبة ، فما هو مفهومها وخصائصها فى الفكر الإسلامى ؟

    والجواب : 

        مفهوم النخبة نراه في الكتاب والسنة وحكمة البشر وواقعهم، ولكنه يتعرض من بعض تيارات ما بعد الحداثة في العصر الحاضر لكثير من الرفض، ومحاولات ضخمة لتحطيمه واقتلاعه من فكر الناس وواقعهم.
        وهذا التيار لا يعتمد على تجربة بشرية مستقرة، ويدعونا إلى شيء جديد لا نعرف ملامحه ولا إلى أي طريق يقودنا إليه، وما النتائج أو المصائب التي ستترتب عليه؛ وذلك أنه مخالف لسنة الله في كونه، من أنه سبحانه فضّل بعض الأزمان على بعض، وفضّل بعض الأماكن على بعض، وفضّل بعض الأشخاص على بعض، وفضّل بعض الأحوال على بعض، وجعل من هذا التباين سببًا لدفع الناس، وتعارفهم، ولعمارة الأرض، ولحراكهم عبر حركة التاريخ. 
        والقضاء على النخبة والدعوة إلى التساوي المطلق قد تتضمن في طياتها هلاك العالم، وهناك مجموعة من النصوص التي يمكن أن تكون أساسًا لهذا المعنى؛ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(1)، وقال تعالى: { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ }(2)، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }(3) فجعل الله للناس رءوسًا، وجعل ذلك طبقا لكفاءاتهم ورغبتهم في الإصلاح دون الإفساد، ونعى على ذلك التصور الذي يكون فيه جميع الناس في تساوٍ مطلق فقال: { لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً }(4)، وقال: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(5). وعدم التساوي لا يعني أبدًا عدم المساواة؛ فربنا يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً}(6).
        وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الناس كأسنان المشط»(7)، وقال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى»(8).
        ووجود النُّخَب والصفوة يؤدي إلى حل المشكلات، وإلى الأمن والاستقرار بين الناس، والفتن التى تقع بين الحين والآخر إنما هى في حاجة إلى نخبة تتدخل فتوقفها، والانفلات الحاصل في الفضائيات - سواء في مجال الفتاوى أو البرامج الدينية من ناحية، أو الفساد العريض الداعر من ناحية أخرى - كان يمكن حله بمجلس الحكماء، إلا أننا نرى هجمة شرسة لا تستثني أحدًا برءوس مصر وحكمائها، تتبنى ذلك التيار الذي يريد اقتلاع النخبة والقضاء على الصفوة، غير مدركين أن الصفوة إذا ذهبت ذهب معها الأمن والاستقرار والتقدم، وأدت إلى الحيرة والاضطراب.
        ويا ليت المحطمين لرموز مصر يتكلمون عن حقيقة، أو عن تحقيق، بل إنهم يتكلمون بطريقة صبيانية، يختلقون فيها الأحداث، ويستنبطون من عقولهم خيالات يحاولون أن يصدقوها، والنبي صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»(9) فإذ بهؤلاء يشتدون في الكذب، حتى يحولون كل ما يتخيلون - دون أي سماع لأي خبر موثق- إلى وهم يعيشون فيه يظنونه الحقيقة، فصدق عليهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول: «وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا»(10)، وانظر إلى كلمة: «يتحرى الكذب» أي أنه يعشقه ويسر به ويتتبعه وينشئه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، ويقول صلى الله عليه وسلم: «وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ فيكتب الله عز وجل عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه»(11). وفي لفظ البخاري: «يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»(12)؛ وذلك لما يترتب عليها من إساءة ومن ضرر على المستوى العام والخاص.
        ووجود هؤلاء الحكماء والمحافظة عليهم - بل إقالة عثرتهم إذا عثروا تحقيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم»(13) - هو الذي يحكيه الأفوه الأودي في قصيدته؛ حيث يقول:
    لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُمْ      إذا تَوَلَّى سَراةُ القومِ أَمْرَهُمُ
    ولا سَراةَ إذا جُهَّالُهُمْ سادُوا                نَما على ذاك أَمْرُ القومِ فازْدادُوا

        وتوجيه القرآن والسنة وحكمة الشعر تحكي واقعًا معيشًا لا فكاك منه، وطاعة هذه الأمور هي نوع من الحكمة؛ قال تعالى: {يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(14)، وبدون ذلك يصدق قول الأفوه الأودي في نفس القصيدة؛ حيث يقول:
    كيفَ الرشادُ إذا ما كنتَ في نَفَرٍ     لهُمْ عنِ الرُّشْدِ أَغْلالٌ وأَقْيادُ؟

        فالحكماء يدركون الحقائق، فمثلاً هذا الذي ينوي إثارة الفتنة ولم يقرأ في دينه الذي يعتقد فيه قول السيد المسيح فيما أورده إنجيل متى الإصحاح الخامس 43-48: "أسمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك * وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم * لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين * لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم، أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك * وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون أليس العشارون أيضًا يفعلون هكذا * فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماء هو كامل". اهـ.
        وهو نقل مهم، أيده الإسلام عندما قال تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }(15)، وأيده حيث وصف أولئك الذين لا يمتثلون له، بل يستبدلون بتلك النصائح والتعاليم السخرية والاستهزاء والازدراء من الآخرين؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }(16).
        فجعلَ الحساب والمؤاخذة والنقاش في الآخرة، فسبحان من أنزل القرآن ليكون للعالمين نذيرًا، فيجب أن يكون ذلك معلومًا لدى الكافة، لا مقصورًا على طائفة الصفوة أو الحكماء فقط، بل يكون منهج حياة؛ حتى لا تكرر مثل هذه الترهات، ويصمت إلى الأبد البغاث.

    المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .

    الهوامش:
    ------------------
    (1) الآية 11 من سورة المجادلة.
    (2) من الآية 253 من سورة البقرة.
    (3) من الآية 59 من سورة النساء.
    (4) من الآية 31 من سورة الرعد.
    (5) من الآية 40 من سورة الحج.
    (6) من الآية 1 من سورة النساء.
    (7) أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (1/ 145) حديث (195)، وابن عدي في «الكامل» (3/ 248)، والديلمي في «مسند الفردوس» (4/ 301) حديث (6883) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
    (8) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 411) حديث (23536) من حديث أبي نضرة العبدي عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 289)، وأبو نعيم في «الحلية» (3/ 100) من حديث أبي نضرة العبدي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (5/ 86) حديث (4749) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
    (9) أخرجه مسلم في مقدمة «صحيحه» باب «النهي عن الحديث بكل ما سمع» حديث (ه) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    (10) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «قول الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }» حديث (6094)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «قبح الكذب وحسن الصدق وفعله» حديث (2607) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
    (11) هذا اللفظ أخرجه ابن ماجه في كتاب «الفتن» باب «كف اللسان عن الفتنة» حديث (3969) من حديث بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه، وهذا الحديث أخرجه البخاري بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب «الرقاق» باب «حفظ اللسان» حديث (6478).
    (12) أخرجه البخاري في كتاب «الرقاق» باب «حفظ اللسان» حديث (6477) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    (13) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 181) حديث (25513)، وأبو داود في كتاب «الحدود» باب «في الحد يشفع فيه» حديث (4375)، والنسائي في «السنن الكبرى» (4/ 310) حديث (7293)، (7294)، والدارقطني في «سننه» (3/ 207)، والطبراني (3/ 277) حديث (3139) من حديث عائشة رضي الله عنها.
    (14) الآية 269 من سورة البقرة.
    (15) من الآيتين 109، 110 من سورة البقرة.
    (16) الآيات من 29 : 36 من سورة المطففين.

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    تعليقات الزوار ()